تخلت إيران عن “شهوتها” النووية، وتخلى نظام الأسد عن سلاحه الكيماوي. وعلى دربهما، تخلى حزب التسلط عن مصادرته السلطة.
قدَم الثلاثة، الى الآن، تنازلات في تفاصيل مهمة، لكن ليس في صلب الهواجس المصيريّة التي تشغلهم:
-صار السلاح النووي، من أفكار الماضي، لكن مبرر وجوده، أي الدور الإقليمي الذي تطمح اليه، لم يزل يشغلها.
-صار السلاح الكيماوي خارج يد بشار الأسد، لكن براميل المتفجرات الطائرة تعوض مفاعيله، ولو بالتقسيط، وبدل إسقاط 1000 قتيل بقصف كيماوي واحد، يمكن 3 طلعات “برميليّة” أن تعوض الرقم وربما أكثر.
-صارت حكومة القمصان السود طي الذاكرة، لكن منطق أن يكون حزبها فوق الدولة وعلى كتفها لما يزل، وخطاب الأمين العام، مساء الأحد، واضح.
لا يجمع بين التغيرات الثلاث كونها أصابت، معا، خط “الممانعة”، فحسب، بل كونها كانت، في وقتها، ضرورة لم يملك المعنيون بها القدرة على رفضها، من اختناق ايران بالعقوبات الإقتصادية، إلى مهادنة النظام السوري واشنطن، عبر موسكو، بطمأنتها إلى إسقاط أي نية لإقلاق اسرائيل، وفق مضمون رسالة بوتين إلى أوباما.
أما الحزب فلم يبتعد، في تراجعاته الحكومية عن منطق الضرورة نفسه، لكنها الضرورة الإيرانية، وليست الوطنية اللبنانية، التي استلزمت مشايعة طهران القرار الدولي، المحسوس والملموس، بتوفير الاستقرار في لبنان، وتنفيذ الاستحقاقات الدستورية في أوانها، وتجنب الفراغ في السلطة التنفيذية.
في الحالات الثلاث، لم تكن الإرادات السياسية الذاتية ما أوصل الأمور إلى ما بلغت، بل الضغوطات الداهمة، كالمخاوف من انفجار الجوع الايراني، إلى الضربة الأميركية المقَدرة للنظام السوري، وامتحان سلوك طهران، في لبنان، لتقدير فعاليتها كوسيط تهدئة واستقرار إقليمي.
الحالة اللبنانية هي “الأطزج”، ويلفت فيها اتصالات المراجع الدولية، ومسارعتها، إلى التهنئة بولادة الحكومة، لكأنها كانت عند باب غرفة الولادة ترنو السمع لأول نأمة تبدر من الطفل الوليد كي تسارع إلى التهليل له، وما ذلك إلا رسالة واضحة، لمن يلزم، مفادها أن مهمتها، ولو محدودة في الزمن والموضوع، هي تحت الرعاية الدولية اللصيقة.
لكن الرعاية لا تلغي ما قد يهلُ من صعوبات، والأمين العام الذي لا يعدم المناسبات للظهور، دمج الأحد، بيسر، بين ود المتصالح واستقواء المتمكن: مقابل التعاون لتوفير الاستقرار الداخلي يطلب الصمت، وحتى التأييد، لدوره في مواجهة “الإرهاب”، كما يراه، ولو زعم لتبريره ما لا يقنع الأحياء. ولن يكون بند الجدل الوحيد في جلجلة البيان الوزاري، وكما أعقب النووي والكيماوي مناورات زعم الصلابة، فإن بعد الولادة الحكومية ما يماثلها. لكن الحقيقة تبقى في إجابة على سؤال: هل يتخلى عن أسباب القوة من يمتلكها إلا إذا كان مرغما، من طهران النووية إلى دمشق الكيماوية؟
فلننتظر. نحن في منتصف الطريق.
rached.fayed@annahar.com.lb