أصدر مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية تقريراً عن حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي السوري) PYD عنونه “انتهاكات حزب الاتحاد الديمقراطي PYD في سوريا” مؤرخاً إصداره بـ 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، يتناول فيه بالرصد والتوثيق (كما يدعي المركز) انتهاكات ارتكبها حزب الاتحاد الديمقراطي في عدة محافظات سورية ( الحسكة، حلب، الرقة)، طالت – بحسب التقرير – مجموعات أو مواطنين من المكونات
العربية والكوردية والآشورية والتركمانية في مناطق عدة تابعة لتلك المحافظات.
التقرير الذي يحمل عنواناً دالاً على حقل حقوق الإنسان يجنح إلى التحليل السياسي والموقف السياسي المتأتي من الأحكام القبلية من الحزب المذكور في مقدمته، كما أن التقرير يبدو قلقاً في العديد من المواضع. فهو يعتمد على توثيقات “مجموعة الجزيرة السورية للتوثيق” وهي مجموعة يديرها شخص عربي من الجزيرة السورية يدعى ”مهند الكاطع” (إلقاء نظرة مبتسرة على صفحته في “الفيسبوك” كفيل بمعرفة المجموعة ومصداقيتها) التي يفترض فيها – بدلالة التسمية – تناول المجريات والوقائع والانتهاكات في منطقة جغرافية محددة، لكنه يتحدث عن الحزب وأدواره الداخلية والإقليمية في تخبطٍ لا يخفى على أحد، وأعتقد أن المجموعة التي أعدت التقرير تنحدر من المكون العربي في محافظة “الحسكة” (“الكاطع” أحد الدلائل على ذلك)، بدليل افتقادها المعلومات الدقيقة خارج منطقتها الجغرافية، واعتمادها على فضاء الانترنت في كتابة التقرير إذا ما تعلق الأمر بمناطق خارج محافظة “الحسكة”، كما ويحتاج كتاب التقرير وصائغوه إلى جهد أكبر في تصحيح وتعديل العديد من المصطلحات
والتسميات الواردة في تقريرهم إضافة إلى بعض التواريخ، فأول قواعد التوثيق الحق هو الدقة في التناول.
لا أعتقد أن بإمكان المحررين إثبات العديد من النقاط الواردة في تقريرهم، منهاعلى سبيل المثال لا الحصر النقطة المتعلقة بتفويض نظام بشار الأسد للحزب بإدارة المناطق التي خضعت لسيطرته، فذلك يندرج في إطار التكهنات والافتراض ليس إلا، المبنية على الخلافات السياسية التي استفحلت خلال سني الثورة السورية إلى اليوم.
فيما يلي بعض الملاحظات على التقرير:
• بدأت علاقات العمال الكردستاني والنظام السوري في بداية الثمانينيات (1981) وليس في نهاياتها كما يذهب التقرير.
• لم يطلق النظام معتقلي الحزب من سجونه مع بداية الثورة: حين مغادرتي لسجن “المسلمية” بـ”حلب” في 1 يونيو 2011، كان هناك العشرات من كوادر الحزب في السجن المذكور وسجن “صيدنايا” وسجن “عدرا” وسجن النساء في “دوما”. بل أطلق سراح من انتهت محكوميته وفاقاً للعفو الصادر في 31 مايو 2011، وهو عفو طال العديد من المحكومين بناء على مواد من قانون العقوبات السوري العام متعلقة بالسجن على خلفية سياسية.
• عاد “صالح مسلم” إلى سوريا في شهر مايو 2011، وكان متواجداً في جبل قنديل مقر قيادة العمال الكردستاني. هناك في المصادر الإعلامية تكهنات وأقاويل عن لقاء جمع بين ممثلين عن النظام السوري وقيادات في “حزب العمال”، لكن أغلب المتحدثين في ذلك لم ينشروا وثيقة تؤكد رأيهم! هل يمكن لمجموعة توثيقية الاعتماد في صياغة تقرير حقوقي على افراضات وتحليلات؟ و”صالح مسلم” كان مطلوباً من قبل النظام منذ بداية 2009 بناء على حكم عرفي صادر بحقه من قبل المحكمة العسكرية بـ”حلب” بناءً على أمر من “مكتب الأمن القومي”. ومدة الحكم العرفي كانت سنة، إلا أن “صالح مسلم” لم يسلّم نفسه حينها بل تخفى، في حين استشهد رفيقه “عثمان سليمان” (“أوصمان دادالي”) في مشفى “المارتيني” الذي نقل إليه بعد تدهور صحته في الجناح المغلق المدار من قبل “الأمن السياسي” في سجن “المسلمية” بـ”حلب”. وقضت “عائشة أفندي”، زوجة “صالح مسلم”، مدة محكومية في السجن بناء على الحكم العرفي إياه مع رفيقتها “كوثر سيدي” المعروفة لدى أهالي “كوباني” باسم “كوموتان” القائد).
• هل كانت المظاهر المسلحة في سوريا بناء على توجيهات من النظام وأجهزته الأمنية؟ وهل حمل الحزب المذكور السلاح بناء على طلب من النظام؟ هل يملك كتّاب التقرير وثائق تؤكد ما يقولونه، أم هي مجرد افتراضات متأتية من تحليلات؟ علماً أن المظاهر المسلحة ظهرت في فترة لاحقة لبدء دورة العنف وتفاقم العمل العسكري في سوريا.
• مشروع “الإدارة الذاتية” كان موجوداً لدى حزب “ب ي د” منذ تأسيسه في 2003، وقام بتوزيعه بشكل معلن انطلاقاً من شهر يوليو 2011، بعد مؤتمر حركة المجتمع الديمقراطي الذي انعقد في ريف منطقة “ديريك”.
• ينسق حزب “ب ي د” في محافظة “الحسكة” مع ميليشيا عسكرية رمزية تابعة لـ”الاتحاد السرياني” الذي مقره في مدينة “قامشلو”. وقد نسق في مناطق أخرى مثل “عفرين” و”كوباني” و”منبج” و”الرقة” و”تل ابيض” و”حلب” مع مجموعات تابعة لـ”لجيش الحر”. وإذا كان “حزب الاتحاد الديمقراطي” متورطاً في جرائم ضد الإنسانية وإرهابياً كما تقول (مجموعة “الكاطع” التوثيقية)، فما رأي المجموعة بمجموعات “الجيش الحر”، سيما منها “مجلس الحسكة” الذي كان على شراكة مع “جبهة النصرة” ومجموعات إسلاموية تكفيرية أخرى في حربهم على مدينة “سري كانييه” لعدة مرات؟
• يفرض الحزب جملة من الضرائب والرسوم كونه سلطة أمر واقع في المناطق الخاضعة لهيمنته بموجب أوراق رسمية صادرة عن مؤسساته، ولديه محاكم في غالبية المناطق المدارة من قبله، أي أنه يتصرف كسلطة في المنطقة وصولاً إلى إعلانه الكانتونات في مناطق كردستان سوريا التي لا يذكرها التقرير كتسمية مطلقاً. وهذا ينم عن الروح العروبوية الأحادية الكامنة لدى كتاب التقرير، أو (“روجآفا”) كما يفضّل الحزب. الأمر نفسه الذي قام به حزب “ب ي د” في المناطق الكردية من الجانب الإداري قامت به “داعش” و”النصرة” و”الجبهة الإسلامية” وعديد المجموعات المسلحة الأخرى في طول البلاد وعرضها، إلى درجة أن غالبية المجالس المحلية السورية التابعة لـ”وحدة المجالس المحلية” LCU أقرت من خلال لقاءات مع كاتب هذه السطور أنها على تنسيق مع المجموعات المسلحة بغية القيام بأعمالها وإلا فإنهم سيوقفونها عن العمل.
• فيما يتعلق بتصريحات “جوان ابراهيم”، قائد “الاسايش”، فهي صحيحة. مع فارق أن أبناء المكون العربي والسرياني والآشوري كانوا مدللين لدى الحزب، بل نال النشطاء الكورد القمع أكثر من النشطاء العرب والسريان، وكانت معاملة العرب والسريان ممتازة، إلى درجة أنه كان يتم إطلاق سراحهم مباشرة أو خلال فترة قصيرة. فيما يتعلق بنقطة منع زراعة الحشيش أو تنظيم حملات لإتلافها، انحرفت بعض الحملات عن مسارها، وأدت إلى استخدام العنف ووقوع ضحايا على يد أجهزة الحزب، كما في قرية “تل غزال” التابعة إدارياً لمنطقة “كوباني”، ولكن ما يسجل للحزب ومؤسسته الشرطية هو القضاء على هذه الزراعة في المناطق الكردية. هل يزعج ذلك كتاب التقرير مثلاً؟!.
• يشكو كتاب التقرير من عدم إمكان تقصي الانتهاكات في المناطق المُدارة من قبل الحزب، ثم يلقموننا في الصفحات اللاحقة العشرات لا بل المئات من الأسماء! أعتقد أن الحزب يمارس تعتيماً إعلامياً، ولا يحبذ نشر المعلومات عن واقع السجون لديه، لكن يُسجل له أنه استقبل ممثلين عن منظمات حقوقية دولية معروفة، وفي مناطق الجزيرة تحديداً، وهذا ما سكت عنها التقرير.
• لا يمكن التعامل بدقة مع الانتهاكات التي جرت في مناطق ساخنة، فالتقرير يتحدث هنا بإطلاقية. مثلاً في منطقتنا، “كوباني”، تجند الكثير من العرب في صفوف “جبهة النصرة” و”داعش” مثلاً. وتعتبرهم بعض الجهات “مدنيين”، كما جرى مؤخراً في موقف “الائتلاف الوطني السوري” من أربعة أشخاص قتلوا على يد “ب ي د” في كوباني، إذ يعتبرهم الائتلاف “مدنيين” والأصل أنهم كنوا مقاتلين في صفوف “داعش”، كونهم من “كفر زيتا” التابعة لمحافظة “حماه”. ماذا يفعل “مدنيون” من “كفر زيتا” في “كوباني”، فيما لم يبقَ أحد من أبناء المنطقة فيها (أكثر من 300 ألف نزحوا إلى تركيا)؟ هناك، في عدة مناطق من “الجزيرة”، نزاعات مسلحة بين عدة أطراف عسكرية (النظام، داعش، ي ب ك، الجيش الحر)، وغالبية المواجهات العسكرية دارت في قرى ومدن ومناطق مأهولة، طبيعي أن يكون بين الضحايا مدنيون، ما دامت غالبية الأطراف لا تكترث بوجود المدنيين. وكنت أتمنى من كتاب التقرير هنا ذكر حالة واحدة فقط بين القتلى على أنها برصاص “داعش” أو “الجيش الحر” أو “النصرة”، فالهاجس الأوحد لدى كتّاب التقرير هو التركيز على النظام وحزب “ب ي د” عبر إظهار العلاقة فيما بينهم، أما “داعش” فهي (“مدللة”) وتستحق المبايعة فقط من عرب الجزيرة! مؤسف ما آل إليه الشِقاق بين المكونات السورية خلال الثورة، يبدو أن النظام سيستمر حتى بعد سقوطه.
• حدثت عمليات تهجير في عديد مناطق شمال سوريا، من قبل “ب ي د” و”داعش” و”النصرة” وغيرها، استهدفت الكورد والعرب والمسيحيين. حزب “ب ي د” قام بتهجير من يعتقد أنهم موالون لداعش والنصرة وغيرهما، ربما رداً على ما قامت به داعش. ولكن عموماً، وبمقارنة بسيطة” نلاحظ أن حزب “ب ي د” لم يفعل مثقال ذرة مما فعله داعش وغيره بحق المدنيين الكرد، وكما نعلم، فالحزب على شراكة مع العديد من العشائر العربية في محافظة “الحسكة”، ورئيس “كانتون الجزيرة” الذي أسسه الحزب هو أحد شيوخ العشائر العربية “حميدي الدهام الجربا”. لكن الحزب تورّط في تهجير العرب في عدة مناطق، ولكن ليس بناء على سياسة عنصرية تجاه المكوّن العربي، إنما هجّر من اعتقد أنهم موالون لداعش، أو أخلى قرى هي مناطق مواجهات عسكرية، ولا أعتقد في ظل تشعب وتعقد الأمور على الأرض الجزم بالأسباب الدافعة وراء أيما عمل في الوقت الحالي، خشية الانزلاق في متاهة الأحكام المسبقة المعلبة الجاهزة.
• لا تأكيدات من مصادر مستقلة للمجازر والتصفيات التي يشير إليها التقرير، ونعثر على ذلك فقط في صفحات نشطاء عرب من “الحسكة”. أعتقد أن السبب الرئيس في ذلك هو امتعاضهم من تحكم حزب كردي في المنطقة ليس إلا، رغم أن الحزب المذكور ليس محط إجماع كردي عليه وعلى سياساته. والسؤال الرئيس هنا هو لماذا لا أحد تطرق إلى أمور مشابهة بحق العرب في “كوباني” و”عفرين”، وهي مناطق يعيش فيها العرب أيضاً. في منطقة “الجزيرة” هناك عشائر مع النظام، وعشائر معارضة، وعشائر على حياد. أعتقد أن تضخيم الموقف من حزب “ب ي د” يعود إلى الخلافات بين العشائر العربية في المنطقة، سيما أن قسماً منها يعمل مع “ب ي د” في إطار “حركة المجتمع الديمقراطي” أو في إطار “كانتون الجزيرة” (الإدارة الذاتية).
• يستند التقرير إلى (“وثائق”) يقدمها على أنها للنظام: أعتقد أن “الوثائق” لا يمكن معرفة صدقيتها أو أنها صحيحة أو مزورة، وأثارت الكثير من الوثائق الضجة ولم يبت أحد في صحتها من عدمه.
• يتحدث التقرير عن تهجير “التركمان” في محافظة “الرقة”: أعتقد أن ذلك منافٍ للحقيقة. والسبب أن حزب “ب ي د” أو جناحه العسكري لم يلعبوا أي دور يذكر في كامل مناطق “الرقة”، وخاصة أن محافظة “الرقة” لم تشهد مطلقاً دخول جناحهم العسكري إليها، واستناد التقرير إلى شهادة “محمد جيلدر”، والأصح “محمد تشيلدر” يفسر السبب. لا نغفل أن الكتلة التركمانية في المجلس الوطني السوري هي ممثلة للمجلس التركماني السوري الذي يقوده… الحافظ ومقرها في تركيا، وتتلقى التمويل والدعم من قبل تركيا، ونعرف مشاكل العلاقة بين العمال الكردستاني وتركيا.
• في الصفحة 33 من التقرير حديث عن اختطاف 35 شخص من عائلة “برهو” في ناحية الشيوخ التابعة لـ”كوباني”: يندرج ذلك في إطار صراع الحزب و”داعش”. عائلة “برهو” و”سلامة” وعائلات شيوخية أخرى مناصرة لداعش، تم اختطاف عدة أفراد منها، ولكن لا نساء ولا أطفال، رداً على عملية اختطاف “داعش” مدنيين كورد من قرية “كنعفتار” التابعة لكوباني، وأعتقد من اطلاعي على الموضوع أن الأرقام مبالغ فيها.
• أنا كنت في قيادة “المجلس الوطني الكردي السوري”، وأنا من “كوباني”: لا شخص باسم “عز الدين محمد” في المجلس الكردي في كل سوريا أو في كوباني، ولا ناشط في كوباني باسم “جوان أحمد”.
• “عشيرة الشرابية” في “الحسكة” التي يتحدث عنها التقرير موالية للنظام، فكيف هاجمها ونكّل بها حزب يقول التقرير عنه أنه موالٍ للنظام؟
هناك عشرات الملاحظات الأخرى على التقرير..
عموماً، حزب “ب ي د” متورط في انتهاكات لحقوق الإنسان في المناطق الخاضعة لسيطرته، وأعتقد أنه يتعامل مع الأمر مقلداً النظام- سيما وأنه من مدرسة شمولية لا ترحب بالمشاركة السياسية أو الاختلاف السياسي- وليس لأنه معادٍ للعرب أو القومية العربية، أو لأنه ممثل للقومية الكردية. هناك العديد من الممارسات الواردة في التقرير قام بها الحزب المذكور، ولكن هناك العديد من النقاط في التقرير غير صحيحة وغير دقيقة وأجزم أنها ملفقة.
أقول هذا وأنا أحد المغادرين لمدينة “كوباني” امتعاضاً من سياسات الحزب المذكور وضيق أفقه السياسي. لكني أعتقد أن التقرير بالنسبة إلي كناشط حقوقي غير دقيق وغير مهني ومبالغ جداً. وأعتقد أيضاً أن صياغة تقارير حقوقية بهذه الطريقة الاختزالية، وبناء على مسبقات الموقف السياسي، إهانة واضحة لكل عمل حقوقي هاجسه الأوحد التوجه إلى الإنسان وصيانة كرامة الإنسان.
أعتقد أن الاستبداد هو الاستبداد، وعلينا تعرية الاستبداد مهما كانت قوميته أو طائفته أو مذهبه، ولكن بمهنية ودقة وليس بناءً على أحكام مسبقة أو قبلية.
أعتقد أن المركز بتقريره هذا المكتوب وفق منحىً أحادي هاجسه الانتصار لشريحة من المكون العربي في مناطق “الجزيرة” الكردية السورية إنما دخل في مضمار صناعة “هولوكوست” وهمي. وكانت الأمانة تقتضي منهم القول أنه، ورغم هيمنة قوة عسكرية حزبية كردية على المناطق إياها، إلا أنها لم تعامل المكون العربي فيها بناء على ردود الفعل، ولم تلجأ لأعمال انتقامية، رغم أن الذاكرة الكردية المحلية هناك مثخنة آلاماً مما فعله عرب المنطقة من “سري كانييه” إلى “ديريك” مروراً بمناطق “الجزيرة” الأخرى في ربيع 2004 مصطفّين مع النظام الحاكم وأجهزته لقمع الانتفاضة الكردية العارمة هناك.
mbismail2@gmail.com
* مصطفى اسماعيل محامٍ وناشط حقوقي كوردي سوري من “كوباني”