ما هي طبيعة الحكومة الجديدة؟ وكيف نواجهها؟
أولاً – في التشخيص
نحن أمام مرحلة مفصلية.
الحكومة الجديدة ليست حكومة عادية. فهي جاءت بقرار سوري واضح. هي حكومة وضع اليد على لبنان.
وجاءت لاعطاء النظام السوري ورقة اضافية في مرحلة حاسمة يساوم فيها على مستقبله، في غمرة تصاعد الحملة الدولية عليه. يريد النظام السوري ان يقول للعالم انه في لحظة اهتزازه لا يزال قادراً على ان يفرض حكومة على لبنان.
هذه الحكومة هي للدفاع عن نظام بشار الاسد الذي يتهاوى، ومن اجل حماية قتلة قادة 14 آذار. وهي لن تتوانى عن استخدام كل الوسائل، بما في ذلك العنف الجسدي، من اجل اعادة عقارب الساعة الى الوراء، اعادة لبنان الى ما قبل 14 آذار 2005. اذاً، هذه حكومة فاقدة للشرعية، ويجب مواجهتها وإسقاطها.
ثانياً – في سبل المواجهة
تتجه انظار اللبنانيين الى قوى 14 آذار لمعرفة كيف ستواجه الحكومة الجديدة.
قوى 14 آذار امام امتحان دقيق يتجاوز بأهميته كل ما مرّ عليها في السابق. فإما ان تُحسن ادارة المواجهة، وصولاً الى العودة الى السلطة، او تظهر عاجزة عن المبادرة، متخبطة في تناقضاتها الداخلية، وغير قادرة مرة اخرى على ان ترتقي الى مستوى الجمهور الذي تمثل.
هناك مقاربتان ممكنتان لسُبُل المواجهة.
المقاربة الاولى تقليدية: وهي مقاربة متوقعة، ناتجة من رد فعل روتيني يعتبر ضمناً ان هذه الحكومة لا تختلف عن سابقاتها.
هذه المقاربة تقلل من خطورة الوظيفة الاقليمية لهذه الحكومة، ولا ترى ضرراً منها، الا على المستوى المحلي الضيّق، من تعيينات ادارية الى الخدمات التي يمكن ان تؤديها تمهيداً لانتخابات 2013.
مقاربة من هذا النوع تستدعي حكماً معارضة تقليدية. معارضة اعتيادية. معارضة خفيفة اللهجة نسبياً. معارضة في التفاصيل والجزئيات.
ضمن هذا الاطار، يطرح البعض فكرة انشاء “حكومة ظل” لتأمين مراقبة نقدية لصيقة لعمل الحكومة، ورصد أعمالها، وكشف ثغرها.
منطق هذا النوع من المعارضة يجرنا الى القول: فلنعط الحكومة فرصة، ثم نحاسبها على اعمالها. فإن احسنت نقول انها احسنت، وان اخطأت ننتقد اداءها. ثم كيف لنا ان نحكم على الحكومة قبل صدور بيانها الوزاري؟
المقاربة الثانية جذرية.
المهادنة ممنوعة. لا فترة سماح ولا تطبيع مع هذه الحكومة. حذار التلهي في المعارضة التقليدية، لان في ذلك اعترافاً بشرعية الحكومة وتعزيزاً لها وتقليلاً من خطورتها.
يجب ان تُعامل هذه الحكومة على انها دمية في يد سوريا وايران. حكومة تمالئ الديكتاتوريات المتداعية على حساب الوطن. ولا نكلّف انفسنا مطلقاً عناء النظر في السياسات او الدخول في التفاصيل.
معارضة لا هوادة فيها. بكل الاساليب الديموقراطية المتاحة.
اما البيان الوزاري فيجب تسخيفه، وعدم اضاعة الوقت في النظر في مضمونه، لانه سيكون، شأنه شأن كل البيانات الوزارية، تمريناً انشائياً يدخل في اطار التسويق. فكما كان يقول لينين: في السياسة، وحدهم ضعفاء العقل يصدقون ما يقوله الآخرون عن انفسهم.
وهذه في نظرنا طريقة التعامل التي تناسب هذه الحكومة.
ثالثاً – في آليات المواجهة
يجب ان تحسم 14 آذار قرارها بالمعارضة الجذرية، في أسرع وقت، وان يظهر ذلك بوضوح.
وان تبدأ فوراً تنفيذ ما اتفق عليه من اطر تنظيمية. يشمل ذلك المجلس الوطني والامانة العامة والكتلة النيابية الموحدة والقيادة المركزية، لان ذلك من شأنه ان يستنهض الهمم، ويوحي ان المارد قد استفاق، ويعطي اشارة واضحة الى جدية قوى 14 آذار واستعدادها للمواجهة.
تبقى المهمة المركزية: وضع خطة للمواجهة. خطة لقيام حملة منهجية، متواصلة وتصاعدية حتى اسقاط الحكومة. حملة تتأمن لها امكانات النجاح، وتُعبأ لها طاقات 14 آذار بكل مكوناتها ومؤسساتها. وحملة ترمي الى تحريك الاعلام والرأي العام والجمهور والاغتراب ودوائر القرار العربية والدولية.
رابعاً – في المستقبل القريب
صحيح ان مصير الحكومة مرتبط بتطور الوضع السوري، وان سقوط نظام الاسد سيقود تلقائياً الى سقوط الحكومة، لكن يجب الا نتكّل فقط على الشعب السوري لفك اسر سوريا ولبنان، اذ يمكن ان نساهم بدورنا في دفع عجلة التاريخ الى الى الامام. ولا بأس في التعجيل في رحيل الحكومة، حتى قبل رحيل راعيها السوري.
ان الاسابيع المقبلة تحمل الكثير من الفرص. فريق 8 آذار سوف ينتقل من ازمة الى اخرى: من الثورة السورية التي لا تهدأ، الى الاستنفار الدولي المتزايد في وجه النظام السوري، الى القرار الاتهامي الذي بات قريباً.
وكما يبدو، ان هذه الحكومة هي آخر حكومة يشكلها بشار الاسد، ان في لبنان او في سوريا.
kamal.yazigi@hotmail.com
* كاتب لبناني