أطلقت رئاسة مجلس الوزراء على موقعها (التشاركية) مشروع قانون الأحزاب في محاولة لجّر الجميع لمناقشة مشروع قانون يحمل التشوهات الخلقية والجوهرية التي طبعت جميع القانين التي أصدرتها سلطة الحزب الواحد وهي تفصيل أي قانون على قياس هذه السلطة ولخدمتها وتحت سيطرتها . لست هنا بمعرض مناقشة مواد القانون لبيان عيوبه بل لإظهار عدم جدية ورغبة السلطة بنقل المجتمع من مجتمع الهيمنة إلى مجتمع التعددية والديموقراطية وإن ما تفعله هو محاولة تجميلية أمام الرأي العام داخليا وخارجيا لتجميل وجه الهيمنة .
إن استمرار العقلية نفسها واضح بالنقاط التالية:
1- حددت المادة 4 هدف الأحزاب “بالمشاركة بالسلطة حسب قانون الإنتخابات” الذي مع تعديلاته ما زال يعطي للسلطة امكانية تحديد وتسمية الفائزين بالإنتخابات ومع استمرار العمل بالدستور الحالي فإن حدود عمل الأحزاب سقف طموحها أن يكونوا جزءا من الجبهة الوطنية التي ” تقود البلاد بقيادة حزب البعث.
2- اشترطت المادة 3 على الأحزاب إنتخاب قيادة “قادرة على تحمل المسؤولية العامة”، ولا ندري من سيحدد قدرة هذه القيادة على ذلك وزير الداخلية أم أجهزة الأمن؟
3- ومنحت المادة 7 وزير الداخلية ونائب رئيس محكمة النقض وثلاثة شخصيات عامة يسميها رئيس الجمهورية لمدة ثلااث سنوات فقط الحق المطلق بمنح الترخيص للأحزاب أو حجبه دون ضوابط مما يعني سيطرة كاملة لرئاسة الجمهورية وتحكم بشكل مطلق بالترخيص مع ملاحظة أن محكمة القضاء الأداري هي تابعة لرئاسة مجلس الوزراء وحرمت المادة 12 الأحزاب درجة مقاضاة كاملة بجعل قرار المحكمة مبرم من درجة واحدة.
4- لم يمنع مشروع القانون العسكريين المتطوعين والقضاة والدبلوماسيين من الإنتساب للأحزاب وهذا شرط أساسي للمحافظة على حيادية هذه المؤسسات لتخدم الدولة وليس الأحزاب.
5- اشترطت المادة 11 على الأحزاب شروطا تعجيزية لا يمكن تحقيقها إلا للحزب الذي تريد له ذلك فاشترطت لقبول طلب الترخيص وجود 2000 عضو وأن يكونوا من نصف عدد المحافظات مع النص على منع الأحزاب من أي نشاط قبل الترخيص. فكيف يمكن لمجموعة أن تجمع ألفي عضو مع منعها من النشاط والدعاية العلنيين؟
6- حددت المادة 17 قيمة الإعانة السنوية التي تدفعها الدولة بما لايزيد عن قيمة الاشتراكات السنوية، وهذا عدا عن أنه يخالف مبدأ العدالة فإنه بعطي الأحزاب التي تمثل الأغنياء أو التي لديها أعضاء كثر على حساب الأحزاب التي تمثل الطبقة الفقيرة أو أعداد صغيرة بغض النظر عن عدد المؤيدين.
7- اشترطت المادة 14 عدم تجاوز التبرع للحزب بأكثر من مبلغ مليوني ليرة سورية بالسنة وهو مبلغ تافه بالنسبة لنشاط حزب وذلك لتقييد الأحزاب ماديا ومن انتشارها دعائيا وشل حركة نشاطها.
8- اشترطت المادة 11 أن يعكس الأحزاب في بنيتها النسيج الوطني للمجتمع السوري وهذا تعبير فضفاض جدا يعطي الحرية والسلطة الكاملة لحّل الأحزاب لأسباب تافهة أو غير منطقية (كعدم وجود شركسي أو أرمني أو كردي أو مسيحي أو ما شئت من طوائف أو أديان أو قوميات تحت هذه الحجة).
9- وجاءت المادة 37 لعلن أن التعليمات التنفيذية تصدر بمرسوم، وهذا يعني أنه سيصدر عن رئيس الجمهورية ,ومن المعروف قانونا إن التعليمات التنفيذية تصدر بقرار عن الوزير المختص وأن لا تخالف نص القانون. أما هنا وبتحديد صدورها بمرسوم فإنه يعطي التعليمات قوة القانون وهذا يعني ترك الباب واسعا لرئيس الجمهورية لإصدار التعليمات التنفيذية بشكل ينسف القانون من أساسه ومع ترك القانون لثغرات كبيرة وغموض في نصوصه والتباسات في تفسيره يصبح بإمكان رئيس الجمهورية تغيير وتعديل تطبيق وتعطيل ونسف القانون الأساسي.
10- وأخيرا فإن عدم ربط مشروع القانون بتعديلات الدستور وقوانين الإنتخابات والإعلام والسلطة القضائية يفقده أي معنى أو جدوى.
إن العقلية التي صاغت هذا المشروع هي نفسها العقلية الأمنية الإقصائية، عقلية الهيمنة والسيطرة على كل مفاصل المجتمع وصاغته بنفس الطريقة والأسلوب مدعية الإصلاح والتطور بينما هي في الحقيقة تزيد إمعانا بالتغول على المجتمع وخنق أصواته، كما حاولت بقانون التظاهر وكما هو الإعلان صوريا عن رفع حالة الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة في الوقت الذي أصبح فيه الناس تقتل بالشارع عوضا عن اعتقالها وإحالتها لمحكمة أمن الدولة.
إن ما تقدمه السلطة من قوانين أو مشاريع قوانين على أساس خطوات إصلاحية لا يمت بصلة أبدا لما هو مطلوب من قبل المجتمع، بل إنه محاولة واضحة للالتفاف على هذه المطالب. آن لنا أن نضع القوانين التي تراعي مصلحة الشعب ومصلحة الوطن وليس فئة أو مجموعة أو شخص واحد منه.
دمشق 5/7/2011
المحامي أنور البني
رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية
Facebook/المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية