بعد مرور ثلاثة أشهر على فوزه في الانتخابات الرئاسية في حزيران/يونيو، لا تزال هناك فجوة معرفية حول الرئيس الإيراني حسن روحاني. ففي رحلته الدولية الكبرى الأولى إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، أدت هذه الفجوة إلى تصورات متباينة بشكل كبير لنواياه حول مسائل رئيسية وموقفه الإجمالي تجاه الغرب وقيمه. ولكن ينبغي ألا يكون الأمر كذلك. وخلال العقد الماضي وحده ألّف روحاني عشرة كتب على الأقل كما كتب أربعين مقالاً أكاديمياً حول قضايا سياسية، بإجمالي ما يزيد عن 7000 صفحة من المواد المفتوحة المصدر الصادرة باللغة الفارسية. وهذه الكتابات، إلى جانب العدد الذي لا حصر له من الخطابات والمقابلات أثناء الحملات الانتخابية خلال حياته السياسية التي استمرت ثلاثة عقود، تعني أنه يمكن رسم صورة واضحة له. وبعيداً عن تفاصيل خطابه أمام الأمم المتحدة، من المهم أن يفهم صناع السياسات خلفية روحاني وخطابه وكيف أنهما يتواءمان مع تصوراته لدوره كرئيس للبلاد.
من مُنظِّر إيديولوجي إلى “مدير أزمات”
في كانون الأول/ديسمبر 2003، وبعد مرور شهرين على توليه منصب كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين، كتب روحاني ما يلي في مقال أكاديمي: “المبدأ الأساسي في علاقات إيران مع أمريكا – تركيزنا الكلي – هو القوة الوطنية. فالقوة في السياسة والثقافة والاقتصاد والدفاع – وخاصة في مجال التكنولوجيا المتقدمة – هي أساس الحفاظ على النظام وتطوره بشكل عام، وسوف تجبر العدو على الاستسلام”. وهذا الاقتباس يلخص الانطباع السائد الذي نستنبطه من تاريخ روحاني وكتاباته: هويته كمُنظِّر ثوري ومدافع عن “النظام” الإيراني. فذلك هو الخيط المشترك طوال حياته، وأوضح مظهر من مظاهر أفعاله في منصبه السياسي، والعامل المحفز لخطابه ودوافعه اليوم.
بيد أن ما يميز روحاني عن المُنظِّرين التقليديين – وما يغذي التصور عنه كـ”إصلاحي” – اعتقاده بأن أنواعاً محددة من الإصلاح السياسي والاجتماعي يمكنها أن تيسر الدفاع عن النظام الإيراني وتحافظ عليه وتضفي عليه الشرعية. وفي مناسبات عديدة، ربَط مبادئه الإصلاحية مثل النظام الذي يعتمد على المقدرة والعطاء الفردي، والوحدة الوطنية، وحقوق الأقليات بـ “أمن” النظام و”قدراته”. فعلى سبيل المثال، قال في مقابلة أجراها عام 2000، “إذا أصبحت الروابط بين الشعب والمؤسسة الحاكمة أكثر قوة وأكثر شمولاً، فسوف تزداد قدرتنا وقوتنا وهو الأمر بالنسبة لأمننا القومي”.
وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف، فإن روحاني مقتنع بأنه يحتاج إلى تخفيف الضغط الخارجي على إيران، مما يعني التوصل إلى اتفاق نووي. وفي مقال أكاديمي نُشر في كانون الثاني/يناير 2013 – والذي كان الأخير الذي كتبه قبل حملة الانتخابات الرئاسية – شبّه ضمنياً المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة بالقرار الذي أنهى الحرب بين إيران والعراق. ويغلب أن تنظر النخبة التابعة للنظام إلى ذلك القرار من عام 1988على أنه حل وسط ضروري ولكنه مؤقت فيما يتعلق بالمثل العليا للثورة الإيرانية – وسيلة للحفاظ على بقاء “النظام”. وكما يوضح روحاني “فإن أهداف السياسة العامة في كل دولة مصممة من أجل السيطرة على الأزمات المرتبطة بأوقات محددة وأحداث عابرة، والصمود في مواجهة القضايا الأكبر”. وبالمثل أكد في شباط/فبرايرعلى أن الرئيس القادم ينبغي أن يكون “مديراً للأزمات … الذي يتمتع بالسلطة للتفاوض مع العالم”.
وهذا الجمع بين العقلانية الأيديولوجية – التي ترى بعض التدابير الإصلاحية كعلامة من علامات القوة، وليست تهديداً – والأزمة النووية أحدثت نقلة في الشخصية العامة لروحاني على مدى السنوات القليلة الماضية، وعززت خطابه التصالحي مع المجتمع الدولي. والنقطة التي أكد عليها مراراً وتكراراً أنه “ينبغي علينا أن نتحدث بعناية لئلا نستفز العدو، يجب علينا ألا نمنحه أي أعذار”، كما قال في عام 2007.
بيد أن الهوية الرئيسية لروحاني تبرز في كونه مدافعاً عن الثورة الإسلامية. فبالإضافة إلى “إنقاذ الاقتصاد” و “التفاعل مع العالم” فإن من بين تعهداته الانتخابية الرئيسية “إحياء الأخلاق” – وهي عبارة يستخدمها للإشارة إلى تجديد القيم الدينية فضلاً عن الوحدة الوطنية في ظل رعاية المرشد الأعلى. وقد أوضح هذه النقطة في مؤتمر صحفي عقده في تموز/يوليو عقب فوزه في الانتخابات: “الخطر يكمن في وجود فجوات واختلافات بين الركائز الرئيسية للمجتمع. والخطر يكمن، لا سمح الله، عندما توجد مجموعة ترى نفسها مساوية للإسلام، مجموعة ترى نفسها مساوية للثورة، مجموعة ترى نفسها مساوية لولاية الفقيه… فجميع المشاكل تنبع من هذه النقطة”.
عدم وجود تقارب كبير
في ضوء هذه الخلفية، لن يكون هناك أي لقاء للعقول سواء كان أخلاقياً أو سياسياً أو فكرياً بين روحاني والغرب. ففي لقائه أثناء حملته الانتخابية مع المغتربين الإيرانيين في أيار/مايو والتي كانت صريحة بشكل غير معتاد، زعم أنه رغم عدم رغبته في رؤية “زيادة في التوترات” مع الولايات المتحدة، إلا أنه ليست لديه أي رغبة كذلك في رؤية “تراجع” في تلك التوترات. “لا نستطيع اليوم أن نقول إننا نريد إنهاء التوتر بيننا وبين الولايات المتحدة…. ينبغي أن نعلم أننا نستطيع التفاعل حتى مع العدو بطريقة تعمل على خفض حدة عدائه، وثانياً، أن عداءه لن يكون فعالاً“.
وكما يُظهر هذا الاعتراف الكاشف، لم يتبع روحاني دائماً نصيحته “للتحدث بعناية”. وهذا الاقتباس يظهر الاستنتاج الأكثر أهمية من خطبه ومقابلاته وكتاباته العديدة: عدم التوافق الكامل بين تاريخه الشخصي وأي فكرة للولاء للقانون الدولي والمبادئ السياسية أو الأخلاقية الغربية. وفيما يلي بعض النماذج الأكثر وضوحاً لعدم التوافق المشار إليه:
· أعرب روحاني عن دعمه للانتهاكات الصارخة للقانون الدولي على مدى السنوات الثلاثين الماضية، بما في ذلك اجتياح السفارة الأمريكية عام 1979، وفتوى آية الله روح الله الخميني ضد سلمان رشدي والاستخدام العام للعنف خارج نطاق القضاء وخارج حدود الدول (على سبيل المثال، أعلن في عام 1987 أن لدى القوات الإيرانية القدرة على “تدمير المصالح الاقتصادية الأمريكية في جميع أنحاء العالم”). كما أعرب عن ذلك في زمن وقوع الانتهاكات وفي السنوات التي تلتها على حد سواء.
· على عكس خطاب حملته الانتخابية هذا العام، تشمل خلفية روحاني العسكرية والاستخباراتية انتهاكات سابقة لحريات الشعب الإيراني. فعندما كان أميناً لـ”المجلس الأعلى للأمن القومي” في تسعينيات القرن الماضي، وجّه حملة قمع الاحتجاجات السلمية وإغلاق الصحف وفرض حظر على استعمال أطباق الأقمار الصناعية والإعلام المفتوح.
· وفي أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر ضد الولايات المتحدة، وجه روحاني اللوم إلى الولايات المتحدة بسبب “أخطاء وخطايا السياسات الأمريكية” وزعم أن “القوات الجوية الأمريكية هي التي أسقطت” الطائرة في رحلة رقم 93 التي تحطمت في بنسلفانيا. وفي مقابلة مع شبكة “إيه بي سي نيوز” في أيلول/سبتمبر 2002، دعم صراحة التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين، حتى الأطفال، قائلاً إن الفلسطينيين “ليس لديهم أي بديل”.
· وفي منتصف ثمانينات القرن الماضي، وبصفته قائداً عسكرياً ودبلوماسياً ناشئاً، دعّم روحاني ضمناً تطوير الأسلحة الكيميائية واستخدامها، وهو ادعاء أنكره في السنوات الأخيرة. وفي مقال أكاديمي في نيسان/أبريل 2001، أثنى كذلك على دور التكنولوجيا النووية في “إنهاء الحرب العالمية الثانية”. وفي مقالة أخرى له نُشرت في 2009، تنبأ أنه بسبب “ازدواجية المعايير” في تعامل الغرب مع إسرائيل، سيكون هناك “سباق تسلح” يجعل “حظر عدم انتشار الأسلحة في الشرق الأوسط أمراً معقداً وصعباً في المستقبل”. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الراحل مرتضى مطهري، أحد الأعضاء المؤسسين لحزب روحاني السياسي والمفكر المقرب والمرشد الديني، أيّد الجوازية الدينية لتصنيع الأسلحة النووية.
الخاتمة
يشكل فهم المعتقدات الشخصية لروحاني وسياق خطابه أمر أكثر أهمية من استقصاء محتوى خطابه الوحيد أمام الأمم المتحدة. إن تصور وجود مؤشرات إيجابية في خطابه الأخير قد أثار توقعات المجتمع الدولي وأعطى أملاً بعهد جديد في العلاقات مع إيران. بيد أنه من المهم أن نضع في الحسبان التزامه طويل الأجل والعميق بأهداف النظام.
وينطبق ذلك على القضية النووية أيضاً. ففي مقابلة أبعد أثراً أجراها في حزيران/يونيو، وصف روحاني المخاوف بشأن الطموحات النووية الإيرانية بأنها “أزمة مفتعلة تديرها إسرائيل” وزعم أن مجلس الأمن الدولي قد “فقد مصداقيته”. كما أعلن أن المحادثات مع الولايات المتحدة يجب أن تسبقها وعود أمريكية بعدم التدخل في الشؤون الإيرانية والاعتراف “بحق إيران في الطاقة النووية” وتجنب “التنمر أحادي الجانب” ضد إيران. وختم كلامه قائلاً “إذا شعرنا أن هناك نية حسنة، فسوف تكون الأرض ممهدة للمحادثات”. ومن الواضح أن هذا المسار إلى الأمام غير مرضِ. فبينما تدرس واشنطن وشركاؤها الدوليون الخطوات المقبلة في اجتماع الأمم المتحدة وما بعده، عليهم التأكد من أن جميع المفاوضات النووية تقوم على حسابات باردة للمصالح الاستراتيجية، وليس على الخطابات الإيجابية”.
ستيفن ديتو هو محلل مستقل لشؤون الشرق الأوسط ومؤلف المجهر السياسي المقبل الذي سيصدر عن معهد واشنطن بعنوان “قراءة أفكار روحاني: التعهد، والخطر الذي يشكله، الرئيس الإيراني الجديد”.