لم يكن مفاجئاً سقوط ضحايا، بين قتيل وجريح، بعد الاجراءات التي اتخذها حزب الله على مداخل مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين. فحالة التحريض (تم الحديث عن شبهاتها والتحذير من تداعياتها في هذه الزاوية في 28 آب الماضي) التي تلت انفجار الرويس كانت كفيلة بأن تطلق المخاوف من وقوع مواجهات بين المخيم ومحيطه، بمعزل عن طبيعة الاسباب المباشرة. ولم يكن خطاب السيد حسن نصرالله، بعد التفجير، مطمئناً إذ تحدث عن متهمين فلسطينيين وسوريين يقفون وراء الاعتداءات على الضاحية الجنوبية، رغم تحذيره من تعميم الاتهامات.
كلمة السيد نصرالله كانت كفيلة بفتح الطريق واسعا امام نشر وتعميم الاتهام الخطير بأن سيارة الرويس المفخخة خرجت من مخيم برج البراجنة. وبدأت منابر صحافية واعلامية قريبة من حزب الله تروج لهذه المقولة. ثم اتهمت فلسطينيين من المخيم نفسه بإطلاق صواريخ على الضاحية الجنوبية. ليس هذا فحسب بل تبع ذلك اتهام حركة “حماس” بتغطية المنفذين وحمايتهم. كل ذلك تحت ظلال صمت حزب الله، بما يعني أنّه لم ينزعج من تلك الحملة، المنظمة اعلامياً وشعبياً. وكان يعلم، اكثر من اي جهة اخرى، ان النفوس تزداد احتقانا وان الغضب، الناتج من تفجير الرويس الدموي، توجه جزء كبير منه في اتجاه المخيم.
لم يصدر عن حزب الله حتى الآن ما يدحض هذه الاتهامات، ولا اي محاولة لنزع ما رسخ في رؤوس بعض مناصريه. ولم يوضح أنّ مطلقي الصواريخ وسيارتي الرويس وبئر العبد لم يخرجوا من المخيم، وأنّ أحداً من مخيم برج البراجنة لا صلة له بإطلاق الصواريخ. بل لم يتم الاشارة اصلاً الى ان تاجر سلاح مقيماً في مخيم برج البراجنة هو من بادر الى ابلاغ، حزب الله اولاً والاجهزة الامنية ثانياً، عن مجموعة اشترت منه صواريخ بهدف اطلاقها في اتجاه اسرائيل، وأنّه ابدى شكوكًا بأن تكون هي نفسها التي تم اطلاقها على الضاحية الجنوبية، وأنّه ساهم لاحقا بكشف المجموعة بالتعاون مع استخبارات الجيش اللبناني، وأنّ المتهمين سوريون فقط. ويعرف حزب الله أنّ تجارة السلاح في المخيم علنية وتجارها معروفون أمام مسؤولي الحزب والاجهزة العسكرية والامنية، من دون ان ننسى تداخلهم مع سلاح المخيمات الذي انتهت وظيفته القتالية ضدّ اسرائيل، عمليا، وبقي سلاحاً للاستخدام المحلي ولحسابات غير فلسطينية.
اللافت في حادثة مقتل الفلسطيني محمد السمراوي ليل الاحد – الاثنين، الذي لم يكن مسلّحا، على باب المخيم، بسلاح شبان حواجز حزب الله، أنّه قتل عن مسافة قريبة فيما كان يحاول تسوية مشكلة مرور موكب عروسين من ابناء المخيم واعتراض عناصر الحاجز لهم.
مصادر متابعة للتحقيق، من جهات فلسطينية قريبة من حزب الله، تؤكد ان لا جدال في ان الضحية لم يكن مسلحا، ولا المحتفين بالعروسين كذلك. لكن الاخطر هو ان تقوم عناصر امنية مسلحة ليست لها اي صفة رسمية بإطلاق النار على مدنيين. والاخطر هو الا تبادر الاجهزة الرسمية ولا القضائية الى امساك الملف، خصوصا أنّ المتهم باطلاق النار معروف الهوية ولم يخضع لاي تحقيق رسمي.
هكذا بات أهل الضحية مضطرين ليس للاقرار بالامن الذاتي فقط، بل حتى القضاء الذاتي، كما قال جدّنا الشاعر المتنبي : فيك الخصام وانت الخصم والحكم…
ورغم الشعور بالغضب داخل المخيم، والاستياء الشعبي من الجريمة وطريقة معالجتها، والإحساس بأنّ دماءهم باتت رخيصة، سعت الفصائل الفلسطينية على اختلافها، الى لجم هذا الغضب وتهدئته، على قاعدة السلامة والسترة. الأمر الذي أوحى، لكثيرين في المخيم، أنّ الفصائل لم تكن على مستوى رد الاعتبار لاهل الضحية وابناء المخيم عموما، إذ جرت محاولة اختصار الموضوع بدفع الديّة من دون الاصرار على حماية الحقوق المعنوية والسياسية.
امس صباحاً كان المشهد سورياليا على بعد أمتار من المخيم: إجراءات امنية مشددة وغير مسبوقة لحزب الله في محيط مخيم برج البراجنة، طرق مغلقة وحواجز امنية بلباس عسكري، وعلى بعد مئتي متر فقط كانت فرقة مسلحة من امن السفارة الاميركية امام المجلس الشيعي تمهد لزيارة السفير ديفيد هيل. وعلى بعد امتار قليلة من عناصر امن السفير وقف عناصر امنيون غير مسلحين تابعين لحزب الله.
وفيما نظم رفاقهم عملية تفتيش السيارات الداخلة في اتجاه الضاحية، لم تُستفز عناصر الحزب وبقوا من دون سلاح ظاهر ولا دخل حرّاس السفير، المسلحون، في لعبة الاستفزاز. فزار السفير الاميركي المجلس الشيعي وغادر من دون ان يعترض احد، او يحدث امر غير طبيعي.
عروسان فلسطينيان أعزلان استفزّا رصاص شبّان أمن الحزب، فقتل أحد المحتفين بالعرس “أبو شنب”. لكنّ مسلّحي “الشيطان الأكبر” لم يستفزّوهم. ليست سوريالية، بل قل هي ملامح الزمن الآتي.
alyalamine@gmail.com
البلد