شرع حزب الله بترحيل أسلحته المخبّأة في مستودعات سورية إلى لبنان، مدفوعاً في ذلك بخشيته من خسارة حليفه السوري. ويقول خبير غربي يتابع عن كَثَب العلاقات بين إيران وسوريا وحزب الله أن “حزب الله في حالة توتّر شديد حالياً. فسوريا هي القاعدة الخلفية التي تمرّ عبرها الأسلحة التي ترسلها إيران إلى الحزب. ويسعى الحزب إلى إخراج أكبر قدر ممكن من الأسلحة قبل سقوط النظام البعثي”.
خطاب نصرالله: مناورة للتضليل أم تأكيد لمعلومات غربية؟
وقد أكّد حسن نصرالله في خطاب نقلته قناة “المنار” يوم أمس أن حزب الله اكتشف لتوّه أن ٢ من أعضاء الحزب كانا “مرتبطين بالسي آي أي”، وأن عضواً ثالثاً ربما كان، هو الآخر، على صلة بالجهاز الأميركي. وكانت أجهزة الإستخبارات الغربية قد رصدت، في الأسابيع الأخيرة، “تحركات شاحنات على مقربة من الحدود شبه المفتوحة بين سوريا وسهل البقاع اللبناني” حيث يملك حزب الله مراكز تخزين أسلحة. وأكّدت الأمم المتحدة صحّة المعلومات حول نقل الأسلحة، التي تشمل صواريخ “زلزال” متوسطة المدى، وصواريخ “فجر ٣” و”فجر ٥”، التي يقوم الحزب بحشدها إستعداداً لمواجهة مع إسرائيل.
مخازن للحزب في “دوما” ومنطقة “حمص” الثائرة!
ويستخدم الحزب في هذه العمليات الحسّاسة جداً وحدات لوجستية تتمركز في سوريا كانت “الفيغارو” قد كشفت وجودها في شهر أكتوبر الماضي. إن وجود هذه الوحدات هو مؤشّر على تعزيز مواقع حزب الله في سوريا أثناء السنوات الأخيرة. وجاء في برقية ديبلوماسية أميركية تم الكشف عنها مؤخراً أن “بعض المرافق العسكرية التابعة لحزب الله في سوريا تقع في مناطق مزدحمة السكان”. ويقع بعض هذه المرافق في “دوما”، وفي منطقة “حمص”، وكلاهما مناطق معارضة للنظام السوري.
وحتى اندلاع الثورة ضد بشّار الأسد، كان حزب الله يملك مصلحةً في تخزين أسلحته في سوريا، التي كانت إسرائيل قرّرت عدم التعرّض لها في سياق المواجهة مع حزب الله، كما أظهرت حرب ٢٠٠٦. ولكن، منذ أن بدأت دمشق بتصنيع أسلحة مضادة للطائرات يمكن أن يستخدمها الحزب لضرب العمق الإسرائيلي، فقد تغيّرت المعطيات. وهذا ما يدعو الحزب للإسراع بنقل مخازنه إلى الجانب الآخر من الحدود. ولكن عمليات ترحيل الأسلحة ليست بالغة السهولة. فالحزب يخشى من تعرّض قوافل السلاح لغارات جوية إسرائيلية. ويقول ضابط في الجيش اللبناني أن “حزب الله لا يرغب في أن تتم عمليات نقل الأسلحة تحت أنظار أهالي المناطق المعنية، من لبنانيين وسوريين، الذين لا يؤيدونه في موقفه الداعم للديكتاتورية البعثية”.
ورغم هذه العقبات كلها، فقد نجح حزب الله في نقل “بعض هذه الأسلحة باللجوء إلى أساليب تمويه أكثر تعقيداً من السابق”، حسب أقوال الخبير الغربي. ويتولى عناصر من حزب الله، وحدهم، حراسة بعض مخازن أسلحته في سوريا، في حين تقع مخازن أخرى داخل قواعد عسكرية سورية. هل سيقبل النظام السوري بالتخلي عن الأسلحة المخزونة لديه بسهولة؟ من المؤكد أن “العرّاب” الإيراني سيشارك في اتخاذ القرار المناسب.
وكانت بعض المؤشّرات، في الأسابيع الأخيرة، قد أقنعت طهران ودمشق بأن قوافل الأسلحة المرسلة إلى حزب الله كانت تخضع لمراقبة متزايدة من الأقمار الصناعية الأميركية والإسرائيلية. وأكد لنا مصدر أمني غربي يعمل في الشرق الأوسط أن أجهزة الأمن السورية، و”قوة القدس” التي تمثّل ذراع إيران المسلحة خارج حدودها، قد أنشأت في نهاية شهر أبريل مركز قيادة مشتركاً في مطار دمشق لإدارة عمليات ترحيل الأسلحة إلى لبنان.
واستفاد السوريون والإيرانيون من حادث وقع في ١٩ أبريل الماضي، حينما كانت طائرة إيرانية محملة بالأسلحة تستعد للهبوط في مطار حلب بسوريا، قبل أن يتم إرغامها على الهبوط في مطار دياربكر بشرق تركيا. واستناداً إلى معلومات وفّرتها الإستخبارات الأميركية، فقد تدخلت مقاتلتان تركيتان وأجبرتا طائرة النقل الإيرانية، من نوع إليوشين ٧٦، على تحويل مسارها والهبوط في تركيا. واكتشف المحققون الأتراك على متنها شحنة من قاذفات الصوايخ، ومدافع الهاون، ورشاشات، وذخائر، كانت موجّهة لحزب الله.
إن مركز القيادة المشترك الموجود في مطار دمشق، يمثّل دليلاً على تعزيز العلاقات السورية-الإيرانية. وهو يخضع لقيادة مشتركة من ضباط الإستخبارات السورية ومن ضباط في “قوة القدس”، بينهم “حسن مهدوي”، وهو أحد ممثلي “قوة القدس” في لبنان. وكان الإتحاد الأوروبي قد أعلن، يوم أمس، عن قرار بإضافة إسم قائد قوة القدس، الجنرال قاسم سليماني، ومعه قائد “الباسدران”، الجنرال علي رجوي، وأحد مساعديه، حسين طائب، إلى قائمة العقوبات. ويزعم الغربيون بأن الضباط الثلاثة “متورطون في توفير معدات ودعم لمساعدة النظام السوري على قمع المتظاهرين”، وخصوصاً معدات لمكافحة الشغب وأجهزة لمراقبة الإنترنيت. كما تحدث المتظاهرون الذين لجأوا إلى تركيا عن وجود قنّاصة إيرانيين. وبحسب ديبلوماسي غربي في بيروت، فإن “هذا الدعم يعبّر عن قلق إيران إزاء عجز نظام الأسد عن الخروج من أزمته”.
ترجمة “الشفاف”
*
مخازن حزب الله في سوريا في “دوما” و”أزرع” و”حلب” و”حمص” وطرطوس”
نشرت “الفيغارو” في مقال قام “الشفاف” بترجمته في 26 أكتوبر 2010 (“الفيغارو”: 3 وحدات متخصّصة لنقل السلاح الإيراني من سوريا إلى لبنان) معلومات حول مخازن أسلحة حزب الله في سوريا، جاء فيها:
“الوحدة 108:
التي يُعتَقَد أنها تولّت نقل صواريخ “إم-6002”. ويقع “مكتبها الرئيسي” في دمشق. إن الوحدة 108 مكلّفة بنقل الأسلحة والذخائر بين مواقع التخزين الموزّعة في سوريا ومواقع أخرى تقع على الحدود السورية-اللبنانية، حيث قام حزب الله بتعزيز مواقعه. وتتوزّع “الوحدة 108” بين “المخازن المعتادة” و”المخازن “الإحتياطية”. وتقع المخازن “المعتادة” على مقربة من دمشق، في “دوما” قرب دمشق، وفي “أزرع” أي على مسافة قريبة جداً من مطار دمشق الدولي. إن هذا القرب من مطار دمشق الدولي مهم جداً لأن معظم الأسلحة تصل من إيران بالطائرات. أما المواقع “الإحتياطية”، فتقع في مناطق “حلب” و”حمص” و”طرطوس”، في سوريا.
“الوحدة 112:
مهمتها هي تزويد محازن حزب الله الواقعة في لبنان بالأسلحة، أي توزيع الأسلحة التي تؤمّنها “الوحدة 108” بين قواعد الحزب، وخصوصاً في البقاع. ويتم نقل الأسلحة بواسطة الشاحنات، وغالباً في آخر كل شهر، وهي الفترة التي يكثر فيها إنقطاع التيار الكهربائي. ولتمويه هذه التنقلات، فإن سائقي الشاحنات يستفيدون من فوضى لوحات أرقام المركبات في لبنان.
لقراءة المقال بالفرنسية: