أعادت التصريحات الأخيرة لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون حول الموقف الاميركي من الثورة السورية الحوار حول هذه المسألة في اوساط المعارضة، فإلى جانب الاطراف التي ترى أن أميركا لا تريد إسقاط النظام لأنه حامي حدود إسرائيل في الجولان!، هناك من يرى أن أميركا تريد أن يستمر الصراع الداخلي في سوريا اطول فترة ممكنة ليتوسع تدمير البلد وبناه التحتية ويتمزق إلى دويلات!، وآخرون يطالبون بتدخل دولي على رأسه أميركا لإسقاط النظام بالقوة ولكن إذا اتخذت أية خطوة يبدأ الصراخ حول التدخل “الوقح” في شؤون الثورة السورية، تستفزهم التصريحات فيعودون إلى ما سبق ان تعودوا عليه قبل الثورة من “شيطنة” السياسات الاميركية حتى لو كان بعضها لصالح الثورة التي يؤيدونها.
نموذج خاص لتنوع المواقف ما كتبه “ياسين الحاج صالح” في مقاله بالحياة ٤ نوفمبر: “أخيراً، استراتيجية أميركية خاطئة حيال الصراع السوري“، تعقيباً على تصريحات كلنتون، فقد إعتبرها “متعجرفة وأوامرية”، فيما أن ما قالته كلنتون عن أن المعارضة السورية بحاجة لهيكل قيادي موحد جديد حقيقة ومطلب أغلبية كبيرة من المؤيدين للثورة السورية، فوحدة المعارضة ضرورية لنجاح الثورة، اهميتها تشكيل هيئة سياسية تضم غالبية القوى السياسية التي تريد إسقاط النظام تقود الثورة بأجنحتها السياسية والعسكرية، وخاصة العسكرية التي تعاني من تشتت يضيع الكثير من جهودها. مع من سيتعامل العالم إن كانت المعارضة أشتات متفرقة؟
أما قول كلنتون أن المجلس الوطني السوري لم يعد يمثل الثورة فهذا أصبح أمرأ لا يجادل فيه كثيرون حتى ممن بقوا في صفوف المجلس بعد ان هجره عديدون، فعمل المجلس من اجل توحيد المعارضة تحت مظلته فشل فشلاً ذريعاً وتحول المجلس لطرف آخر في المعارضة معرقلاً لتوحيدها .. اما الحديث عن أن أميركا حضرت أسماء منظمات وشخصيات لحضور الإجتماع الموسع في الدوحة فذلك لا ينبغي أن يثير حساسية زائدة، فالمعارضة السياسية السورية أثبتت أنها بحاجة لرعاية وتأهيل لتنضج، وأهم علائم النضوج قبول الآخرين المعارضين وتأجيل الخلافات لصالح هدف وحيد راهن: أسقاط النظام وإقامة نظام ديمقراطي تعددي. ويذكر أنه قبل بدء الحرب ضد نظام صدام حسين قامت الدبلوماسية الأميركية بجهود واسعة لجمع المعارضين العراقيين في مؤتمر بعد فشلهم المتكرر طوال سنين في التوحد ضد سفاح العراق.
أما قول كلنتون عن الخشية من انتشار المنظمات الجهادية في صفوف الثوار والحث على مقاومة محاولاتهم لخطف الثورة فهذا ليس كفراً، فانتشار جهاديين يشك بارتباطهم بالقاعدة يثير الخشية والقلق لدى كثيرين في صفوف الثورة، حيث تتوالى الأخبار عن قتلهم للأسرى وخطف مواطنين عاديين لا علاقة لهم بالصراع من اجل الحصول على فدية وتمييز طائفي وإطلاق الدعوات لإنشاء دولة خلافة كبديل عن شعار الدولة الديمقراطية للثورة السورية، وغير ذلك من الأعمال والمواقف المشوهة لصورة الثورة والملحقة بها ضرراً. يعتبر المقال أن مطلب دولة فعالة أمنياً تواجه الجهاديين مصلحة اميركية فقط، فيما هو مصلحة مشتركة اميركية وسورية وحتى عالمية فلا أحد يريد ان تتحول سوريا إلى “طالبانستان” بعد سقوط النظام.
يشير المقال لتشكيل قيادي جديد وكأنه جزء من إستراتيجية أميركية جديدة، فيما أن المبادرة التي احد المشرفين عليها المعارض البارز رياض سيف، يجري العمل لها منذ زمن طويل من قبل أطراف معارضة متعددة، أما القول ان التماهي بالثورة وإسقاط النظام هما الفضيلة الوحيدة للمجلس الوطني فلا يعني ان الهيئة الجديدة ستتخلى عن هذا التوجه، فالتشكيك بإستقلالية المبادرة الجديدة لأن تصريحات خارجية توافقت مع بعض توجهاتها لا يفيد، بل يصب في وجهة النظر التي تتهم كل من يقيم اية علاقة خارجية مهما كانت بأنه فقد إستقلاليته، وعندها حتى المجلس الذي يشيد الكاتب بإستقلاليته لن يكون بمنأى عن هذه الإتهامات فقد لقبه البعض بأنه مجلس “استنبولي”، ولا اظن ان الكاتب يريد ان يذهب في مقاله لهذا الإتجاه في فهم الإستقلالية.
وفي توضيح سيف للمبادرة، إسقاط النظام والإنخراط بالثورة جوهر المبادرة الجديدة، فليس مقبولاً ما يقوله المقال من أن ما تريده استراتيجية أميركا الجديدة هيئة تستبدل المجلس تكون قابلة لحل يسقط بشار ولكن يبقي أجهزة النظام، فذلك لا علاقة له بالوقائع. أصلا ليس هناك أي حل سياسي جدي مطروح حتى الآن حتى نقول أن المجلس رفضه فيما “يتنبأ المقال” أن الهيئة الجديدة ستقبله! والمقال يعترف بأن المجلس قلما كان قوة متماسكة ولكنه لا يعترف بفشله في توحيد المعارضة وينسب ضعفه للضغوط الخارجية وأن هذه الضغوط تتزايد الآن. فيما اننا نرى ان ضعفه نتيجة تركيبته الخاصة من قوى وأفراد فشلت في إستيعاب الأطراف الأخرى المعارضة لكونها تريدها منخرطة تحت قيادتها وليس مشاركة لها في القيادة.
نرى بالعكس، ليس هناك ضغوط خارجية أميركية أو غيرها، بل إن أحد أهم عناصر القوة للمجلس عند تأسيسه إلى جانب قبول الشارع له، كان الدعم الدولي والإعتراف به من قبل أعداد كبيرة من الدول والمنظمات الدولية. المجلس فشل أساساً من نفسه ولم يفشله أحد من خارجه. وقد حظي بدعم أميركي ودولي واسع عند إنشائه، والمبادرة تحظى بدعم اميركي إثر فقد الأمل بالمجلس بعد ان أعطي زمناً طويلاً لتحقيق ما هو مأمول منه. فشله في نظر الثوار السوريين قبل أن يكون في نظر اميركا أو المجتمع الدولي. التمسك به ليس في صالح الثورة، فالأشكال التنظيمية تخدم العمل وليست أبدية بل لها عمر وتموت عندما لا تعد هناك حاجة لها أو عند فشلها. التمسك بها يعني معاندة الوقائع وتفضيل لشكل من التنظيم على المضمون السياسي الذي يفترض شكلاً تنظيمياً ملائماً له في كل مرحلة.
أما تلميح المقال حول رياض حجاب دون التصريح برفضه ورفض من يشبهه من المنشقين عن النظام ليكونوا ضمن هيكل جديد للمعارضة السورية، فلا أظنه موقفاً في صالح تجميع كل القوى والأطراف ضد النظام الوحشي. والشيء الجديد في المقال الذي لم نسمع عنه إلا من يسار متطرف يريد من الثورة أن تتوجه لمطالب إجتماعية، أن الكاتب يطرح مسألة “إعادة توزيع الثروة” في سوريا ما بعد الأسد وكأنه مطلباً للثورة، التي من الواضح أن تركيزها على كسب الديمقراطية لسوريا وترك صناديق الإقتراع لتحدد الشكل الإجتماعي والإقتصادي القادم، عندها يمكن ان يتشاطر اليسار لتحقيق إلتفاف لأغلبية حول مطلبه ل”إعادة توزيع الثروة”. فضلاً عن أن المقال يقول أن سياسات الغربيين تتجه “لحماية الاقليات” ويستنتج من ذلك انها تريد تأمين اوضاع خاصة إمتيازية لهذه الاقليات!؟ وهو رأي يجانب الحقيقة فلم يطرح أحد أي شيء من هذا القبيل فهو أقرب لتخيلات، وحماية الاقليات من المفترض أنها في صلب سياسات الثورة، أو الأغلبية فيها، التي تطمئن الأقليات بأن احداً لن يتعرض لها حالياً، أومستقبلاً في ظل المساواة المواطنية الكاملة، فيما أقلية في الثورة تدعو لتصفية طوائف بكاملها تبلغ الملايين، وتسميها “نصيرية” أو “مجوسية” مما يبرر الخشية من إنزلاق الثورة إلى ما يريده النظام من تحويل الصراع إلى صراع طائفي.
على اية حال فالمقال مفيد في التحريض على التفكير فيما هو افضل للثورة السورية وينطلق من ذلك في تفسيراته التي تخطئ او تصيب. أما التحسس “وطنيا!” مما قالته كلنتون فلا علاقة له بالسياسة وهو من بقايا “ممانعة ومقاومة” طواحين الإمبريالية المزعومة. إذا اردنا تحرير سوريا من الطاغية يجب ان ننسى مفاهيم الحرب الباردة حول مناطحة “الإمبريالية” ونتعامل مع العالم والدول بعلاقات تؤمن المصالح المشتركة، وإلا ربما احتجنا، مع “الطهارة الوطنية!”، لنصف قرن آخر لإزاحته! أو ربما ننتظر رحمة عظيم الكون “اللي ما في غيرو” .. حتى يقصف عمر النظام الوحشي.