***
(7)
فى القرآن الكريم (لن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا) سورة فاطر 43:25.
وفى الإنجيل على لسان السيد المسيح (الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لن يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل) متّى 18:5، وهو فى قوله ذلك لا يقصد ناموس اليهودية (شريعة موسى) لأنه نقضها كلية ونقض كل أركانها، وإنما يرمي إلى ناموس الكون، أى سنن الخلق وقواعد التكوين وأسس الإبداع.
وفى التوراة، (ناموس الرب كامل) سفر المزامير 7:19، والمقصود بالناموس هنا هو ذات ما قصده السيد المسيح، أى سنن الخلق وقواعد التكوين وأسس الإبداع وقوانين الحياة.
ولفظ الناموس هو نطق للفظ nomos اليونانى، ويعنى القانون، ويُعبّر به عادة عن قانون الكون (أو سننه أو نظامه أو قاعدته International Webester new Encyclopedic Dictionary)
والمعْنى من هذه الآيات جميعاً، فى القرآن والإنجيل والتوراة ان كل شىء فى الأكوان ومع الإنسان يَجرى وفق سنٌة أو قانون أو قاعدة أو حكم. والسنن الكونية والقواعد الأزلية والقوانين الإلهية والأحكام القدرية، وضعها الله فى الكون منذ بدأ الخلق وبثها فى الوجود حين أنشىء الوجود، وكل شىء منذ بداية الخلق فى هذا الكون، وحتى ينتهى، يسير وفق هذه القوانين وتلك القواعد وهاتيك السنن. فلا شىء يحدث عفواً أو يقع إعتباطاً أو يظهر مصادفة (كل شىء عنده بمقدار) سورة الرعد 83:8. وفى الدرسات الروحية المتقدمة فإنه يقال إن الله قانون، أو إنه قانون القوانين وسنة السنن، لكن هذا الفهم يقتضى قدراً كبيراً من التجريد العقلى الذى يفتقد إليه العوام، ومن ثم فإنهم يجنحون إلى التجسيد المادى فيتصورون الله مادة، ولكن ليست كالمواد (وإلا دخل فى دور التلاشي، كما قالت فرقة إسلامية، أنفت الإشارة عنها فى التنويه إلى كتاب أبى الحسن الأشعرى، مقالات إسلامية). وفى هذا الكتاب وفى التوراة نصوص وآراء ترى أن الله مادة لكن ليس كباقى المواد، ويصرفون تعبير (ليس كمثله شىء) مصرفاً مادياً، بمعنى أنهم يتكلفون فى بيان وصف مادى لله، يغاير باقى الأوصاف المادية ويخالف شتى الأشياء التجسيدية. لذلك فإن الخطاب الدينى يراعي، وقد راعى، التخلف العقلى لأكثر البشر، وأنهم من ثم يعرضون عن التجريد ويتعلقون بالتجسيد، ومن ثم يقال “الله” عندما يكون المقصود سنة الله أو قانون الخالق، ومن ثم يخلطون القانون والسنن بالله، ويدامجون بينهم، فيقال إن الله صنع كذا، وإن الله يرزق، وإن الله يعطي إلى آخر ذلك، مما أساء إلى الذات الإلهية حين خلطها ودمجها بقوانينه وسننه وعاق التقدم العقلى اللازم، ليتحول من التجسيد إلى التجريد.
ووفقاً للفهم السليم، فإن ما ينص من آيات على أن الله قد أمر، أو كتب، أو حكم، وبتبادل آخر، فيما وحيثما يذكر أمر الله أو كتب الله أو فرض الله أو حكم الله، فإن القراءة الصحيحة تكون على الدوام فى نسبة ذلك إلى ما رسمت به السنن الكونية، وما قضت به القوانين الإلهية، وما قُدّر فى الأحكام الإلهية، بنسبة كل شىء إلى سنن الله وقانون الكون وأحكام الخلق.
متى صح الوعي بذلك، أمكن فهم المعنى الحقيقى للآيات التى يتصور الناس خطأ أنها تفرض الجبر وترفض الإختيار، مثل ذلك (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) سورة التوبة 51:9، (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) سورة آل عمران 3:2، (الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) سورة الرعد 26:13. فنسبة الفعل أو القول إلى الله هى على سبيل المجاز الذى يعد بلاغة حين يحـْذف ما هو معلوم من السياق بالضرورة اللازمة لفهم العادي من الناس. هذا الإسلوب البلاغي اتّبعه القرآن فى حالات كثيرة، من ذلك أنه قال (واسأل القرية التى كنا فيها والعير التى أقبلنا فيها) سورة يوسف 12 :82 (اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم) سورة البقرة 2: 61 (واسأل من أرسلنا قبلك من الرسل) الزخرف 43 :45، وهو أسلوب يعبر عن الناس بالمكان، فيقول القرية بدلاً من أن يقول أهل القرية، أو يحذفها لما هو مفهوم باللزوم العقلى فيقول اهبطوا مصراً بدلاً من أن يقول اهبطوا أرض مصر، أو يستخدم الرمز أو المجاز أو التورية عوضاً عن الحقيقة، وتدليلا على معنى وليس تأكيداً على حقيقة، فيقول : إسأل العير، وهو أمر مستحيل الحدوث، لأن العير أى الدواب لا تُسأل ولا تجيب، أو يقول واسأل من أرسلنا قبلك من الرسل، مع أن سؤال هؤلاء الرسل فى الحال التى كان فيها النبى حين جاءته الآية أمر مستحيل، لكن التعبير ضرب من المجاز لتأكيد المعنى الذى قصدته الآية.
يضاف إلى ذلك أنه كان من أساليب العرب، فى عصر ما قبل الإسلام وما تلاه، نسبة كل شىء إلى الله مباشرة، فيقال بيت الله ومال الله ورجال الله وهكذا. فالله سبحانه خلق الأكوان جميعاً (وهى أكثر من كون) بكلمة منه، إذ قال كن فكانت، وهو مجاز طبعا لآن الله لا يتكلم ولا يقول كن، فيكون الشىء، لكن ذلك تعبير عن الإرادة التى هى الكلمة. وهذه الكلمة خلقت مع الكون سُُننه التى يجرى بها ووضعت قوانينه التى يسير عليها، والتى تنطبق على الإنسان ؛ كل إنسان، أدرك ذلك أم لم يدركه.
(8)
كيف تقع الأحداث وتصدر الأقوال إذن ؟
إن لكل مجال قوانينه وسننه، والمدامجة والمخالطة بين هذه السنن وتلك القوانين وبين الالوهية يؤدى إلى الوثنية، على ما أنف البيان، كما يؤدى إلى تعديد الألوهية بقدر ما يكون تغيير القوانين. ذلك أن لكل مجال من الخلق قوانينه الخاصة به وسننه التى يقوم عليها. مثال ذلك أن فى الكون المادى الذى نعيش فيه مجالات ثلاثة، هى المجال الفلكى، والمجال المادى (العادى)، ومجال ما تحت الذرة. وقد سبق بيان القوانين الآلية والتى تنطبق على المستوى المادى، وقصور هذه القوانين عن أن تستبين أو تنطبق على عالم ضد المادة، والثقوب السوداء، والنجم التوأم، وغيرها. وقد أدى تطور العلم إلى الوصول معملياً إلى قوانين ما تحت الذرة، حيث ثبت أن الذرة تتكون من جسيمات (monade كما فى الفلسفة أو particles) وهذه الجسيمات هى لبنات الكون الروحية، فهى ليست مادية، بل إنها (الجسيمات) ذات طبيعة مزدوجة، فهى تتحدد وفقاً لوجهة نظر الرائى إليها، فبينما تكون بالنسبة لواحد مادة قد تكون وفقاً لوجهة نظر أخرى أشعة، وتكون الحقيقة الكونية من ثم انها أشعة متدفقـّة. يضاف إلى ذلك، ما تجلّى من أن الجسيمات(particles ) لا تتخذ فى مسارها وضعاً جامداً محدداً، لكنها تتميز بالشعورية والذاتية والتلقانية. وهى فى تصرفها، لا تبدو كمن يتأثربالمحيط القريب منها، ولكنها تتصرف على أنها تتأثر بمجال أكبر، هو مع التدارج ينتهى إلى الكون كله، ويدل على أن الكون متواصل (من الوصل) متجاذب(من الجذب) متداخل مترابط، أقرب ما يكون إلى الوحدة الواحدة ؛ولهذا فإنه يكون من الغريب، فى الوقت الحالى، ومع بقاء الظروف الأخرى على حالها، أن يفكر بعض الفزيائيين قبل إكتشاف الجسيمات، وحتى بعدها، أن يصلوا إلى نظرية واحدة (النسبية الخاصة) تحكم الكون كله، فمثل هذه النظرية يستحيل أن تكون مع وجود قوانين وسنن لكل مجال على ما سبق البيان (فى الوقت الحالى على الأقل).
ويتكرر السؤال كيف تجرى حوادث الكون، وأعمال الناس وأقوالهم ؟
فى أدبيات مصر القديمة قول منسوب إلى الإله الأكبر خالق كل شىء يقول فيه : لقد خلقت الناس متساوين، وعاهدتم على إتباع الحق والعدل والإستقامة والنظام (ماعت) لكن قلوبهم نكثت عهدى. وفى التوراة : تفهّم العدل والحق والإستقامة، أمثال 8:2. وفى صحف إدريس (أوزير المصرى) نص يقول : لقد خلق الله الإنسان ليخلق به.
وفى التعاليم المصرية القديمة: يا إنسان اعرف نفسك، وفى تاريخ الفلسفة أن سقراط قرأ على معبد دلفى باليونان جملة تقول : اعرف نفسك، فاتخذها شعاراً. وعلى أكاديميته (نسبة إلى البطل أكاديموس مالك الأرض التى أقيمت عليها الأكاديمية) كتب أفلاطون عبارة أن (المعرفة خير سبيل إلى التطهير). وهو ذات الشعار الذى إتخذه لأنفسهم الإخوان الفيثاغورثيين. وورد فى الفكر الصوفى الإسلامى: إعرف نفسك تعرف ربك. هذه ركائز ثلاث تقوم عليها وتستوى بها المعرفة الكونية، والتى لابد منها للوصول إلى الخلاص الكونى. فسمة الخلق وصفة الكون، أن الناس جميعاً متساوون فى الأصل، شريطة أن يتبعوا السّنة الكونية والنظام الأساسي وهو الحق والعدل والإستقامة والنظام، ويكون ذلك بتغالب الأفعال لا بتلاعب الألفاظ. لكن إتباع الحق وإبتداع العدل وإرتفاع الإستقامة واستطراق النظام أمور تشق على الكثيرين، فيتنصلوا منها قدر الإستطاعة ليجنحوا إلى المراءاة والظلم والفوضى ؛ ذلك لأن أداء شعيرة، أو ترديد تميمة، أو تكرار أدعية، أو إلتماس شفاعة، أيسر على كثير من الناس وأخف من حمل النفس مشقة التكليف، وإتباع الحق والعدل والإستقامة والنظام.
ولأن طبائع الناس تختلف، كما أن أرواحهم، من نفح الله ونفخ الجلالة تختلف كذلك، والرداء (أو المعطف، كما ورد فى صحف إدريس) التى تتلبسه الروح وينتشر به الطبع، يتراوح بين العتامة الشديدة والنقاء والصفاء الطبيعيين، لأن لكل مجالاً وإتجاهاً يخلق فيه، بإرادة الله، وبحسب الأصل من خلقه، فإن التصرفات تتفاوت والقصورات تتزايد.
وقد حدث من اختلاف أغراض الله من خلق الناس، وإختلاف طباعهم، وتفاوت تصرفاتهم – أعمالا وأقوالا أو سكوناً وسكوتاً – ما يسمى بالنسيج الكونى (Cosmic Tissue)الذى هو (مجازاً) سجل الحياة. وهو نسيج يشمل كل ما كان وكل ما يكون وبعْض ما سوف يكون، لا تدركه الحواس وإنما تفهمه العقول وتراه البصائر.
ويسير النسيج الكونى، وهو يحوي المقادير ويطوي المصائر، تأسيساً على مبدأين:
(أ) أن من يفعل مثقال ذرة من خير لابد أن يحصده، ومن يفعل مثقال ذرة من شر لابد أن يجنيه، حتى أخر مليم أو فلس (والذرة هنا هى الفتات Morsel أو crumb وليست الذرة الفزيائية Atom ). وذلك وفقاً لنظرية الفعل ورد الفعل التى ذكرها الفزيائى البريطانى إسحاق نيوتن، فقال إن كل فعل له رد فعل مساو لهُ فى الكم، ومضاد فى الإتجاه (راجع ما سبق).
(ب) أن أحداث الكون لا تقع إعتباطاً أو فى عشوائية أو بلا نظام، وإنما هى تتبع فى وقوعها مبدأى السببية والضرورة. مفاد ذلك أن رد الفعل أو القول قد لا يحدث على الفور، وإنما يتراخى حتى تتهيأ له الأسباب أو تتوافر له الضرورة، فيقع على التمام على سبب له، وفى ضرورة لحدوثة (سبب فى الحياة المادية، وضرورة فى النسيج الكونى).
فالنسيج الكونى يحمل كل الأفعال ونتائجها، وكل الأقوال ومردوداتها، ترتبط فيه الأسباب بالنتائج، وتمتزج فيه الأحداث بالضرورة، وفيه قوانين الكون وسنن الخلق. وبينما يغمّ الأمر على العوام فإن الطُّلعة من الناس والعارف بالله فيهم، يستطيع أن يلحظ الأسباب والنتائج وبوسعه أن يربط الأحداث بالضرورة ؛ ذلك إن وقعت مدى حياته. وهذه المسألة بالذات هى التى أدت بالبعض أن يؤمن بالدار الآخرة أى بحياة أخرى بعيداً عن العقائد، وأن يعتنق مبدأ تناسخ الأجساد (لا الأرواح على ما سلف بيانه). فقد روى عن عبد المطلب جد النبى أنه علم بوفاة شخص شرير دون أن يدفع جزاء ما أثمت يداه، فقال : لابد من وجود عالم أخروى يثاب فيه من لم يحصل على ثواب أعماله فى الدنيا ويجازى فيه من أثم فى الدنيا ولم يدفع جزاء ما أثم.
أما عن تناسخ الأجساد، فهو مبدأ ثابت فى الديانة المصرية القديمة، إذ ورد فى كتاب الموتى عن أوزير (إدريس) قوله : سأعود فى بلدى (أو فى منطقتى) كما ورد فيه أن أوزير (إدريس) هو والد والده وإبن إبنه، كذلك فإن مبدأ تناسخ الأرواح ثابت فى عقائد الشرق الأقصى، الهندوكية والبوذية بفرعيها الشمالى والجنوبى وغيرها. وقد ورد على لسان السيد المسيح فى الإنجيل قوله مرتين إن يحى المعَّّمد (يوحنا المعمدان) هو بذاته النبى إيليا أى إلياس. وقد حاول بعض المسلمين من التقليديين والصوفية قسر آيات من القرآن على تفسير يفيد قيام مبدأ التناسخ (يراجع تفصيل ذلك فى كتابنا ضمير العصر).
ومبدأ تناسخ الأرواح هذا من المعرفة المقدسة التى يبين منها وجود سنة الله فى الثواب والعقاب، إن لم تكن فى حياة الشخص الحاضرة ففى حياة له مستقبلة، وهى تثبت وتؤكد فكرة العدل الإلهى، الذى لا يطول حتى يوم الحساب ؛ وإنما يكون على الأرض وفى الواقع الذى عدل فيه من عَدَل، وظلم فيه من ظلم.
تتدفق المخلوقات عن الخالق (الله)، فى اللازمان واللامكان، (اللازمكانية utopochronia ) فى وفرة لا يمكن حسابها وفى كثرة لا يمكن تقديرها. وإذا ما أريد تقريب النسبة، يمكن تمثيلها مجازاً بالقياسات الفلكية، التى وحْدتها المليارات وعالم ما تحت الذرة حيث الجسيمات، والذى يصغر عن المستوى المادى الذى نحيا فيه ونعرف قياساته ومعاييره، بعشرة مليار مليار مرة.
وعندما تريد بعض الأرواح، الصادرة عن الروح العليا (الله) أن تدخل مجال الحياة المادية، فإنها ترتدى من الطبيعة رداءًا هو الجسد، وبدون هذا الرداء لا يمكن أن تتفاعل أو أن تتداخل مع العالم المادى، الذى هو الطبيعة (nature). وبإتخاذ الروح جسداً، توجد النفس (نفش بالعبرية). وقد كان قدماء المصريين يعبرون عن الروح بلفظ (با) وعن النفس أو الشخصية بلفظ (كا)، وهو فى الهندوكية (كارما). والكا أوالكارما أو الشخصية، تحمل فى ذاتها كل ما تفعل وتقول أو ما لا تفعل ولا تقول، مع قيام ضرورة (كونية) بأن يفعل الشخص شيئاً محدداً أو يقول كلاماً معيناً. وهذه الكارما أو الشخصية هى التى تحدد الوضع الذى يتناسخ فيه الجسد، لتزداد رصيداً أو لتدفع ديناً. وتظل الرغبات الجامحة والآثام الجانحة، وإن صغرت، تثقل الشخصية حتى تتخلص منها جميعاً، فيمكن إذ ذاك أن تتخلص من المادة بلا عودة.
ومن المعارف القدسية (المعرفة الكونية) أن الذات (وهى الروح والشخصية، أى البا والكا) هى التى تختار موقعها فى الحياة الدنيا، وتنتخب عناصر الوجود فى هذه الحياة. فمع وجود مليارات المورثات (الجينات Genes) فإن الذات تأخذ منها ما يلزمها، ومع قيام مليارات العناصر الإجتماعية (Social elements ) فإن الذات (الواعية) تتخير منها ما يتفق مع أهدافها، وما يساعدها فى تحقيق وجودها.
وفى ثنايا النسيج الكونى، وحناياه، يوجد كل ما يصدر عن الله، وما يكون من سنن الكون وقوانينه. وما تحمله الشخوص والذوات الإنسانية (الكا والبا أو الروح والشخصية) تعرف من هذا الكثير، لكن الجسد يحجبها عنه حتى تكتسبه بالتعلم والتدامج فى الكون والتأمل فى النفس، ذاك لأن الذات لابد أن تتحيّز حتى تكون فعالة، ولولا ذلك لا يكون لها فعل أو قول قط. فالمعنى لا بد أن يتحدد فى جملة أو فى لفظ ليكون واضحاً مؤثراً. والعين لابد أن تتحيز قدرتها فيما بين اللون الأحمر واللون البنفسجى (على نحو ما سلف بيانه) وإلا فانها لا ترى شيئاً، ذلك أن رؤية الكل تجعل الصور تتداخل فى بعضها فلا يكون حيز تمكن فيه الرؤية، والسمع لابد أن يتحدد بين موجات معينة، فإذا لم يتحدد لم يُسمع شىء، إذ تتداخل فيه الأصوات جميعاً فتكون كالطبل المستمر، بلا تحديد ولا تمييز.
أما الدفوق الدائم لله بما يصدر عنه من مخلوقات، فهو لا يزيده شيئاً ولا ينقصه شيئاً، إذ من المقرر فى علم الرياضيات أن اللانهاية لا تنقص أبداً مهما أُخذ منها و لا تزيد أبداً مهما أضيف إليها.
saidalashmawy@hotmail.com
* القاهرة
مسألة الجبر والاختيار (7 و8)بعد التحية يا سيادة المستشار . من الاكيد أن الله له حكمة فى التنوع الخلقى وله حكمة إيضاً فى وضع سبل للأختيار ولم يفرضه فرضاً و الا كان كل انسان يعول اخطائه على الله , و الذى وضع له الظروف و لم ييسر سبل التقرب اليه سواء بالتعليم أو التمثيل او التشبيه , و ذلك لإن الله يعرف محدودية العقل البشرى و عدم قدرته على الاستيعاب و الفهم بالمقارنة الى الروح و التى بها سر الله ذاته و الذى لم يستطيع العلم بالرغم من تقدمه حل طلاسمها . و من الاسرار والتى أيضاً يعجز العقل البشرى… قراءة المزيد ..