يبدو مشهد المعارضة السورية أشبه بلوحة عتقها عتق القمع والاستبداد موزعة عليها مجموعة من الزهور المصطفة بحركة عشوائية فوضوية تسعى كل منها إلى اجتذاب اكبر عدد من النحل ليمتص رحيقها وتبدو بعض زهراتها شامخة تحاول مصادرة العسل المنتج من جهد وعرق الكثيرين، ومع هذا لم تفقد هذه اللوحة بريقها وان ذبلت بعض زهراتها التي تسعى للاسترخاء في حضن الغير، لكن المهم في الأمر هو أن تصطف تلك الزهرات صوب هدف واحد.
هذا المشهد يعيدني قليلا إلى الماضي إلى رسالة من والدي يسألني فيها متى ستزورني أنت وطفلك وأمه لأتعرف عليهم قبل أن يأذن لي بالرحيل؟ فذكرني بالكثير من إخوتنا الذين أذن للبعض منهم الرحيل قبل يتحقق هذا الحلم لهؤلاء الذين خرجوا من تحت أنقاض الفجيعة لينجوا بأنفسهم بعدما فقدوا كل شيء إلا تمسكهم بالمحبة والتسامح والإنسانية والأخلاق الحميدة.
وبعيدا عن العواطف ونزولا عن رغبة العقل في محاكاة الإنسان ارغب أن اعبر هنا عن الخوف الذي يخيم علينا بين الحين والآخر لان مفاجآت غير سارة تنتظرنا جميعا، فلا شيء يجعلنا نشعر بالقلق والملل أكثر من الأنظمة الشمولية والقمعية. فبعض أقطاب المعارضة السورية في الخارج ممن يملكون المال والجاه (سابقا) ويقيمون في قصور وفنادق من فئة (5 نجوم) تراهم بنفس النفاق والتملق الذي ورثه البعض منا من جلادي الشعب السوري لدرجة انه صار من الصعوبة بمكان على أي مراقب أن يتمكن من التفريق بين سلوك هؤلاء وممارسات الأجهزة الأمنية والاستبدادية، في دولة ترزح تحت نير وقبضة شلة من الأثرياء استفاقوا بين ليلة وضحاها على أرصدة بنكية ومشاريع اقتصادية على حساب قامات الشعب السوري.
هذا الشعب الذي بات يلهث وراء تامين لقمة العيش ويصفق لا حبا بالتصفيق بل للتخفيف عن المأساة التي يعيشها من ذل وإهانة دون أن يتمكن من رفع صوته للمطالبة بحياة كريمة هو أجدر من يستحقها، ومع هذا يكتفي المواطن (المعتر) بالصراخ على زوجته وأطفاله بعد عناء يوم كامل من العمل وعودته ليجابه من ينغص عليه أيامه ألا وهم أفراد أسرته والذي يعجز أحيانا عن شراء قطعة (ايس كريم) ليقدمها لهم في صيف اشتدت حرارته .
أمام هذا الجو المشحون والحياة الكئيبة يقف بعضا من معارضينا الكرام أصحاب التنظيمات (القائمة على أساس المصلحة الخاصة) ليقدموا لنا دروسا عن نظام الاستبداد وأنهم أصحاب القرار لاستبداله بنظام آخر لا يقل عنه استبدادا وقمعا ويتحدثون باسم كافة المعارضين في جميع أنحاء العالم باسم الشرفاء والوطنيين دون أن يخفى عليهم بان اغلب المعارضين يدركون تماما أن الثروة لا يمكن لها مهما كبرت ومهما وصلت من قوة أن تشتري نفوس الشرفاء من أبناء سورية، ولو كنا ممن ينجر وراء المصلحة الفردية لمارسنا التملق لصالح النظام وكسبنا مناصبا ومقاعد في البرلمان والمؤسسات ومشينا مع قافلة القمع .
وبما أننا نرفض الانقلاب على مبادئنا وأفكارنا وطموحاتنا وتفاؤلنا في العمل المشترك ضمن نهج سياسي واضح الأهداف فانه من الصعب على المتاجرين بأسمائنا وبأفكارنا أن يتمكنوا من إيجاد أرضية لهم بيننا في الوقت الراهن . لا احد يموت من الجوع لأننا نعمل ونكسب من تعبنا ونربي أطفالنا على قيم المحبة والخير. فمهما كانت خلافاتنا واضحة فان ما يجمعنا هو أقوى وامتن بكثير مما يجمع قلة من المعارضة التي بدأ الخلاف يدب بينهم لان ما بني على غير وجه حق لن يصل إلا لنتائج متوقعة كما حصل في الآونة الأخيرة وكما نتوقع بما سيحصل في المستقبل القريب .
ومن المثير للجدل أن ديمقراطية هؤلاء مملة بل حتى يمكن لي أن أصفها بالهشة لأنها مولدة للخلافات اليومية فتارة يحتلون شاشات الفضائيات وتارة يتصدرون المواقع الالكترونية حتى بدا خطابهم السياسي ليس إلا انتقاما من النظام المستبد والمتسلط على رقاب السوريين وهذا ما نرفضه جميعا لان هدفنا أسمى من الانتقام.
إن هؤلاء الزعماء (كما يحبون أن يطلق عليهم) يجعلونني اشعر بالضجر أحيانا فهم لا مكان لهم بيننا إذا استمروا على هذه الحالة، من كونهم دخلاء على مشروع وطني نسعى جميعا إليه، ما لم يغيروا في مناهجهم واستراتيجياتهم.
إن ديماغوجيتهم الشعوبية تزداد يوما بعد يوم في أجواء مليئة بالأفكار القابلة للاشتعال إنها لعبة النار (غير المسؤولة) التي من الممكن أن تندلع شرارتها في أية لحظة بسبب شقاء وتعاسة البعض وسيولد انفجارها مخاطر كبيرة ستلتف على الكثيرين لكن لن يحترق بهذا اللهب إلا ضعفاء النفوس ممن اجترتهم اليوروات والدولارات والليرات الاسترلينة ليصبحوا هم أيضا خطرا اكبر مما كانوا عليه حتى الآن.
لذلك فانه علينا أن نستفيق وننظر ببرود إلى الحقيقة التي ربما سيضطرب البعض عندما سيعلمون بان مخططاتهم ومؤامراتهم التي يجيدون حياكتها قد انكشفت عند اغلب المعارضين المتنورين دون أن اذكرهم، مع أنهم قلة، فهم يعرفون الحقيقة لكنهم لا يمتهنون إلا السقوط في هاوية الإعاقة التي يجيدها فقط من كانوا لسنوات طويلة يمارسونها ضد الشعب وضد المعارضة في آن واحد.
هيا بنا جميعا لنكون كلمة واحدة وصفا واحدا ونتواضع قليلا لأنه لا يسرني ولا يسر غيري من المعارضين السوريين الوطنيين وضع هؤلاء بل على العكس من ذلك يبعث فينا جميعا الشعور بالأسى والحزن بمدى تفاقم هذا الخطر الذي يعصف بنا شمالا ويمينا شرقا وغربا في معركة لا ضمان لأحد أن يربحها إلا من استل الكلمة الراقية وأتقن فن الحوار البناء واحترم الرأي الأخر.
بوخارست
mazencharif@yahoo.com
مشهد المعارضة السورية ومواجهة الخطر المقبل
لم اكن يوما مع النظام ولن اكون مع المعارضه ان مايشدني انك كاتب واقعي محايد ولا اجاملك مااؤمن به سوريا وطن نظيف يشعر المواطن السوري به انه محط اهتمام القياده الحاكمه تعمل لمصلحته لقد مللنا من شعاراتنا الفارغه لنكن سوريين فقط بارك الله بك وارجو ان اقرأ لك الكثير
مشهد المعارضة السورية ومواجهة الخطر المقبل تحية مازن
شكرا مرة أخرى أستاذ مازن، كثيرا ما نفتقد من يتقن مهارة القيام بدور المعارض المسلح بفن الحوار وقبول الاخر والموضوعية
لا أمل لنا سوى أن تكثر الاقلام التي تتحدث بنفس النهج والطريقة الرائعين بحق ودون مجاملة.. ما زلنا يا سيدي نفتقد الحوار حتى في أصغر شؤوننا ونأمل أن تتسع دائرة الفهم وتقبل الاخر أكثر و أكثر كي لا نسقط في الهاوية التي لا تستثني أحدا.
مع خالص تقديري
السهروردي