“هي حرب وجودية”، قالها الامين العام لحزب الله أمام جمهوره واللبنانيين عموما، مغلقا بذلك ما تبقى من فسحة الحوار الداخلي حول امكانية انسحاب مقاتليه من الاراضي السورية.
ولأنّ حربه هذه يخوضها ضدّ من يسميهم “التكفيريين” (مصطلح يحتاج من قبل مطلقه الى تعريف واضح من هو التكفيري ومن هو غير التكفيري في صف المناوئين للاسد في سورية)، فإنّ ما تظهره الوقائع السياسية والميدانية يؤكد أنّ عصب هذه الحرب يستند الى “المذهبية”. وهي لا تبشّر بخلاص طالما انّ الحرب باتت “وجودية”، على ما قال السيد نصرالله.
وأيّا كان التعريف للتكفيري، فالثابت انّ كلّ من يقاتل النظام السوري هو في هذه المصاف: امّا “قاعدة” أو اخواتها، وإمّا “إسرائيليون”، أي “تكفيري” دينياً او “تكفيري” سياسياً.
وحين يتوب تنظيم “القاعدة” عن معتقداته واعماله او ان يزول من الوجود، وحين يتلو بقية المعارضين السوريين فعل الندامة على وقوفهم في وجه نظام الأسد، بعد ان يقرّوا انّهم كانوا “اداة اسرائيلية اميركية”، حينها سينظر حزب الله بتصنيفهم ان كانوا لا يزالون في درك التكفيريين اوعملاء للعدو او صاروا من التائبين. الى ذلك الحين هناك “الرأي الآخر”، الذي ليس أقلّ طموحا من حزب الله في “التكفير” والاتهام بـ”العمالة”، لكن لإيران. فمثل هذه الحروب الوجودية، ذات العصب المذهبي، غالبا ما تكون نهاياتها – ان كانت لها نهاية – سوداوية، ومدمرة على المجتمع والكيانات والدول.
هذه المعركة الوجودية ستكون حرباً مديدة، وعلى اللبنانيين ان يتوقعوا مزيدًا من الانقسام والشرخ المذهبي، وبالتأكيد يدرك حزب الله انّه لن يستطيع تحييد الجزء الاكبر من سنّة لبنان عن المواجهة، وبالتالي فإنّ البيئة الحاضنة لاعداء الحزب تنمو وتزداد اتساعًا. وهو لا يحتاج الى “نقّ” حلفائه السنّة ليدرك هذه الحقيقة، وإن ظلّ يمارس فعل التعامي السياسي والاعلامي عنها، والجرعات الأمنية – العسكرية للجم هذه الحقيقة، ويستعين بالجيش اللبناني في هذه المهمّة المستجدّة.
وحادثتا الاعتداء على الجيش في صيدا، رغم عامل الصدفة في المواجهة، اظهرتا حجم الجهد الذي يبذله حزب الله واعلامه في تصوير الجيش هدفاً للمعتدين، وأظهرتا كيف أنّ ابناء المدينة لا يقبلون بهذا التصوير، بل يشكّكون في رواية الحزب وإعلامه، مع “دعم الجيش”، ربما “على مضض”.
كلّ هذا يأخذنا إلى مزيد من الاصطفاف السني – الشيعي، والى مزيد من الالتحاق بهذا الاستقطاب المسيحي في الداخل اللبناني. ولأنّ المعركة يجري الترويج لها على انّها وجودية، فإنّ التسويات المقبلة، اذا تمت ستكون سنية – شيعية، في المرحلة المقبلة، وبالتالي من يدفع الدم والمال هو من سيجلس على الطاولة ويقرر.
الفاعلية المسيحية تبدو غائبة، ومشتتة وملحقة في احسن الأحوال. ويتلهّى جزء من اقطابها باوهام الزعامة المشرقية، ويغرق البعض الآخر باوهام الوصول الى سدة الرئاسة كيفما كان. فيما مصادر في 8 آذار، على ما نقلت جريدة “الراي” الكويتية أمس، تتحدّث عن “أجواء في الحلقات القيادية لأطراف رئيسية في 8 آذار (توضيح من كاتب المقالة: أي حزب الله) توحي بأن الامور تسير في الاتجاه الذي يجعل الرئيس سليمان آخر الرؤساء المسيحيين، نتيجة طبيعة الصراع وحدّة الاستقطاب وتراجُع مكانة المسيحيين وتضاؤل تأثيرهم وانكماش حضورهم العددي او في اللعبة السياسية”.
فإذا صحّت هذه المعلومات، او لم تكن دقيقة، فإنّ منطق الصراع الجاري سيؤول، في لحظة التسويات، الى اعادة قراءة الاوزان استنادا الى الواقع. وفي هذا المعنى فإنّ غياب المبادرة الانقاذية للبنان والغرق في الاستقطاب والالتحاق ليس إلا خسارة للبنان والمسيحيين معاً. اما الزعامة المشرقية، فإذا كان من احتمال لتحققها، فهي لا تقوم الا على ركيزة الزعامة اللبنانية العابرة للطوائف والمذاهب، والمشيّدة على اسس لبنان – الدولة لا لبنان – الغلبة، كما ذكّرنا البطريرك الماروني بشارة الراعي، في كلمات لا تخلو من القلق، في حديثه عن مئوية لبنان الكبير بعد سنوات، خلال عظته قبل ثمانية ايام.
بين “المعركة الوجودية” وحتّى “مئوية لبنان الكبير”، وعشية الميلاد، أيّ لبنان يموت وأيّ لبنان سيولد؟
alyalamine@gmail.com
البلد