عالمة الأنثروبولوجيا المتخصصة بالإسلام، “فلورنس بيرغو بلاكير”، ترحّب بحظر “العباية” في المدرسة. وتوضح أنه إذا كان هذا الثوب لا يمثل علامة دينية بالمعنى الدقيق للكلمة، فإنه يعكس التمسك بالإسلام الصارم (الأصولي) الذي تطوّر في السنوات الأخيرة تحت تأثير تطرف الخُطَب الدينية.
. أعلن وزير التربية الوطنية منع العبايات في المدارس. كيف تنظرون إلى هذا القرار؟
فلورنس بيرغو بلاكير– هذا إعلان واضح وحازم، لا لبس فيه، ويأتي بعد بضعة أشهر من التحقيق الذي أجراه وزير التربية والتعليم السابق حول هذه القضية – مع رؤساء المؤسسات. وكانت وزارة التربية والتعليم تتلقى كل شهر إحصائيات عن الاعتداءات على العلمانية، وهي إحصائيات أظهرت زيادة في ارتداء العباءة.
الإجراء الذي أعلنه غابرييل أتال ليس مرتجلا، بل مدروس وله قيمة أكبر.
ماذا تمثل العباءة في الثقافة الإسلامية؟
مثل “الحجاب”، العباءة ليست علامة دينية بالمعنى الدقيق للكلمة؛ إنها بالأحرى أداة، ثوب يسمح للمرأة التي ترتديه بالتوافق مع قاعدة دينية صارمة. ويقتضي هذا المعيار ألا تظهر المرأة أشكال جسدها، وأن تخفيها في الفضاء العام وتسمح فقط بإظهار وجهها ويديها. وعندما يؤكد “المجلس الفرنسي للعبادة الإسلامية”، بعد إعلان وزير التربية الوطنية، في بلاغ صحفي، أن العباءة ليست لباسا دينيا، وبالتالي فإن قانون 2004 لا ينطبق عليها، فهي حيلة للحؤول دون حظرها فيالمدرسة. لكن وظيفتها دينية بشكل واضح.
كيف تفسّرين صرامة الدعاة المضاعفة فيما يتعلق بالعباءة؟ ولماذا أصبح الخطاب أكثر تشددا تجاه الشابات المسلمات، في فرنسا على وجه الخصوص؟
الحجاب، مثل العباءة، ليس علامة على الهوية، بل هو ممارسة دينية، تتوافق مع تفسير صارم للإسلام. وهذا يتطلب فهم ما أسميته منطق “المزايدة في الحلال“. ليس هناك ما هو “حلال” أكثر من اللزوم بالنسبة لـ”السلفية” (ونسختها “الإخوانية”). في البداية يُطلب من الفتيات ارتداء الحجاب إرضاءً لله، فيوافقن ويلبسنه مع الجينز والأحذية الرياضية. ومن ثم نجعلهن يفهمون أن المعنى العميق للحجاب هو ستر أجسادهن إرضاءً لله. ثم تأتي العباءة، هذا الفستان الطويل الذي يغطي أي شكل أنثوي. ومن المؤكد أن التسويق الإسلامي لـ«الأزياء المحتشمة» سيطرح موديلات جديدة. ولكن مرة أخرى، ستتم دعوة الفتيات إلى ارتداء ألوان أقل بهرجة، وما إلى ذلك. هناك لعبة بين القواعد الإسلامية الصارمة وتسويق الأزياء، ولكنها في النهاية لصالح الدعاة الأكثر صرامة. في السنوات الأخيرة، رأينا عددًا من الدعاة يتحدثون ضد هذه الموضة الجديدة لـ”البوركيني”، وضد غطاء الرأس السكسي” بشكل متزايد. منذ ثلاث أو أربع سنوات، بدأنا نرى ونسمع خطباً تتحدث عن “الحجاب الشرعي”. به” الشبكات الاجتماعية – TikTok وInstagram – الباقي تقوم به.
لقد قمت بدراسة هذه الظاهرة في عملي في سوق الحلال، حيث أظهرت أنه كان هناك دائمًا المزايدة على الحلال. وهذا أيضًا ما أطلق عليه “فتحي بن سلامة” تسمية “السوبر مسلم” (“المسلم المغالي”): عليك دائمًا أن تفعل ما هو أفضل لإرضاء الله. ديناميكية الحلال كفضاء معياري، قمت بدراسة آلياتها من خلال إظهار أنها تحدث على مرحلتين: الأصوليون “يحرمون” ممارسة ما – من خلال إعلانها “حرامًا” وغير مشروعة – ثم يقترحون نسخة “حلالًا”. في كل مرة، يدفع الواعظون الشابات ليصبحن أكثر امتثالًا وأكثر خضوعًا لشريعة الله من خلال إخبارهن بأنهن أكثر جمالًا، وأكثر جاذبية، وأنهن سوف يتزوجن بسهولة أكبر. وينتهي الأمر بالبعض منهن إلى الاستسلام.
تأثير “الموضة” و”التمرّد على السلطة” يمكن أن يجذب المراهقين الذين يفتخرون بتأكيد أنفسهم كمسلمين ولو أنهم لا يمارسون الشعائر الدينية. بمجرد ارتداء هذا الثوب، أي العباءة تتم رؤيتهن ودعوتهن إلى أنشطة التنشئة الاجتماعية الدينية. غالبًا ما يكون هذا هو الدخول الأول إلى عالم التلقين الديني: تبدأ بارتداء ثوب لتعريف نفسك كمسلم صالح، ثم يُعرض عليك الذهاب إلى المسجد، ثم في دوائر التأمل، ثم إلى أماكن التنشئة الاجتماعية الدينية. هكذا ندخل “الفضاء الحلال”.
كل الغموض الذي يكتنف العباءة يكمن بالتحديد في أنها ليست علامة دينية، مع ذفك يبدو أنه لم يعد هناك أي شك في نوايا من ترتديها…
ما يزيل الإلتباس هو اقتران عدة عوامل: الطبيعة “الجماعية” و”المنظمة” لهذه الظاهرة، والإنكار المدروس للفتيات الصغيرات في مواجهة مديري المدارس، وعلى العكس من ذلك، ادعاءاتهن الدينية وحتى التبشيرية على الشبكات الاجتماعية. هذه ليست ظواهر معزولة لا يوجد سبب للتدخل فيها. لقد حدّدت أجهزة المراقبة ما وصفته بـ”الحملة” في وقت مبكر من أغسطس 2022 تحسبا لبدء العام الدراسي. وأكدت الإحصاءات الشهرية الاتجاه التصاعدي. لذلك كان من الضروري اتخاذ هذا القرار الحازم والواضح قبل بداية العام الدراسي، خوفًا من حدوث احتجاجات لم تتأخر كثيرًا… فقد تحرّكت “شبكات الإخوان المسلمين” على الفور.
في قانون عام 2004 الفرنسي الذي حظر ارتداء الحجاب في المدارس والكليات والمدارس الثانوية، لم تكن العباءة مستهدفة بأي حال من الأحوال. لماذا؟
لم تكن العباءة تُلبس في المدرسة في ذلك الوقت، واعتبر المشرّع أن الحجاب علامة أصولية لا يجوز الانتقاص إليها. بل إن “الحجاب” هو أحد ركائز المجتمع الإسلامي الحديث، الذي يرغب الإخوان المسلمون، أي هذا الشكل من الإسلام المتكيف مع الديمقراطيات الليبرالية، في تأسيسه. إنه ممارسة دينية وأحد عناصر نظام أكبر يشمل “الحلال”، وهو ما أصفه في كتابي الأخير. بالنسبة لـ”الإخوان المسلمين”، حجاب المرأة ضروري، لأنه يعيد النظام، النظام الإلهي، في المجتمع من خلال تأسيس التقسيم الجنسي للعمل. يجب أن تعود المرأة إلى وظيفتها الأساسية كمنتجة وكـ”مولّدة” للأمة.
في العمق، ما هو على المحك وراء كل هذه المعارك (الحجاب، والبوركيني، والحلال، والآن العباءة) هو القدرة على تحديد ما هو ديني وما هو غير ديني. لقد نجح “الإخوان” على مدى ثلاثين أو أربعين سنة في فرض حدودهم هم علينا بين ما هو علماني وما هو ديني. حتى الآن، كنا نتراجع على الدوام: قالوا إن “الحلال” ديني، فاستسلمنا لـ”الحلال”؛ قالوا إن “الحجاب” واجب على المرأة، فتنازلنا في موضوع الحجاب. نحن نستسلم في كل مرة. وهكذا يعودون ليختبروا مقاومتنا ويدفعونا إلى الخلف.
ما فعله الوزير غابرييل أتال يبدو لي مهماً جداً، لأنه بمثابة استعادة حق الدولة في أن تقول ما هو ديني وما هو غير ديني.
بين أحزاب اليسار، بدأت ردود أفعال تندد بـ”شرطة الملابس” أو بموقف مناوئ لمبدأ العلمانية. ما جوابك؟
على العكس، قرار وزير التربية يحارب “التمييز”. الملابس المحايدة هي أداة فعالة جدًا ضد وَصم الناس.
لا أفهم أبداً حجة “شرطة الملابس”: فـ”شرطة الملابس” تعمل في إيران، ولكن بالتأكيد ليس في فرنسا. وبالتالي فإن هذه الحجج سيئة للغاية من جانب أشخاص يريدون الدفاع عن جزء من ناخبيهم. والواقع إنهم غير قادرين على الإقناع، واليوم نرى أيضًا تصدّعاً في اليسار في هذا الموضوع: فقد أكّد (مرشح الحزب الشيوعي في انتخابات رئاسة الجمهورية) “فابيان روسيل” أنه يتفق مع الوزير.
في صفوف اليسار، ندرك أن هذه الحجج لا أساس لها من الصحة، وسنرى في المستقبل فجوة أعمق بين “الجمهوريين” و”الآخرين” في اليسار. وسيتم اتهام اليساريين “الجمهوريين” بأنهم عنصريون ومعادٍون للإسلام أو يمينييون متطرفون. لا بأس، عليهم فقط أن يقاوموا ضد مثل هذه الإتهامات.
قمنا بترجمة هذه المقابلة الممتازة نقلاً عن جريدة “الفيغارو” الفرنسية لأننا نتّفق مع كل ما جاء فيها. مع ذلك، كان ينبغي للمحلّلة الفرنسية أن “تستطرد” قليلاً لتصل إلى أنه بعد “العباية في المدارس”، فإن “الإسلامويين”، من “سلف” و”إخوان” سيطالبون بـ”الفصل” بين البنات والصبيان في المدارس، كما يطالبون في الكويت حالياً! “الإخوان” و”السلف” لا يهمّهم المستوى الهابط للتعليم في دولة كانت منارة الخليج في الماضي! هذه يتركونهم لـ”الليبراليين” الكفّار! كل ما يهمّهم هو “الفصل بين الجنسين” لأن “الفصل” يعزّز هيمنتهم ومصالحهم المالية في المجتمع!