ابتهجت وسائل اعلام حزب الله والتيار العوني وبقية الاطراف المنسوبة الى المعارضة بما تعتبره بداية نهاية الاكثرية النيابية العددية لقوى 14 اذار. المصدر المحدد لهذا التقدير متصل ببروز موقف التكتل الطرابلسي وبعض النواب المحتسبين ضمن 14 اذار في اعتماد قاعدة الثلثين في انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وهو تقدير جاء متزامنا مع موقف مماثل شبه مستجد للبطريرك صفير. ويستخدم هذا المعطى من قبل اطراف المعارضة في اكثر من منحى.
الاول اعتبار نهاية الاكثرية العددية في موضوع نصاب الانتخاب الرئاسي نهاية لاكثرية الاكثرية النيابية بالمطلق.
الثاني اعتبار ان نهاية الاكثرية العددية النيابية لـ 14 اذار في موضوع نصاب الانتخاب الرئاسي هو بداية النهاية لتكتل 14 اذار. رغم ان التكتل الطرابلسي مثلا سارع الى القول ان موقفه من النصاب لا يعني خروجه من الاكثرية في المسائل الاساسية.
الثالث وهو ربما الاهم الانطلاق من هذا المعطى لاستكمال شرعنة موقف المعارضة بنزع كل شرعية عن الاكثرية
سواء لجهة قانونية توليها الادارة العامة عبر الحكومة او لجهة لعب دور وازن في الانتخابات الرئاسية العتيدة وفي المشاركة بتقرير المسار المقبل للبلاد.
من الجلي ان استثمار المعارضة لموضوع النصاب الانتخابي الرئاسي لا يندرج في اطار مبحث هدفه دستوري قانوني.
فالمعارضة الثامن اذارية لا تحمل فعلا هذا الهم كقاعدة لعملها.اذ كيف لمثل هذا الهم ان يكون موجودا حين ننظر الى استمرار تطوير القوة العسكرية الحزبالهية الخارجة عن الدولة والموازية لها والى اقفال المجلس النيابي وقطع الحوار الوطني والى استمرار احتلال الساحات العامة والى المداورة في منح الحكومة والجيش تغطية اجمالية لانهاء السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وضبطه داخلها. ومن ناحيته فالتيار العوني المنسق حاضرا مع حزب الله وقوى الثامن من اذار مجتمعة ومتفرقة لا يبدو مهجوسا بالقانون والدستور الا حينما يتصل الامر بدعم مشروعه الاهم وشبه الوحيد وهو ايصال الجنرال عون الى الرئاسة كمنقذ للبنانيين من /ضلالهم/ بحيث تبدو الهموم الاصلاحية المدعاة ماضيا تعبويا وغلالة تزداد تهلهلا مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي. والا فكيف نفسر اصرار رئيس هذا التيار على تسفيه المؤسسات تحت مختلف الذرائع بدءا بمجلس النواب الذي لايعتبره اهلا لانتخاب الرئيس مرورا باعتبار الحكومة قد نسقت مع الدولة الاسرائيلية حرب تموز وصولا الى اعتبارها قادت مؤامرة على الجيش مرتين الاولى بالسماح باستقدام وتموضع الارهابيين والثانية بتوريط الجيش بمعركة لا يعلمنا كيف كان ممكنا تفاديها الا اذا اعتبرنا ان هؤلاء الارهابيين شديدي الاحترام للقانون بحيث لا يجتازون الحدود الى لبنان الا اذا حصلوا على اذونات دخول رسمية ومن المعابر الشرعية وحدها.
في الاساس يشكل تشديد المعارضة على نصاب الثلثين لانتخابات الرئاسة تعبيرا عن ضيقها بنسبة القوى المنبثقة عن انتخابات 2005 في مجلس النواب ثم في الحكومة. وهو ضيق لم تنفك عن اعلانه وبخاصة بعد انفكاك التحالف الرباعي وبدء اعتكافات ثم خروج ممثلي حزب الله وحركة امل من الحكومة. بحيث ساد التشكيك بالقيمة التمثيلية للمجلس النيابي الحالي بالقول ان الاكثرية النيابية العددية ل 14 اذار تمثل اقلية شعبية وصولا الى تعطيل المجلس. وبالتالي فان أي تناقص في الاكثرية ايا يكن سببه يبدو مرحبا به. وذلك ما يظهره على الاقل مثال معارضة اجراء الانتخابين الفرعيين لانتخاب بديلين عن النائبين بيار الجميل ووليد عيدو اللذان قضيا اغتيالا بتفجيرين يمكن نسبة مسؤوليتهما السياسية الى النظام السوري وتفرعاته المخابراتية.
ويرجح كثيرون ان يكون ايقاع فراغ دستوري الهدف الحقيقي لبعض المعارضة عبر التمسك بنصاب الثلثين كما قد يكون هذا التمسك ذريعة ايضا لفرض اختيار رئيس يهادن اشكال تنظيم وعمل وسلاح وبنى حزب الله ومشاريعه المشتركة مع حلفائه الاقليميين بوصفه القوة الرئيسية في المعارضة ويمهد لفرض لاتوازن جديد في السلطة يلغي مفاعيل انحسار هيمنة النظام السوري ويطيح بالتوازنات التي كرسها اتفاق الطائف.
الا ان هذا التوصيف لا يمنع من تقديم بعض الملاحظات حول اشكال ومحتوى تحرك قوى 14 اذار في موضوع التحضير للاستحقاق الرئاسي
1- ان حركة 14 اذار لم تكن وليست مطالبة بعد، كتكتل سياسي عريض، بتقديم قراءة تفصيلية دستورية لموضوع نصاب الاستحقاق الرئاسي انعقادا وانتخابا ونسبة مفترضة لاكثرية انتخاب الرئيس العتيد. كما انها، كالمعارضة او رجال الدين وسواهم ليست ذات صفة لتفسير الدستور. اذ هي لا تقع كتجمع في صلب المؤسسات المنوط بها تقديم المشورة والتفسير والحكم في الدستورية، حتى ولو كانت تضم عددا من رجال القانون. كما ان بين قواها من هو داخل البرلمان الحالي وبينها
لا ويتبع ذلك ان بعضها ناخب احتمالي ومفسر احتمالي للدستور – باعتبارالمجلس النيابي بين اصحاب الحق الدستوري بالتفسير – وبعضها الاخر لا. ثم ان المواقف داخلها من النصاب تبدو متفاوتة تفاوتا كان يفترض حذرا اكبر في مقاربة هذا النقاش. اذ ان الامعان فيه قبل اوانه اظهر صدوعا في 14 اذار لا تؤثر في الانتخاب وحسب بل ايضا في سياق حراك القوى حتى الوصول اليه. وليس اقل ذلك تحويل التمايزات المعلنة في موضوع النصاب الى دعوة مستجدة لتشكيل كتلة نيابية وسطية تكون تعبيرا عن تمازج اشتداد الطموحات الفردية في رئاستي الجمهورية والوزارة بالقلق من منحى الصراع وتصير فعليا اداة تغليب لوجهة اقل حزما في مواجهة سياسات التحالف السوري الايراني والقوى النابذة لمشروع الدولة.
2- ان تحول نقطة النصاب الى القضية الاستقطابية الاولى في النقاش السياسي المتوتر حول الاستحقاق الرئاسي ادى فعليا الى خفوت انارة العناصر الجوهرية المتصلة به مثل برنامج الرئيس ومواصفاته وموقعه من مواصلة المعركة المفتوحة من اجل الاستقلال و بناء دولة القانون الديموقراطية وبسط سلطتها ومن القرارات الدولية. كما ادى الى تحويل الانظار عن ان الاساسي هو حصول هذا الاستحقاق في المهل الدستورية. وبالتالي بدا عجولا وفي غير محله الاعلان المتكرر لبعض شخصيات 14 اذار عن الاستعداد لاجراء الانتخاب حتى بالنصف زائد واحد. وليس التصريح الاخير للوزير احمد فتفت الذي يؤكد فيه ان الاكثرية لم تتخذ موقفا موحدا بعد من قضية النصاب وميله الى نصاب الثلثين في الجلسة الاولى وانه في كل حال مع توفير تغطية مسيحية كبيرة للانتخاب في حال عرقلوا انعقاد الدورة الاولى بنصاب الثلثين الا قرينة اضافية على ذلك.
3- بصرف النظر عن كون المسؤولية الاساسية في الوضع الراهن تتحمله سياسة الابتزاز والتعطيل التي تمارسها المعارضة المتجمعة حول حزب الله بما يمثله هذا الحزب تنظيما وحشدا وسلاحا ناطقا وصامتا وفيضا عصبويا وتحالفات اقليمية عضوية الا ان معالجة نصاب الاستحقاق الرئاسي من جانب بعض شخصيات 14 اذار من زاوية الارتياح الى الغلبة العددية النيابية وحدها تغذي مقارنات ليست في مصلحة الحركة الاستقلالية. اذ بذلك تحال قضية كالنصاب الى جدول الاعتصاب الاهلي الذي حاصر ويحاصر الدينامية الجامعة لوطنية لبنانية تجاوزية وديموقراطية كانت بين ممكنات تحرك 14 اذار.
4- منذ انسحاب القوات السورية واجراء الانتخابات التي اتت بالمجلس الحالي وما رافقها من تحالفات وفك احلاف وارجاء لبعض القضايا وتقديم غيرها جرى تدريجيا انكفاء – طوعي جزئيا – في منسوب الحراك الشعبي لقوى 14 اذار التي صارت تشكل غالبية حكومية في حين بقي رئيس الجمهورية في موقعه رغم الالتباس الدستوري واعيد انتخاب رئيس المجلس النيابي مرة اخرى بذريعة انتدابه الحصري لملء مركز يعود لطائفته. ولم تستطع الاصوات الناقدة والداعية لانتفاضة في الانتفاضة ان يكون لها النفوذ الكافي لاخراج هذه الحركة من دائرة ردود الفعل على اغتيالات وعمليات ارهابية استؤنفت فيما الانتخابات تجري واستمرت متصاعدة مع تفكك التحالف الرباعي. وهو تفكك جاء اساسا نتيجة نجاح حزب الله بتجاوز صدمة الخروج السريع للقوات السورية واعادة تنظيم احتشاده الاهلي والعسكري وتحالفاته في نسق هجومي يتضمن فيما يتضمن تحركات في الشارع اشتد لغطها وضجيجها بعد حرب تموز متوسلة مطالب المشاركة والحقوق عمالية وشعبية وسواها ومستخدمة الاعتصام المستدام في الوسط التجاري كعلامة قوة اهلية تشير الى قوة عسكرية رمزها القول بنصر الهي في حرب تموز.
وضمن هذا السياق يبدو موقف قوى 14 اذار من نصاب انعقاد المجلس لانتخاب الرئيس العتيد جزءا من اشكالية موقفها بعامة.
فهي من جهة اولى لا تملك مشروعا فيه درجة معقولة من المقروئية للمستقبل يجيب على تساؤلات اللبنانيين لجهة اعادة بناء الدولة ومؤسساتها وسياساتها الداخلية والخارجية وبما يرد على الهواجس المتزايدة لجهات الصيغة والكيان والموقع في الصراعات الاقليمية والاصلاحات الاقتصادية والادارية. وتتناقض هذه الواقعة مع زيادة الكلام عن ان المهم في الرئيس العتيد ليس الشخص وحسب بل خصوصا البرنامج الذي يحمله ويتعهد به.
ومن جهة ثانية فمنذ المحاولات المترددة – التي توقفت سريعا – بالعودة الى طرح مشكلة لادستورية استمرار رئيس مدد له قسرا لم تعد 14 اذار قط الى مطالبة شعبية في الشارع. بل اكثر من ذلك فان لجوء الخصم الحزبالهي وحلفائه الى الاعتصام والتظاهر وما رافق ذلك من توترات امنية-مذهبية متزامنة مكنا معظم قيادات 14 اذار في قناعاتها بالحذر من الحراك الشعبي الذي يتجاوز ترسيم حدود القوى وسياقها. اذ مثلا كان ولا يزال ممكنا بدل القول بنصاب من نصف زائد واحد او بنصاب من ثلثين التركيز على ان الاهم هو فتح مجلس النواب المغلق ليقوم بعمله الاشتراعي والرقابي على السلطة التنفيذية ولينعقد ضمن المهل الدستورية لانتخاب الرئيس العتيد وتحويل هذا المطلب الى عنوان لتحرك تقوم به
قوى 14 اذار مع هيئات المجتمع المدني بحيث يعاد الاعتبار الى وظيفة المجلس النيابي والنواب والى بعدها المؤسسي والمواطني.
ومن هاتين الزاويتين لا زال يمكن القيام بالكثير. الكثير مما يجدد شرعية 14 اذار الشعبية وشرعية مشروعها في وجه تمسك النظام السوري بعودة هيمنته ورفض الاعتراف باستقلال لبنان وبالقرارات الدولية والاصرار الايراني على استخدام لبنان كساحة لمقارعة واشنطن وبناء الشرق الاوسط الاسلامي الجديد. شرعية متجددة يمكن بالاستناد اليها مجابهة الظروف التي ستحيط بانتخابات الرئاسة بما فيها تلك التي قد تكون استثنائية في شروطها ونصابها.