ما يفسّر الطابع الهجومي الذي تميّز به الخطاب الأخير للأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله، خصوصا لجهة رفضه انتخاب رئيس للجمهورية، الّا بشروطه، هو الحدث السوري.
باتت هناك قناعة لدى كلّ من يتعاطى في الشأن السوري بأن لا مستقبل لبشّار الأسد في اي لعبة سياسية. جاء الروس الى اللاذقية والساحل السوري مع طائراتهم وقواتهم البريّة التي تبدو مهمّتها مقتصرة على حماية الطيارين والخبراء والطائرات، من اجل انقاذ بشّار الأسد. اكتشفوا بعد سلسلة الهجمات البرّية التي شنّها بشّار بقواته وبدعم من حلفائه في “حزب الله” وايران ان لا امل له في التقدّم في اتجاه ادلب وحلب بغطاء جوّي روسي.
كانت تغريدات صواريخ “تاو” وما حقّقته من اصابات مباشرة كافية كي يستوعب فلاديمير بوتين الدرس. اذا كانت الصواريخ المضادة للدبابات كفيلة وحدها بمنع تقدّم القوات الموالية لبشّار على الأرض، فكيف الأمر في حال حصول الثوّار على صواريخ ارض ـ جوّ؟
كان لا بدّ لبوتين من اعادة النظر في حساباته السورية. لذلك استدعى بشّار الى موسكو ولقّنه الدرس المطلوب منه حفظه غيبا والذي في نتيجته ان موسكو ستطرح على الجانب الأميركي وعلى العرب مبادرة تتضمّن خريطة طريق لحلّ سياسي في سوريا.
تتضمن احدى نقاط المبادرة الروسية التي لا تزال في حاجة الى مزيد من التنقيح “ضمان” بوتين عدم ترشّح بشّار في اي انتخابات رئاسية مقبلة في سوريا ونقل صلاحيات رئيس الجمهورية الى حكومة جديدة يتمثّل فيها الجميع. جائزة الترضية الوحيدة لبشّار عدم ملاحقته قانونيا في ضوء الجرائم التي ارتكبها والسماح لآخرين في العائلة بالترشّح للرئاسة.
هذا التطوّر الذي يبدو مرتبطا بالزيارة التي قام بها، في وقت لاحق، لدمشق يوسف بن علوي الوزير العماني المكلّف الشؤون الخارجية والذي ترتبط بلاده بعلاقة ثقة مع ايران يفسّر الى حدّ كبير ذهاب نصرالله بعيدا في تأكيد ان لبنان بات تحت الوصاية الإيرانية. جاء هذا التأكيد عندما اعلن انّه المؤهل لإختيار رئيس الجمهورية “المناسب” و”الحقيقي” و”الأكثر تمثيلا”… معطيا نفسه صلاحيات مجلس النواّب ايضا.
كان الخطاب الذي القاه الرجل في ذكرى عاشوراء كلام حقّ يراد به باطل، خصوصا عندما يهاجم جمهور “حزب الله” المملكة العربية السعودية التي لم تقدّم يوما سوى الخير للبنانيين، بطريقة أقلّ ما يمكن ان توصف به انّها مبتذلة.
بعد خطاب الأمين العام لـ”حزب الله، لم يعد السؤال هل مسموح لمجلس النوّاب اللبناني انتخاب رئيس للجمهورية؟ السؤال هل يمكن لميليشيا مذهبية، عناصرها لبنانية، تابعة لإيران فرض رئيس على اللبنانيين على غرار ما كان يفعله نظام الوصاية السوري، الذي قتل رينيه معوّض في 1989 ليحل مكانه الياس الهراوي، والذي اراد بعد 1998 الذهاب الى ابعد في ممارسة وصايته ففرض على اللبنانيين اميل لحّود؟
من يتمعّن في الخطاب الأخير لنصرالله، يكتشف الى اي حدّ تبدو ايران شبه مفلسة. من الباكر الكلام عن افلاس كامل لإيران، خصوصا انّها باتت الطفل المدلل لدى ادارة باراك اوباما التي تختزل كلّ ازمات الشرق الأوسط بالملفّ النووي الإيراني.
افلست ايران نسبيا، لأنّه بات لها شريك روسي في سوريا. يشاركها هذا الشريك في الوجود على الأرض السورية وعلى كيفية اقتسام ثروات البلد مستقبلا. لم توافق موسكو في المفاوضات التي تجريها مع طهران في شأن مستقبل سوريا على مرور خط الغاز الإيراني الآتي من العراق في الأراضي السورية. بدأت ايران تبحث عن خط بديل يوُفّر لها تسويق غازها في الهند والصين!
صارت ايران شبه مفلسة لأنّها باتت عاجزة عن نهب ثروات العراق الذي لم تعد لديه اي اي احتياطات مالية. فوق ذلك، تلقت ايران صدمة “عاصفة الحزم” في اليمن. لم تكن تتوقع ردّ الفعل العربي والسعودي تحديدا على سعيها الى تطويق شبه الجزيرة العربية من كلّ الجهات. لم يعد لايران سوى لبنان. لذلك صعّد حسن نصرالله في كلّ الإتجاهات مؤكّدا انّه يلعب دور “المرشد” في الوطن الصغير. اخيرا صار للبنان “مرشد”، تماما كما هي الحال في ايران. يريد نصرالله انتخاب الرئيس الذي يشاء ويريد فرض القانون الإنتخابي الذي يشاء.
وهذا يفسّر الى حدّ كبير تلك الحملة المستمرّة منذ ما يزيد على اربع سنوات، خصوصا منذ تشكيل الحزب حكومة برئاسة السنّي نجيب ميقاتي في 2011، من اجل عزل لبنان عن محيطه العربي. كان عزل لبنان عن محيطه العربي خطوة اخرى في مسيرة انقلابية طويلة بدأت مطلع ثمانينات القرن الماضي. تستهدف هذه المسيرة الإنقلابية تغيير طبيعة لبنان، مجتمعا ونظاما سياسيا، على غرار تغيير طبيعة المجتمع الشيعي فيه.
من اطرف ما تضمّنه خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” الحملة على السياسة الأميركية في المنطقة متجاهلا الحلف غير المقدّس القائم بين واشنطن وطهران، خصوصا في مرحلة الإعداد للغزو الأميركي للعراق. كانت ايران الشريك الوحيد في الحرب الأميركية التي استهدفت التخلص من النظام العائلي ـ البعثي لصدّام حسين. كلّ حلفاء “حزب الله” في العراق، على رأسهم نوري المالكي، جاؤوا الى السلطة على دبّابة اميركية!
يبدو توتّر حسن نصرالله مفهوما. اُغلقت في وجهه ابواب اي انتصار في سوريا بعدما تبيّن ان بشّار صار ورقة خاسرة. مرّة اخرى رفع شعار الإنتصار على لبنان. كان هذا الشعار بديلا من الإنتصار على اسرائيل. اصبح الآن بديلا من تحقيق اي انتصار في سوريا.