هل تأثّر “السيد” مقتدى (الذي يقول “الحسين جدّي”!) بمناخ بيروت في حديثه لـ”المدى” الذي ننشره أدناه بأكلمه، مع عناوينه؟ أم أن وطنية العراقيين المشهورة (حتى يهود إسرائيل “يعتزّون” بعراقيتهم!) هي التي تغلب على “تشيّعه”؟ أم أن “السيد مقتدى” يبحث عن تحالفات جديدة للخروج من “خناق” السيطرة التي تمارسها إيران على العراقيين بواسطة “قاسم سليماني”؟ إلى درجة أن “يتمنى” زيارة واشنطن وأوروبا!
المهم في حديث مقتدى الصدر أنه يعترف للعراقيين اليهود بما هو حقّ له، فهم أبناء العراق مثلما يهود مصر الموزعون في أنحاء الأرض هم أبناء مصر. وهو يتميّز عن “المالكي” الذي يحلم بدور صدام حسين جديد، ويقول أنه يسعى لإعادة علاقاته بالعرب الذين تسعى إيران لعزل العراق عنهم. وبـ”السنّة العراقيين” الذين يتعامل معهم السيد المالكي كأعداء!
مراسل “المدى” لا يسأل السيد مقتدى الصدر عن دور أعضاء حركته في قمع الثورة السورية! وهذا مؤسف! فـ”الصدريون” متّهمون بالمشاركة في قمع الأسد لشعبه.
ولا يسأله مراسل “المدى” عن علاقته بحزب الله. وإن كان اللبناني الذي يقرأ حديث مقتدى الصدر يتمنّى لو كان لدى قيادة حزب الله بعضاً من “الوطنية” التي يعبّر عنها مقتدى الصدر كلما سنحت له الفرصة!
مقتدى الصدر، على علاته، أكثر وطنية بكثير من جماعة حزب الله الذين يقدّمون “الولاء المطلق” للنظام الإيراني! متى يجرؤ حزب الله على انتقاد خامنئي لأنه فشل في “توحيد شيعة إيران”؟ هذه لن تحصل أبداً، ولن “يتمنّى” حسن نصرالله يوماً أن يزور واشنطن!
حديث مقتدى الصدر عن إيران يذكّرنا بعنوان لجريدة “لوموند” أثناء الإنتخابات النيابية الأخيرة في العراق: “الإيرانيون في كل مكان إلا في قلوب العراقيين”! صدقت “لوموند”!
كدنا ننسى: يخطئ السيد مقتدى الصدر كثيراً حينما يتحدث عن الغلبة الساحقة للتيار الديني في العراق! سيقف شعب العراقي “المدني” على قدميه في يومٍ قد يكون قريباً أو بعيداً، وسيطوي الصفحة الأميركية السوداء، والصفحة الإيرانية السوداء، وسيعودون العراقيون إلى “عراقيتهم” وإلى منطقتهم العربية!
الشفاف
*
مقتدى الصدر يتحدث لـ(المدى)عن يهود العراق وزيارته لأميركا ومحاولة “تمدين” التيار الديني..
أجرى الحوار في بيروت: سرمد الطائي
سأسرد شيئاً آخر عن كواليس هذا اللقاء، لكن ولمن فاته القسم الأول من الحوار مع مقتدى الصدر (نشر ايضاً الثلاثاء الماضي)، فإن الزعيم الشاب وهو يترأس التيار السياسي الوحيد الذي بقي كل قيادييه من الرجال والنساء تحت سن الأربعين تقريباً.. تحدّث بالتفصيل حيال تظاهرات المنطقة الغربية، وراح يلتمس العذر حتى لبعض متشدديها. هو يقول: الكثير من الشعارات المتشددة كإسقاط النظام، جاءت رداً على طريقة الحكومة المتعسفة في التعامل مع ساحات الاعتصام. وقد استخدم الصدر مع شباب التظاهرات تعبيرات مقتبسة من قاموس العشق الصوفي قائلا إن “الوصال” مع اولئك الشباب أمر ضروري، ومتابعاً بالقول “كفاهم هجراناً”، في اشارة الى أن عليهم أن يتواصلوا معه أيضاً، بهدف تخفيف الاحتقان وصوغ مصالحة اجتماعية كبرى بعيدة عن سياسات الحكومة وأخطائها. تطرق الصدر في الحوار السابق الى أكثر من موضوع وأدلى بأكثر من رأي مثير وجديد. تحدث عن “تحالف ستراتيجي” حصل في أربيل العام الماضي فاتحاً الباب لوقف مساعي الاستبداد. وحين سألناه عن قول بعضهم بأن الصدر خسر جزءاً من جمهوره الشيعي بسبب مواقفه من أربيل ونينوى والأنبار، ردّ بقوة: لا أطلب فوزاً في انتخابات، وإذا خسرت بعض جمهوري بسبب المشاعر الطائفية، فإنني قد ربحت عقولاً وطنية مستنيرة في كل مكان. هو قال أيضاً: لايمكن للحاكم أن يتفرد بالحكم حتى لو اختارته الأغلبية. واذا أوصلت الديمقراطية الى السلطة من هو ليس أهلا لها، فلا بد أن تعطينا باباً ديمقراطياً للخلاص من هذا الحاكم. الصدر لم يتردد أيضاً في القول بأن تطبيق الشريعة على شعب يرفضها، أمر غير مشروع، لأنه يؤدي الى تنفير الناس من الدين. أما في القسم الثاني من هذا الحوار فسنجد المزيد من الأفكار المثيرة، خاصة العلاقة مع العلمانيين، والحضارة الغربية، ونيته زيارة أميركا وأوربا، وعن يهود العراق. وفي اللقاء المفاجئ الذي جمعني به وبالسيد أحمد الصدر الشاب الذي يجعلني أتفاءل بمستقبل البلاد هذه، وببعض قيادات التيار، سألته بإلحاح عن إيران التي أمضى فيها سنوات وسنوات. ولم يفاجئني أنه بذل جهداً في فهم الخارطة السياسية المعقدة وصراعات التيار الاصلاحي مع قيادة الولي الفقيه. لكنه أدلى بملحوظات تثير الاعجاب. يقول إن القيادة الايرانية تطلب بإلحاح أن يعقد الصدر صلحاً مع المالكي كي “يوحد شيعة العراق”. أما الصدر فيرد: إنني أتساءل أيضا، لماذا لم توحد القيادة في طهران، شيعة ايران. إنه يبدي انزعاجاً من الوضع الذي بقي فيه التيار الاصلاحي مقموعا طيلة الاعوام الاربعة الماضية، ويعتقد ان هناك طريقاً يمكن للايرانيين ان يسلكوه للحوار الداخلي، قبل ان ينصحوا العراقيين بالتوحد وتناسي الخلاف الجدي بين المالكي وباقي الاطراف العراقية.
ومن الاسئلة التي وجدت الصدر مشغولا بها، هو “ثمن التغيير”. يقول: “اهلنا تعبوا من التقلبات والحروب والتحول السياسي.. هذا حقهم، تعبوا”. نعم فالعراقيون يتمنون ان تختفي الخلافات بسرعة ليستقر البلد بسرعة ايضا ونطوي صفحة اللا استقرار التي دفعنا ثمنها عقودا طويلة. لكن الصدر يسأل: ماذا لو سكتنا ونسينا الخلافات واستبد الحاكم بلا رقابة وظهر دكتاتور آخر، وأخذتنا قراراته الى كارثة اخرى على طريقة صدام حسين؟”.
أسأله عن عقلاء الشيعة، وكيف يصمت بعضهم عن قرارات الحكومة التي يمكن ان تأخذ البلاد نحو الكارثة. يواصل الصدر: “ان عقلاء الشيعة قلقون جدا، لكن مشكلة بعضهم انهم يعتقدون ان التعقل يعني الصمت على ما يفعله المالكي. اما انا فتياري هو كل عراقي جريء يرفع صوته قبل حصول الكوارث الوطنية. الصمت مستحيل. فقد صمتنا عقوداً ورأينا النتيجة في خراب صدام حسين. نرفع صوتنا ونتقبل دفع الثمن”. أقول له ان التعدد السياسي وتعدد مراكز القوى واللامركزية ستمنع ظهور دكتاتور آخر. فيسألني هو: “جيد ان التعددية السياسية تحل المشكلة وأنا اتمسك بها طبعا. لكن تعالوا نفكر معا، كيف نحتفظ بالتعددية بدون أن تؤدي الى عرقلة القرارات والقوانين التي يحتاجها شعبنا. هذا هو التحدي امام النخبة السياسية والثقافية، عليكم ان تفكروا بحل”. وقد سمعت نقاشات مثيرة اثناء اللقاء بين الصدر وقيادييه، بينها انه يحلم بأن يقوم جمهور التيار بزراعة نخيل كثير، كجهد مدني تطوعي، في بلد خسر نخلته وسط دخان الحروب. يقول له رجل من فريقه: نفكر بزراعة نخيل على طريق “يا حسين” الذي يربط المدن بكربلاء ويسير عليه الماشون الى الحسين في المناسبات الدينية. فيرد الصدر: الحسين جدي، لكن كيف يمكن لنا ان نجعل ابن الموصل ايضا يشعر ان مشروعا كهذا يخصه؟ تعالوا نفكر كيف يمكن تحويل هذه المبادرة الى حزام نخيل يربط كل اجزاء العراق من الموصل الى البصرة، ويوحدها، حتى لو انطلق المشروع من طريق “يا حسين”. لقد لاحظت إلحاحا في حديث الصدر عن العراق ووحدة العراق. بدا لي كشاب يشجع بحماس كبير، منتخب العراق في رياضة شعبية. انها وطنية كلاسيكية لمسنا كيف تترك أثرها على مواقف الصدر في لحظات صعبة. إلا ان الامر يحاط بشكوك الناس، به وبمن يكتب عنه ايضا. لان الصدر يثير جدلا عند الاسلاميين والعلمانيين على حد سواء. لكنه يثير المزيد من الاهتمام كذلك، هنا ولدى المراقبين الغربيين، الذين يقولون بسهولة احيانا ان العراق سينقسم طائفيا وكدولة وأن طهران صارت تتحكم به.
لكنني أجيبهم اثناء نقاشاتنا الساخنة بالقول: لو أتيح لكم ان تتفرجوا على دردشة بين الصدر وفريقه السياسي، فستدركون ان العراق لن يكون لقمة سائغة لا لإيران ولا لغيرها. اننا امام بلد مفاجآت، وتيار مليء بالتناقضات العراقية التي في وسعها تخفيف سوء المستقبل.
*أهلاً ومرحباً باليهودي الذي يفضّل العراق على اسرائيل، ولا فرق في الوطنية بينه وبين المسلم أو المسيحي، وكل من لا يقوم بواجباته الوطنية فهو ليس بعراقي حتى لو كان مسلماً شيعياً.
*هناك من يقول إن نقض المالكي للعهود صفة حميدة وهي من متطلبات السياسة لكني أراها صفة مذمومة سياسياً وأخلاقياً وأرجو منه تصحيح ذلك.
*صرت أقبل الفيدرالية منذ خروج الاحتلال الأميركي لكن مع شروط أتمنى مراعاتها منعاً لتقسيم العراق.
* العراق أم ولود للشخصيات الراقية والقول بأنه لا بديل للمالكي، ظلم للعراق وأهله.
*لا أريد أسلمة التيار المدني بقدر ما أريد تمدين التيار الاسلامي. والوسطية هي التي تجمع الطرفين من أجل المسار الوطني.
*الحوار بين الطائفتين أمر حاسم وقد وقفنا للصلاة خلفهم تمتيناً للصف الوطني لكن الاخوة السنة لم يصلوا خلفنا، وأنا أدعو لهم بالخلاص من التيار المتشدد.
*لا زلت أتمنى زيارة البحرين والامارات وأتمنى أن لا تكون الحسابات الطائفية عائقاً أمام تعزيز علاقاتنا مع العرب. *نعمل على ترتيب زيارة للاتحاد الأوروبي بل ولواشنطن شرط أن تكون تواصلاً مع شعب أميركا ومؤسساتها.
*أنحاز لحوار الحضارات وأريد أن أجد مساراً معتدلاً يحفظ خصوصيتنا ويجعلنا نأخذ ونعطي أي نتبادل الثقافة، والمتشددون انغلقوا وخسروا بسبب انغلاقهم.
*أحببت في الايرانيين مثابرتهم على العمل وإخلاصهم لوطنهم. ولو انفتحوا على العالم لكان خيراً لهم.
*اقرأ كتباً خارج نطاق التراث الديني وهي كتب تحررية وتنويرية ولكن ربما ليس من الصالح الإفصاح عنها. *ارفض تعبير “الاصلاح الديني” وأفضل استخدام “اصلاح الدينيين”. ولا استخدم تعبير “تخليص الدين من التطرف” بل “تخليص الدين من المتطرفين”. ويجب أن يكون هناك إصلاح أيضاً داخل التيار العلماني.
*أحب تصفح مواقع المعلومات على الانترنت وكنت من رواد موقع كتابات وأجد أن التواصل عبر الفيسبوك أو تويتر واجب في بعض الاحيان. *يجب على الحكومة أن تفيد من النقد والصوت العالي للصحفيين والناشطين. وقمعها لهم سيزيد التيار المعترض قوة. ولذلك لا أخشى من قمع الحكومة للمعترضين بل من محاولتها شراء ذممهم وتحييدهم.
*أقول للفقراء العراقيين: سيضيع كل حق إن لم يكن الشعب مطالباً بحقوقه.
*
حديثكم عن يهود العراق وحقهم بالمشاركة في سياسته وتنميته وبنائه، هز عواطف الجميع. قرأنا جميعاً حديث الشاعر العراقي اليهودي روني سوميخ الذي قال في تقرير نشرته “المدى” مؤخراً “كنت أعلم أنه في يوم ما سيقول قائد ما، هيا لنعيد بناء صلة التواصل، ومع أن آمالي لم يكن يوجد لها محرك عملي ولكن كنت اعتمد على وجود صلة موجودة بين اليهود والمسيحيين والمسلمين”. كيف كسرتم قاعدة الصمت العراقي بشأن اليهود؟
– بطيبعة الحال لا نعني “باليهودي” الاسرائيلي فهو ليس بيهودي على الاطلاق هو ذو فكر استيطاني بغيض لانريده في عراقنا بل في حياتنا مطلقاً. أما اليهودي الذي يقدم عراقه على “دولة اسرائيل” فأهلاً به و مرحباً، وهو مواطن عراقي يجب أن يأخذ حقوقه وواجباته، فكل من سار على واجباته على أكمل وجه لابد ان يأخذ حقوقه لا أن يحرم ذلك وإن كان يهودياً، بل من لا يعطي ولا يقوم بواجباته الوطنية فهو ليس عراقياً وإن كان مسلماً شيعياً. ومن الناحية الوطنية لا يختلف المسلم عن المسيحي واليهودي والصابئي وغيرهم.. إلا من حيث الوطنية و الخدمة الحقة، وكما قالت الآية “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” فهنا يمكن القول إن أكرمكم عند العراق هو أكثركم وطنية وخدمة. ولنا بعض التعليق على سؤالك هذا: أولاً: ان خدمة العراق من قبل اليهود سيبعدهم عما هو فاسد يخاف أن يقعوا فيه لو همشوا. ثانيا: ان احتضان اليهود تحت عنوان الوطن يعني باباً لتكاملهم ولو بعد حين. ثالثا: انه أمر إلهي في كون الاسلام خيمة للجميع ماداموا مسالمين نافعين غير ضارين.
هناك من يقول إن المالكي وبسبب نقضه للاتفاقات أصبح طرفاً غير موثوق لعقد أي تسوية جديدة. كيف تعاملتم مع شكوك الآخرين بالمالكي وسط احتياجنا لصفقة تصالح كبرى؟
– تعددت الآراء وانقسمت في تلك الصفة التي تسند للأخ المالكي فمنهم من ينظر إليها من الناحية السياسية، فيقول إنها صفة جيدة لكونه وإن وعد “غرماءه” إلا انه لم يعطهم شيئاً. فهذا ما قيل لي بعد الذهاب الى أربيل والعمل على سحب الثقة وبعض النقاط الأخرى. قيل لي: إنك يا فلان إن أعطيت وعوداً للأكراد أو غيرهم فإنك لن تحيد عنها. وليس كإعطاء المالكي لهم وعوداً في زيارته لأربيل التي سبقت زيارتي، فإنه وإن اعطى لهم العهود فهو لن يتمسك بها. وكانت تلك صفة جيدة بالنسبة للمتكلم، فكان المالكي سوف يتهرب به عن العهود ولن يكون بيد الاكراد، وكأني صرت تحت رحمتهم حين زيارتهم. كلا فهم (الاكراد) لايريدون مني ولا يتصورون ذلك، بل غاية ما يريدون ونريد هي المحبة والشراكة والعيش الموحد تحت راية العراق. وان نظرنا الى تلك الصفة اخلاقيا وعقائديا واسلاميا، وجدناها مذمومة غير مقبولة وستكون بابا لنفور الشركاء عن الاخ المالكي مستقبلا، فالرجاء منه الالتزام بالوعد.
أنصار المالكي يقولون لا يوجد بديل عنه. وبعضهم يقول ان خلافاتكم داخل التحالف الوطني كانت تصعب ظهور البديل الشيعي للمالكي. الآن بعد كل ما جرى كيف تقيمون هذا؟
– العراق بلد معطاء لا يخلو أبدا من حاكم مستقبلي على الاطلاق، بل العراق أم ولود للعدالة والشخصيات الراقية. من يقول ان لا بديل، فقد ظلم العراق وأهله. وعموماً فاننا ان قلنا ان المالكي كان حاكما مقتدرا فعلا، فمن كان ياترى يعلم ذلك قبل ان يتلبس بالحكم والمنصب، ومن كان يتصور انه قادر…!!! ولكن القدرة أمر نسبي ومختلف عليه.
هناك من يرى ان انشاء إدارات لامركزية في الموصل والرمادي من شأنه تطمين أهلها بشأن حقوقهم. انتم قلتم ان الفدرالية حق دستوري وتفهمتم الوضع الخاص لكردستان داخل ازمة طوزخورماتو. فهل ستدعمون طلب اقليم المنطقة الغربية داخل عراق موحد لو تقدموا به؟
– لعلي من اكثر من وقفوا ضد “الفدرالية” في زمن الاحتلال العلني، فلعل خروجهم الرمزي يكون باباً لقبول “الفيدرالية”. نعم هو كذلك لكن مع توخي مايلي: أولاً: وضع ضوابط داخلية لكل اقليم. ثانيا: وضع ضوابط للتعامل فيما بين الاقاليم. وان وضعت بعض تلك الضوابط في الدستور العراقي فلا يمكن الاكتفاء بها بأي حال. وبالرغم من اننا لانقف ضد هذه الفيدرالية الا اننا نتخوف منها، وسأورد لكم بعض النتائج السلبية التي قد تترتب على تطبيقها: أولاً: التدخل العسكري الخارجي لا سمح الله. ثانياً: جعل الهدام (صدام حسين) عليه اللعنة، صادقا في ادعائه بأن ذهابه بداية تقسيم العراق. ثالثا: تلاشي المركز شيئاً فشيئاً. رابعا: ضعف العراق اقتصاديا واجتماعيا. خامسا: التصادم الطائفي في بعض الاقاليم المشتركة وغيرها، من كون الاقاليم طائفية. وعموما فأنا اتمنى ان لايطالب الاخوة الاعزاء في المنطقة الغربية بإقليم حاليا لكي لاتكون ثورتهم من أجل ذلك.
هناك تفاؤل واسع بأن السنوات العشرة الماضية جعلت الجميع ينضجون مواقفهم، ولذلك فإن التيار المدني وجد مشتركات كثيرة مع الطاقم الشاب لتيار الصدر وهناك تنسيق مفيد بينهما. هل يمكن ان نشهد انفتاحا أكبر يجمع بين تياركم والحركة المدنية خاصة فيما يتعلق بالقضايا العادلة مثل كبح جماح الاستبداد وتخفيف الاحتقان الطائفي؟
– اعلموا ايها الاخوة ان “التيار الصدري” تيار مترامي الاطراف ان جاز لي التعبير، فيه الكثير من تعدد الافكار والمتبنيات ففيه المتشدد وفيه المنفتح على حد التعبير الدارج، وفيه ماهو بين ذلك. ولعل هذا هو صحي وليس أمرا سيئا على الاطلاق. إلا أن التشدد لايجب ان يكون هو الحاكم والمسيطر، ولذلك فان انفتاح التيار الصدري على “التيار المدني” امر ضروري لكن بحدود المعقول حفاظا على متبنيات كلا التيارين الصدري والمدني. فلكل واحد استقلاليته ومتبنياته، وخشيتي على التيار المدني ان طال الانفتاح ان يكون صدريا!!! ولو من باب المزحة. الا ان الانصاف يجب ان يقال: ان هناك مشتركات في تلك الافكار وخصوصا الناحية “الوطنية” وان ابتعدنا واختلفنا من الناحية الدينية والعقائدية. فانني وان كنت ادعم الانفتاح بعض الشيء وعدم الانغلاق بهدف تلاقح الافكار، الا انه يجب ان يكون بالحد المعقول والحدود الشرعية التي هي من ثوابتنا اصلا ولن نحيد عنها على الاطلاق، بل الحياد عنها مخرج لنا عما كتب لنا الشهيدان الصدران (قدس سرهما) بل اهل البيت والرسول (ص). فان التيار المدني قد يتبنى التحرر من بعض القيود الشرعية، أو قل بصورة أدق: ان اكثر من ينخرط في التيار المدني هو من يريد التحرر من الحكم الشرعي شيئا فشيئا، الا ان ذلك ليس جوهر التيار المدني. فانني اسعى لفتح باب وسطي يمكن معه البقاء على المبادئ الاسلامية الحقة والايمان بالمبادئ المدنية، لكي نكون قد جمعنا بين تيارين طال افتراقهما بلا سبب، الا لان التيار المدني احيانا يحكم على الاسلام من خلال بعض المسلمين الذين لا يعلمون جوهر الاسلام الحقيقي. ان التيار المدني اقرب للتيار العلماني غالبا ويترابط معه ترابطا وثيقا، وهذا لا شك فيه، الا انني أعتبر ان التيار العلماني كان وليد التشدد الاسلامي مسبقا، والعكس ايضا بمعنى ان التشدد العلماني ولد تشددا اسلاميا كما في تونس ومصر وليبيا وسوريا أو دول الربيع العربي. وليس من الانصاف الحكم على التيار الاسلامي من خلال متشدديه ولا الحكم على التيار العلماني من خلال متشدديه، ولذلك فاني اعدّ التيار المدني هو الوسط بين ذلك مع بعض التشذيب والتهذيب والاشراف الديني ولو من خلف الكواليس. وعذرا فلست اريد ان أؤسلم التيار المدني بل لعلي اريد ان “أمدّن التيار الاسلامي” بعض الشيء لكي يواكب دينه ودنياه معا… مع الحفاظ على الثوابت الاسلامية الحقة التي لن احيد عنها. لكن لاينبغي ان نغمض اعيننا عن امر مهم، وهو كون المجتمع العراقي اغلبه تيار اسلامي، ويندر فيه التيار المدني الحقيقي. فالتيار المدني وإن كان يدعو للمواطنة والى جعل المؤسسات المدنية هي الحاكمة ولو من خلف الكواليس اوقل اشراكها في بناء المجتمع الانساني، فان الاسلام هو الذي جعل الانسانية الحقيقية هي الحاكمة فوق كل اعتبار. الا ان في الانسان غريزتين: الاولى: غريزة شهوية وهي التي ابعدها الاسلام عن كونها تكاملا وبالتالي ابعدها في الحكم والقضاء وتسيير امور الناس والا صار الحاكم انانيا. الثانية: الغريزة الايمانية ان جاز التعبير، فقد قال الله تعالى “ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم…الخ” وهذا الذي يجب ان تحدد به الانسانية الحقة.
كثيرون يأملون حوارا داخليا يطلقه الشيعة مع السنة يجمع نخبتهم الثقافية والاجتماعية. لانه سيكون مفيدا. هل نتوقع ان يبادر التيار الصدري الى خطوة كهذه تمهد لانجاح الجهد السياسي المشترك، خاصة وان سوء الفهم المتبادل بين الجانبين يخلق مشاكل متواصلة، بينما يمكن للحوارات ان تعرف كل طرف بالاخر؟
– نعم هذا امر لابد منه، ولقد سعيت له من اول يوم بعد احتلال العراق، فالتقريب بين المذهبين على الاصعدة العقائدية والثقافية والاجتماعية امر ملح سوف يبعد العراق عن شبح المفخخات وشبح الطائفية. ولعل هناك عدم تفهم في الطرف الشيعي خصوصا هذه الايام، إلا ان عدم التفهم السني في نظري اكثر، وكما قلت في موارد، اننا ذهبنا كشيعة وصلينا خلفهم، اعني خلف السنة، فهل رأيت سنيا أو أحدا من علمائهم او قياداتهم فعل ذلك؟! أسفي، فان الكثير فان الكثير من السنة وقعوا في انياب المتشددين، وليس لي الا الدعاء لهم ليثبت اقدامهم على الوسطية، ويبعدهم عن افكاك وانياب التشدد الطائفي.
متى تواصلتم آخر مرة مع الجوار الخليجي؟ مبادرتكم نحو الموقف في الانبار ونينوى ألا يمكن ان تصبح مدخلا مهما لحوار اقليمي؟
– يجاب بعدة اجوبة. اولا: ليس هناك مدخلية بين موقفي ازاء الانبار وعلاقتي بالدول الخليجية، فنحن نحافظ معهم على علاقة اعتبرها جيدة وان لم تكن مع جميعها. ثانيا: انني قد زرت دولهم وكان اولها المملكة العربية السعودية، ومن بعدها مباشرة الكويت، ثم بعد اعوام زرت قطر ولا زلت اتمنى زيارة البحرين. ثالثا: طلبت موعدا لزيارة الامارات الا انه لم يأتني الرد، فقد اعتبر ذلك رفضا ولا اعلم الاسباب. فإن كان السبب لمواقف طائفية فلا اعتبر هذا اخلاقيا ولا سياسيا منهم، ولابد ان يحافظوا على علاقة مع التيارات العراقية كافة بغض النظر عن انتماءاتهم العقائدية.
نقول في الشرق ان بن لادن لا يمثلنا، ولا التطرف. ولدينا وجه معتدل واخلاقي محب للحوار عكسته مثلا عائلة الصدر الكريمة عبر التاريخ. لكننا نحلم ايضا بيوم نجد فيه الصدر متحدثا في نيويورك او الاتحاد الاوربي باللهجة التي ظهر فيها على شاشة محطة الحرة الاميركية، وبعضهم يقول نحتاج شخصية حوار تقدم لنا نموذج حوار غاندي مع الانجليز الذين كانوا يحتلون الهند. او مثل حوار خاتمي مع الدول الكبرى تحت عنوان “حوار الحضارات”. ألا ترون ان الفرصة تبدو مواتية الان؟
– بغض النظر عمن ذكرت في سؤالك، الا انني اجيب على مستويين. المستوى الاول: وهو عدم وجود مانع من زيارة الاتحاد الاوربي، بل انني كلفت بعض الاخوة للعمل على ايجاد المقدمات لزيارة الاتحاد الاوربي وخصوصا في خضم المشاكل التي يقع فيها الشرق الاوسط. بل وانني اتمنى زيارة واشنطن، لاسيما بعد خروج الاحتلال العلني، بيد انني لا اريدها رسمية بمعنى انني لا ازور الحكومة الأميركية بل مؤسساتها وشعبها. انني في نفس الوقت، لا اجد زيارة الحكومات الاستعمارية يمثل وجه الاعتدال ولا يمثل الحوار العقلائي، ولذا فانني حددته بالمؤسسات المدنية والشعب فحسب. المستوى الثاني: وهو يتعلق بحوار الحضارات أو صراعها على بعض التعابير، لاسيما ان فهمنا من الصراع هو الصراع الثقافي، فأقول إن حوار الحضارات يجب ان يبتني على المساواة وليس التعالي والتكبر، فلعل الامم الغربية وحضاراتها تجعل لنفسها العطاء الاكبر في الثقافة، وهذا ما جعلها تعطي ولا تأخذ. وبالتالي لن ينطبق عليه “الحوار” اصلا بل هي الدكتاتورية والتفردية الثقافية، فنحن وان جاز لنا الاخذ من حضارتهم الثقافية الا اننا يجب ان نعطيهم ايضا من حضارتنا لكي يكون الامر عادلا. نعم، قد يقال: ان مستواهم يؤهلهم للعطاء ومستوانا لايؤهلنا لهذا بل للاخذ فقط. ونقول: هذا بسبب الجهل الذي يقع بخصوص الحضارة الاسلامية امام الحضارات الشرقية والغربية الاخرى. فليست الحضارة مجرد تكنولوجيا بل هناك امور اخرى لعلها اهم من ذلك. وعموما فانني على يقين اننا بالرغم من اننا لا نعطيهم من حضارتنا الاسلامية الا انهم ياخذون بعضها لكن من دون ان يعلنوا ذلك. ثم ان حوار الحضارات يجب ان يكون مع ضوابط تبقي للمتحاورين استقلاليتهم. ويجب ان يكون الحوار مع عدم الميل الى الحضارة الاخرى، والا لكانت الكفتان غير متعادلتين. الا ان ذلك الحوار ان كان منطقيا او قل ان كان الانفتاح بضوابط معينة، فسيكون بابا لتلاقح العلوم فيما بينها، وهذا في اغلب الاحيان باب للتكامل وسعة الافق. وباعتبارنا لانؤيد التشدد في كل الامور، فان الحوار هذا يجب ان يكون مقبولا بل مطلوبا لدينا فعلا، على عكس المتشددين الذين انغلقوا على انفسهم فظلوا في بحبوحة افكار محددة لا يستطيعون الخروج منها. الا ان الحق يقال فان حوار الحضارات وقع بين التشدد اللاغي والمحرم لها، وبين الانفتاح الذي جعله تقليدا وليس حوارا أو انفتاحا على الحضارات الاخرى، فالوسطية في أي حوار أمر لابد منه.
وجودكم في لبنان وإيران جعلكم بالتأكيد تتواصلون مع مؤسساتهما الاجتماعية والثقافية. حسب مقارناتكم ما الذي ينقصنا في العراق علميا وثقافيا؟ ماذا رأيتم في هذه البلدان وتتمنون نقله الى العراق؟
– حسب رأيي وباختصار، فإن الصفة التي احببتها وتمنيت ان تكون صفة للشعب العراقي، اني وجدت الشعب الايراني دؤوبا في عمله مخلصا له ولوطنه. ومؤسساته ذات نظام لايمكن تعديه يحافظون على آليات العمل وهيكليته وادارته ورتبه، فعملهم يذكرني بخلية نحل منتجة. ولو انهم انفتحوا على العالم الخارجي لكان خيرا لهم. اما لبنان فهي وإن أعيتها الوتيرة الطائفية، الا انها بقيت تصارع من اجل البقاء والحياة مهما زاد اعداؤها وضراوتهم، بل ان ازدياد الاعداء ولد مقاومة شريفة على كافة الطوائف، ونسأل الله ان تكون مدنيتهم مثالا للتعايش السلمي لكل الاديان والطوائف.
ماذا يقرأ السيد الصدر هذه الايام؟ علماء اسرة الصدر معروفون بقراءاتهم المتنوعة على خلاف المألوف في الحوزة ايام زمان، هل لدى السيد مقتدى الصدر ولع مماثل بالادب أو الترجمات؟
– على قلة ما أقرأ لضيق الوقت، ولأن القراءة تحتاج الى صفاء الذهن وماشابه. انني اقرأ كتابا من هنا وهناك، خارجاً عن نطاق الحوزة والامور الدينية، إلا انني اعتذر عن ذكرها لاسباب اجتماعية، لأني ان ذكرت ما هو اسلامي أو حوزوي قيل هو منكمش على علوم محددة. وان ذكرت الكتب التي اطالعها خارج هذا النطاق لاسيما التحررية والتنويرية او ما شابه ذلك، فستكون منطلقا آخر لبعض الاشكالات الاخرى التي ليس من الصالح نشرها الآن، فقد يقتدي بي من هو ليس أهلاً لقراءة هذه الكتب.
الاصلاح الديني انطلق في أوربا من الكنيسة، وهناك محاولات إسلامية منذ ١٠٠ عام لتخليص الدين من التطرف، ولإصلاح الفكر الديني. لكن هذا طريق مكلف شعبيا جعل كثيراً من العلماء يحذرون الانخراط فيه. هل تتوقعون نهضة اصلاحية في الحوزة تتصالح مع التيارات المدنية وتصوغ رؤية تعايش حديثة تحفظ احترام القيم الدينية ولا تصطدم بالحداثة؟
– قبل الجواب، لي عدة تعليقات على سؤالك: التعليق الاول: ان الكنيسة في اوربا كانت في البدء منطلقا للاصلاح الديني، الا ان تشددها بعد حين وزجها بما هي هي في العمل السياسي، صار مبعدا للكنيسة عن الاصلاح.
التعليق الثاني: الصحيح ان تقول: اصلاح فكر الدينيين وليس الدين، فالدين بما هو دين إلهي ليس فيه خطأ او شائبة، الا ان السوء في مطبقيه. التعليق الثالث: تخليص الدين من المتطرفين وليس التطرف، فالدين لا يمت الى التطرف في شيء وخصوصا مع التفاتنا الى قوله تعالى “إن الدين عند الله الاسلام”. أما بعد، فاني فهمت من سؤالك أن هناك جهتين: الأولى: التيار الاسلامي. والثانية: التيار المدني. وهذان التياران لهما وجود فاعل لا محالة. إلا ان المستغرب في سؤالك هو أنك تريد نهضة اصلاحية في الحوزة تتصالح مع التيار المدني، فلماذا لم تطلب من التيار المدني ان يقوم بثورة اصلاحية ليتصالح مع التيار الاسلامي او مع الحوزة العلمية؟ فان كان قولك هذا من منشأ ان الخطأ في التيار الاسلامي دون المدني فهذا خطأ في القول، فانه لا محال قد زل التيار المدني وكذلك العلماني بصورة أدق عن خطئه التي كتبها لنفسه. وهنا لا أعني الجميع، كما ان الاسلام ليس جميعه متشدد أو ليس كله قد زل. وان كان قولك هذا من منشأ ان التيار الاسلامي هو الاغلب والاكبر باعتباره الراعي للجميع، فلا اشكال في قولك، فالاب يقع عليه رعاية الابناء. هذا من جهة ومن جهة اخرى فان هذا التصالح يصدق ويمكن ان يكون بين ما يسمى بالتيار الاسلامي المتشدد وبين التيار المدني الوسطي لا المنحرف عن ثوابته. واما بين التيار الاسلامي الوسطي وبين المدني الملتزم بثوابته، فلا داعي للتصالح فهو لا يكون الا مع التخالف، ولا يخدش في التصالح الا من بعض الامور التي قد ذكرناها في اجوبتنا السابقة.
انتم من جيل الشباب الذي فتح عينه على تكنولوجيا المعلومات. هل تخصصون وسط المشاغل، وقتا لتصفح الانترنت؟ اي صحيفة تقرأون في العادة؟ هل تتواصلون مع مواقع فيسبوك وتويتر مثلا، على غرار الكثير من الزعماء؟
– نعم أنا من محبي تصفح المعلومات عبر الانترنت، وعندي صفحات لا سيما على الفيسبوك، ليست رسمية وليست باسمي. فان لي ما يمثلني بالاسم العام كالمكتب الخاص والموقع الرسمي للتيار. انني احب ان استفيد من تلك الصفحات بعيدا عن كوني فلانا ابن فلان، فأنفتح على جميع المستويات والافكار، ولعل اسمي الحقيقي يمنعني عن ذلك. وكنت من رواد موقع كتابات وبعض المواقع الصحفية لبعض المجلات والصحف، لكني اتجنب بعضها ممن يزيف الاخبار غالبا، وأتجنب هنا ذكر اسمائها. واني لا أعدّ التصفح ودخول الفيس بوك أو تويتر تواصلا مع المجتمع وحسب، فلعلي أراه واجبا في بعض الأحيان.
هناك من يقول إن المعترضين على الحكومة اصبح لسانهم أطول من اللازم في الصحافة وفي البرلمان. ويدعو لتقييد حرية التعبير للنواب وللناشطين وللصحفيين. هل يمكن تخيل عدالة بلا صوت حر ونقد متواصل؟
– لابد للاصوات لحرة ان تعلوا وان تستمر، لكني افضل ان تكون معارضتهم لا بالشتائم والسباب بل بما هو منطقي وعقلاني وضمن ضوابط. بل لابد للحكومة ان كانت تدعي الديمقراطية، ان تفيد من هؤلاء النواب والناشطين والصحفيين لتصحح أخطاءها. واكثر ما اخشاه ان تسعى الحكومة الى شراء ذممهم (لا سامح الله)، وهو اكثر من خوفي بشأن سعيها لقمعهم، لان قمعهم سيزيد من اصواتهم حسب علمي. بل اني اجد الحكومة سعت فعلا من خلال التقرب الى بعضهم وبعض القنوات، الى اسكات اصواتهم من خلال الترغيب لا من خلال قمع اصواتهم، بالرغم من اني لا استبعد انها تسعى الى تحييدهم واسكاتهم.
اصعب عشر سنوات مرت على جيل الشباب، وهو جيل مقتدى الصدر، كانت الاعوام العشرة الماضية. لو اردتم ان تقوموا بوصفها ببضع سطور فماذا ستكتبون عنها؟ هل ذهبت تلك السنين هباء ام ان هناك دروسا مهمة تعلمناها وسط كل التضحيات؟
– حياتي جميعها صعبة اكتنفها الخطر والمسؤولية والواقع الاجتماعي والحوزوي. الا انني لا زلت افخر بسنوات المقاومة للاحتلال، فهذا عز وشرف لي ولكل من ينتمي لي، بل للمذهب والاسلام والعراق ولله الحمد. فبالرغم من ان المقاومة ابعدت بعضهم عنا، الا انها تبقى صفحة مشرفة في تاريخ العراق عموما، وبالرغم من انها صفحة صعبة اكتنفتها الخطورة، وأخطرها تشويه سمعة المقاومة من خلال الانشقاقات والاعلام وغير ذلك. الا ان من الضروري ان يعلم الجميع ان المقاومة هي ليست كل شيء، فاننا تيار ثقافي ديني شعبي خدمي اولا وبالذات، وما المقاومة الا خدمة الدين والشعب. ولعلي طيلة هذه الاعوام حاولت ان احافظ على الخط الوطني في كل الافعال والاقوال والقرارات، وهو اصعب الامور التي واجهتها، فقد كان هذا باباً لمعاداة الكثيرين مع شديد الاسف، الا اني على يقين انها ستكون مدرسة في المستقبل.
الفقراء يملأون بلادنا برغم اموال النفط. من الموصل حتى البصرة، مال كثير لم يغير شيئا كثيرا، اذ ان ٣٠ من المئة من الشعب يعيشون في العشوائيات وما يسمى بأحياء “الحواسم”. هؤلاء في عيونهم دمع وغضب واسئلة. ماذا يقول لهم السيد مقتدى الصدر؟
– بطبيعة الحال يضيع كل حق ان لم يكن الشعب مطالباً بحقوقه.