يتحدر «المسيو لبّان» من أسرة تضرب جذورها عميقا في التاريخ، ويعتبر شخصية محبوبة، ورث عن والده وأجداده ثروة طائلة، مع تحليه بوسامة عالية، وبدا لفترة وكأن العمر سيتركه يتمتع بشبابه إلى الأبد.
بقاؤه أعزب جمع أجمل النساء من حوله، وأصبح هدفا لأمهات كل فتيات المنطقة، فالكل يطلب قربه لما عرف عنه من حب للحياة، وطيب المعشر وكرم المائدة، كما أنه كان من أمهر جراحي عمليات التجميل.
عُرف المسيو لبّان بحس الفكاهة، وكان يتقن الغناء والرسم وعزف البيانو، وكان يمتلك صوتا رائعا، إضافة لتمتعه بحس ثقافي وأدبي لا تراه في محيطه، فهو مؤسس أول دار نشر وصاحب أول مطبعة، وما قام به وأسرته من أعمال غير مسبوقة كان بمنزلة الثورة الثقافية في منطقة عرفت بتزمتها، وتمسكها بالبالي من التقاليد.
بسبب ذلك كانت بيوته، او قصوره، المكان المفضل لإقامة أجمل الحفلات الباذخة والأعراس وأعياد الميلاد، التي لم تسمح «تقاليد» الغير بإقامتها في مناطقهم.
كان زواره ومحبوه لا حصر لهم، ولم يكن يتردد في الصرف عليهم بكرم مما كان يكسبه ومن ريع التركة العقارية والسياحية الضخمة التي ورثها، إضافة لدخله من عياداته، ومبيعات مياه الينابيع التي تقع في ممتلكاته الجبلية.
***
مع زيادة فقر المنطقة التي يعيش في محيطها، وزيادة مشاكلها، وحروبها الصغيرة، كان لا بد أن تتأثر أوضاعه، خصوصا بعد أن قبل لجوء كل صاحب حاجة أو طريد عدالة أو مدافع عن الحرية أو معارض لبيته ليجد اللقمة الطيبة، والقلب الحنون والصدر العامر.
مقاومة «المسيو لبّان» لكم المشاكل من حوله لم تطل كثيرا، خصوصا بعد أن تجمعت عليه البطانة السيئة، التي تكونت أساسا من «أصحابه وبعض أهل بيته»، ومن أولئك الذين كانوا يديرون شركاته المتعددة وأملاكه الواسعة. كما تآمر عليه أعداؤه من خارج منطقته، بعد أن سئموا من هروب خصومهم ولجوئهم لبيوته، وتوفيره الملجأ لهم، فأرسلوا من وفر المخدرات له، فأدمن عليها فتأثرت أحواله تدريجيا، وأصيب بعدها بلوثة، فزاد تكالب «أولاد الحرام» عليه، وبدأوا بسرقته، وبيع ممتلكاته بأثمان بخسة واقتسام الفرق مع من اشتروها، والمشاركة في أرباح بيع منتجات مزارعه مع القائمين عليها، والدخول في شراكة مع جامعي القمامة من قصوره وعقاراته، والجهات التي كانت تزودها بالوقود والكهرباء.
بدأت عجلة الصرف تتسارع، والدخل يقل كثيرا، وانتهز حتى أصغر العاملين لديه الفرصة وبدأوا بسرقة محتويات قصوره ونقلها لبيوتهم أو بيعها بأرخص الأثمان.
أصبح المسيو لبان، مع زيادة متاعبه، الصحية والمالية، يميل لمعاشرة سقطة القوم وأكثرهم انحرافا، فبان عليه خلال فترة قصيرة الكبر، وخط الشيب شعره، ووجدت الأخاديد طريقها لخدوده، التي غاب اللون الوردي عنها، وظهرت الهالات السوداء حول عينيه، وبح صوته وخف سمعه، وأصبح يميل أكثر للوحدة.
***
اجتمع عدد من أقربائه الذين لم تتلوث أيديهم بسرقته، وقرروا فعل شيء لإنقاذه، ولكنه رفض كل مقترحاتهم، وأصر على الاحتفاظ ببطانته السيئة، وتلك التي تدير أعماله، فما كان يحدث لم يكن برضاه، بعد أن أدمن تعاطي المخدرات، وأصبح طوع بنان من يزوده بها.
***
حار أهله وأصحابه في ما يجب عليهم القيام به لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تراث الرجل وسمعته وتاريخ أسرته العريق، فلم يجدوا غير اللجوء للقضاء لتعيين من يتولى أمره والمحافظة على ما تبقى من ثروته وعلاجه من الإدمان، وتهيئته للعودة لحياته الطبيعية.
***
«المسيو لبّان» هو لبنان اليوم، لبنان الذي أصبح بأمس الحاجة لقوة دولية تنتشله من المصيبة التي وقع فيها، وضرورة فرض الوصاية عليه، وتدبير أموره، وإعادة التوازن لأوضاعه الاقتصادية، وجدولة ديونه، وصرف ما سيحصل عليه من مساعدات خارجية بطريقة سليمة، وهذا بحاجة لعقد مؤتمر دولي برعاية الامم المتحدة، بهدف تطبيق قرارات الشرعية الدولية وحماية الدستور اللبناني وتنفيذ اتفاق الطائف.
a.alsarraf@alqabas.com.kw