إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
رغم مرور ثمانية عقود على الهجومين النوويين على هيروشيما وناغازاكي، وهما حدثان يقفان وحيدين في تاريخ الأسلحة الفتاكة، لا يزال شبحُ القنبلة الذرية حاضراً، لا كذكرى فقط، بل كتهديدٍ فعلي يتردد صداه اليوم في أروقة الشرق الأوسط، وتحديداً مع تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل.
فبينما كان قرار الرئيس الأميركي هاري ترومان عام 1945 باستخدام السلاح النووي يُبرَّر بضرورة إنهاء الحرب العالمية الثانية، فإن الصراع الدائر حالياً يحمل مخاطر لا تقل كارثية، وسط تقارير متتالية عن استهداف منشآت نووية إيرانية، ومخاوف من تحوّل الضربات الجوية المحددة إلى مواجهة ذات طابع وجودي.
هجوما هيروشيما وناغازاكي، اللذان أوديا بحياة نحو 200 ألف شخص، كانا أول وآخر استخدام للأسلحة النووية في الحروب. لكن المطالبة باعتذار الولايات المتحدة عن الهجومين تقع في سياق سياسي معقّد وغير بريء، ويُوظَّف لخدمة سرديّات معيّنة.
حينما قرّر ترومان استخدام السلاح النووي، كان مدفوعًا بعدة اعتبارات؛ أبرزها رفض اليابان الاستسلام، وتبنّيها خيار القتال حتى الموت، ما كان يُنذر باستمرار الحرب وسقوط عدد هائل من الضحايا.
التقديرات العسكرية الأميركية آنذاك أشارت إلى أن الهجوم البري لليابان سيُكلّف حياة مئات الآلاف من الجنود الأميركيين، إضافةً إلى ملايين الضحايا اليابانيين، ما جعل القنبلة النووية تبدو “حلاً حاسماً” في عيون صناع القرار.. هذه الاعتبارات كانت وراء إلقاء القنبلة الأولى على هيروشيما في السادس من أغسطس 1945.
أما قنبلة ناغازاكي بعد 3 أيام، فكان لها بُعدٌ إستراتيجي مختلف، إذ تزامنت مع دخول الاتحاد السوفياتي الحرب ضد اليابان وإعلانه بدء العمليات العسكرية في منشوريا.
لذلك، وُجِّهت القنبلة الثانية كرسالة من ترومان إلى الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين: “ابقَ خارج اليابان”، في إشارة استباقية لإبراز التفوّق العسكري الأميركي، ومنع تقسيم اليابان على غرار ما حدث في ألمانيا وكوريا.
هذا التنبيه الأميركي للسوفيات أظهر القوة العسكرية والتدميرية الأميركية، وفاقم من عدم الثقة والتنافس بين قوتين دخلتا حرباً لا تزال حرارتها تتأرجح بين البرودة والسخونة حتى اليوم.
السؤال المطروح: ماذا لو غزا ستالين اليابان فعلاً؟ كيف كان سيبدو شكلها اليوم؟ وهل كانت الكارثة ستصبح أصغر؟
على الأغلب، كانت اليابان ستتحوّل إلى دولة خاضعة للنموذج السوفياتي كما حصل في بلدان أوروبا الشرقية: إفقار، تجويع، وخضوع بوليسي.
ولأن اليابان لم تملك إلا شعبها لبناء الدولة من جديد، أصبحت اليوم من أكثر البلدان تقدماً في العالم، وأكثرها نجاحا على الصعيدين الاقتصادي والتكنولوجي، بل وحتى أكثرها استقراراً على الصعيد السياسي. أمرٌ لم تكن “يابان ستالين” لِتَنعم به.
صحيح أن الولايات المتحدة تبقى الدولة الوحيدة عبر التاريخ التي استخدمت السلاح النووي ضد دولة أخرى، إلا أن القرار – ورغم الجدل الأخلاقي – يمكن النظر إليه من منظور عسكري واقعي، على أنه ساهم في إنهاء الحرب العالمية الثانية، التي تبقى الحرب الأكثر تدميراً في التاريخ البشري. فهناك من ينظر إلى قرار ترومان على أنه أنقذ أرواح أميركيين ويابانيين أيضاً، خاصة أن إطالة أمد الحرب لم يكن سيعود بالمنفعة على أي طرف.
ربما لن يُحسم الجدل الأخلاقي حول قرار استخدام القنابل الذرية في اليابان، لكن الحقيقة أن هذا القرار، رغم كلفته البشرية والاقتصادية الهائلة، ساهم في إنهاء أكثر الحروب دماراً في التاريخ البشري. إلا أنه في الوقت ذاته فتح الباب أمام سباق تسلّح نووي، باتت أخباره اليوم ترتبط تارة بروسيا التي تُهدّد باستخدامه، وتارة بإيران التي تسعى حثيثاً لامتلاكه. وها نحن نعيش اليوم صراعاً إقليمياً يُعيدنا ثمانية عقود إلى الوراء، لنطرح مجدداً كل الأسئلة، ونفنّد كل النظريات، وكأننا لم نغادر نقطة البداية.
alhosni.nour@gmail.com
هذا المقال في وقته تماما، مقارنة صادمة بين شبح هيروشيما وناغازاكي التاريخي والمخاوف النووية الحالية المحيطة بإيران وإسرائيل
هل ممكن ان يكرر التاريخ نفسه ؟