هل دفع معمر القذافي مبلغ ٥٠ مليون دولار لتمويل حملة نيقولا ساركوزي الرئاسية في العام ٢٠٠٧، كما زعم “السمسار” اللبناني زياد تقي الدين، وموقع “ميديابار” الفرنسي؟
أم أنه ينبغي أن يُطرح السؤال بطريقة أخرى:
هل قبض نيقولا ساركوزي مبلغ ٥٠ مليون دولار، أو أي مبلغ آخر، من القذافي فعلاً؟
تحقيق قضائي فرنسي
رسمياً، اعلن مصدر قضائي، يوم الجمعة في ١٩ أبريل ٢٠١٣، ان القضاء الفرنسي فتح تحقيقا قضائيا تمهيدياً في اتهامات بدعم مالي من ليبيا في عهد معمر القذافي للحملة الرئاسية لنيكولا ساركوزي في 2007.
وقال المصدر ان نيابة باريس فتحت تحقيقاً قضائياً ضد مجهول بتهمة “الفساد” و”استغلال النفوذ ” و”التزوير” و”استغلال ممتلكات اجتماعية” و”التبييض والمشاركة واخفاء هذه الجنح”.
وكان رجل الاعمال الفرنسي اللبناني زياد تقي الدين اكد في 19 كانون الاول/ديسمبر الماضي انه يمتلك ادلة على تمويل ليبيا للحملة الانتخابية لساركوزي الذي اصبح رئيساً في 2007 وهزم في 2012.
كما نشر موقع 2012 موقع ميديابارت الاخباري مذكرة نسبت الى احد المسؤولين السابقين في نظام القذافي تشير إلى
دعم مالي ليبي بقيمة خمسين مليون يورو للحملة الانتخابية لنيكولا ساركوزي في 2007.
أين الحقيقة؟
رغم مزاعمه العلنية وتأكيداته بأنه يملك أدلّة على أن الرئيس الفرنسي السابق نيقولا ساركوزي قبض أموالاً من معمر القذافي لتمويل حملة إنتخابات الرئاسة في ٢٠٠٧، فقد امتنع اللبناني زياد تقي الدين عن تقديم “الأدلة” الموعودة في آخر جلسة مع قاضٍ فرنسي قبل أيام.
وقال مصدر فرنسي مطّلع، ومقرّب من إدارة فرنسوا هولاند (أي من خصم ساركوزي)، لـ”الشفاف” أن زياد تقي الدين قال للقاضي الذي استجوبه قبل أيام أنه يرفض تقديم الأدلة “لأنه لا يثق بالقضاء الفرنسي”! وكانت الشرطة الفرنسية قد فتّشت منزل تقي الدين ولكنها لم تعثر على “الأدلة” المزعومة.
الوثيقة المنشورة “مزوّرة”
وفي حديث مع مصدر ليبي كان مقرّباً جداً من “سيف الإسلام القذافي” (ثم انحاز للثورة منذ يومها الأول) قال المصدر الليبي لـ”الشفاف” أن الوثيقة التي نشرها موقع “ميديا بار” الفرنسي هي وثيقة “مزوّرة” ولا تستحق الإهتمام! هكذا، ببساطة!
وقال المصدر الليبي أن المشكلة ليست ما إذا كان القذّافي قد وافق على طلب مدير مكتبه، أي “بشير صالح”، بتمويل ساركوزي، بل هي في معرفة ما إذا كان المبلغ الذي صرفه القذافي قد وصل إلى ساركوزي!
وشرح أن القذافي وافق، فعلاً، على اقتراح “بشير صالح” بتمويل حملة ساركوزي الإنتخابية فعلاً. ولكن معمر القذافي، أو حتى سيف الإسلام الذي ردّد اتهامات مماثلة لمزاعم زياد تقي الدين، لم يكن يستطيع أن يعلم ما إذا كان المبلغ المصروف وصل إلى المرشّح لرئاسة الجمهورية الفرنسية، نيقولا ساركوزي، أم لا!
وعرض أن سيف الإسلام القذافي سمع روايتين: رواية “بشير صالح”، الموجود الآن في جنوب إفريقيا، الذي أكّد أنه سلّم المبلغ لنيقولا ساركوزي من غير أن يقدّم “دليلاً”! ورواية “عبد الرحمن شلغم” الذي أكّد لسيف الإسلام القذافي أن ساركوزي لم يقبض أي مبلغ!
وتبدو رواية المصدر الليبي معقولة في ضوء ما يعرفه الناس عن ممارسات نظام القذافي “الشخصية” وعن غياب أية “رقابة” أو “ديوان محاسبة” للمبالغ التي كان “القائد” يقرّر صرفها، وفي ضوء التعامل بالأموال النقدية، أي “الكاش”. وخصوصاً في ضوء “العمولات” التي كانت في أحيان كثيرة تصل إلى أضعاف قيمة العقود الأصلية.
ويُذكر أن الجمارك الفرنسية كانت قد أوقفت زياد تقي الدين أثناء عودته من زيارة لعبدالله السنوسي في الأسابيع الأولى للثورة الليبية، ومعه حقيبة فيها حوالي ١ مليون دولار نقداً. وكان زياد تقي الدين “يتعامل” مع عبدالله السنوسي الذي يقبع في سجن ليبي الآن.
ماذا عن الإتهامات الجنسية التي طالت زوجة ساركوزي السابقة، وغيرها من الشخصيات العالمية؟
حول هذه النقطة، قال المصدر الليبي لـ”الشفاف” أن معمر القذافي قام فعلاً بتوجيه دعوات لزوجة ساركوزي الأولى ولشقيقة ساركوزي. ولكن محاولاته مع السيدتين فشلت.
كما حاول مع السيدة “كوندوليزا رايس” وفشل!
ووجّه القذافي دعوة لزوجة أمير قطر لزيارة ليبيا بمفردها، ولكنها رفضت!
وأضاف أنه أثناء زيارة رئيسة الارجنتين “كريستينا فيرنانديز كرشنير” (صورة المقال) الى طرابلس في نوفمبر ٢٠٠٨، طلب معمر القذافي من الوفد الوزاري المرافق لها الخروج من الإجتماع ليبقى مع رئيسة الأرجنتين وحده بغرض.. اغتصابها! ولكن رئيسة الأرجنتين رفضت خروج الوفد!
بالمقابل، أكّد المصدر، أن القذافي “اغتصب” فعلاً وزيرة خارجية دولة إفريقية أثناء زيارتها لليبيا!
لماذا تدهورت علاقات القذافي مع فرنسا ودول أوروبية أخرى بعد خروجه من عزلته؟
قال المصدر الليبي لـ”الشفاف” أن معمّر القذافي، فور خروجه من “عزلته” وموافقة دول أوروبا على استقباله، عاد إلى سيرته القديمة! فبدأ يستخدم إسلوب “الإبتزاز المالي” في مواجهة مطالب أوروبا بوضع حدّ للهجرة الإفريقية غير المشروعة إلى شواطئ أوروبا. وطلب من رئيس حكومة إيطاليا، بيرلسكوني، أن تدفع أوروبا مبلغ ٥ مليار دولار لكي يضع حدّاً للهجرة!
وعاد القذافي إلى سياسة مناوأة الأوروبيين في إفريقيا، كما كان يفعل أثناء فترة الحصار الطويل الذي عانى منه الليبيون طويلاً.
وأعطى القذافي وعوداً بصفقات إقتصادية لم ينفّذ منها شيئاً.
والأسوأ، بالنسبة لفرنسا، أنه حاول أن يفرض أن تكون “قوّادته”، “مبروكة الشريف”، التي كانت ترافقه في تنقلاته بصفة “حارسة شخصية”، مندوبته إلى قصر الإليزيه!
وهذه الإعتبارات، وغيرها أيضاً، هي التي أوصلت الأوروبيين إلى قناعة بأن القذافي طاغية غير مسؤول يستحيل التعامل معه!
لا توجد “حسابات” بأسماء معمر القذافي أو سيف الإسلام خارج ليبيا
أخيراً، قال المصدر الليبي أنه لن يتم العثور على “حسابات بنكية” بأسماء معمّر القذافي أو سيف الإسلام خارج ليبيا. فمعمّر القذافي لم يفتح “حسابات” لأنه كان يملك “الدولة” كلها! وسيف الإسلام كان يعدّ نفسه لوراثة حكم والده، أي لـ”امتلاك الدولة”! بالمقابل، توجد حسابات بنكية بأسماء أبناء القذافي الآخرين وبناته! وهذه نقطة تستحق التدقيق والتحقق!
علاقات ساركوزي وبلير وأوباما وغيرهم بالقذافي وبن علي ومبارك والأسد
هل يعني ما سبق كله أن علاقة الوزير، ثم الرئيس، نيقولا ساركوزي مع معمر القذافي كانت “بدون شوائب”؟ وماذا عن علاقته بالطاغية الآخر، بشار الأسد، التي لعب رئيس حكومة قطر دوراً كبيراً في نشوئها وتطورها؟
وماذا عن مزاعم “المرشح ساركوزي” المضحكة، في كتاب أصدره أثناء الحملة الإنتخابية، بأنه “فهم سوريا خلال إقامة ٧ أيام أكثر مما فهمها كل الديبلوماسيين الفرنسيين”؟
وماذا عن علاقة مدير مكتبه، ووزير الداخلية لاحقا، كلود غيان، بـ”الشهيد” (على ذمّة حسن نصرالله!) آصف شوكت أو بالوسيط اللبناني، ميشال سماحة، الذي كان “يسمسر” لبشار الأسد سياسياً في باريس؟
وهذه كلها أسئلة مشروعة، وتشير إلى السقوط المريع للسياسات الغربية، ولعدد من “رجال الدولة” (!) في الغرب الذين “امتهنوا” ما تمثّله بلادهم، و”امتهنوا” كراماتهم الشخصية، في التعامل مع طغاةٍ لا يستحقون أقل من المحاكم الجنائية الدولية!
وهذا الإنحطاط السياسي، والأخلاقي، ينطبق على نيقولا ساركوزي، وعلى طوني بلير بصورة خاصة، وعلى الرئيس أوباما الذي “صافح” الطاغية الليبي!