ثمة درسان أساسيان ومهمان في الصراع العربي الإسرائيلي أعادت أحداث غزة الدامية قبل أيام تأكيدهما: الأول أن إسرائيل دائماً تراهن بالدرجة الأولى على قوتها العسكرية كضمان أساسي لبقائها. والدرس الثاني انه مهما وقع من «اتفاقيات سلام» بين الحكومات العربية وإسرائيل ستبقى فلسطين هاجس الإنسان العربي وأرقه ومصدراً من مصادر حزنه وألمه وأسفه.
إسرائيل تستغل كل فرصة من أجل عرض قوتها كرسالة هي حياتها أو موتها لتؤكد أنها لن تتردد لحظة واحدة في تلقين من يهدد أمنها (وجودها) درساً بالغ الألم. وفي المقابل، يرى قطاع واسع من العرب أن المقاومة ورفض الوجود الإسرائيلي في فلسطين كلها هو موقف ثابت لن تغير منه تنازلات سياسية أو اتفاقيات سلام هزيلة هنا أو هناك.
أحداث غزة ألهبت مشاعر قطاع واسع من العرب وأعادت «الوهج» لروح الرفض والمقاومة الشعبية ووحدت مشاعر الشعوب العربية ضد إسرائيل بعد فتور أوجدته تناقضات السياسة العربية وضعفها. لكن الحقيقة على الأرض تبقى هي: إسرائيل دولة قوية بنظامها الداخلي وبالتالي بتفوق جيشها!
وإسرائيل تستقي قوتها من قوة نظامها الديمقراطي وقوة جيشها وتفوقه إدارياً وتقنياً. وجيشها القوي ليس سوى امتدادا لقوة مؤسساتها وأنظمتها خاصة ذات العلاقة بالرقابة والمحاسبة. ومع التقدير لمشاعر شعوبنا العربية إلا أن «العاطفة» وحدها لن تحرر أرضاً ولن تقدم شعباً أو تجعل منه قوة يهابها الخصم.
إنها الحقيقة التي أكدتها هزائمنا العربية المتواصلة: لن تنتصر في أي معركة مع الخارج قبل أن تنتصر في معاركك مع الداخل! وأمام العرب اليوم معارك داخلية صعبة تبدأ بالعقل ولا تنتهي بمحاربة الفساد والظلم وغياب «الإدارة» المنظمة لشؤون الإنسان وهمومه واهتماماته! دعك من لغة الوعيد والتهديد في الخطب الرنانة في «قمم» العرب ودعك من تلك «الانتصارات» الزائفة التي يُعلن عنها في كل مواجهة جديدة مع إسرائيل!
فالحقيقة المرة تبقى هي الحقيقة: هزيمة العرب هي امتداد لهزيمة الإنسان العربي التي جاءت أصلاً على يده. وهزائمنا للأسف تأصلت حتى تكاد أن تكون هي «المؤسسة» العربية الوحيدة ذات النظام المنظم والمستمر.
فمنذ ولادة الإنسان العربي وهو يتعرض لحملة تجهيل وغسل دماغ في مشروع ساهم في جرجرة العقل العربي من نكبة إلى نكبة ومن هزيمة إلى هزيمة. فالنظام العربي اليوم، من التعليم إلى الإعلام إلى الصحة إلى العمل السياسي إلى .. إلى.. إلى..، ينتج في النهاية ثقافة من «الهزيمة» من شدتها أخرجها العقل العربي بمسميات مختلفة مثل «كبوة» و«نكبة» و«نكسة»!
هذا صحيح.. لن تنتصر في معركتك مع الخارج قبل أن تنتصر في معاركك في الداخل. ومعارك في الداخل تراكمت وتشابكت وتعقدت حتى صار أشبه بالمستحيل أن تعرف من أين وكيف يمكن أن تبدأ في جردها وحسابها!
ليس من باب «جلد الذات» أن نسأل أنفسنا: لماذا لا نقرأ تجارب الآخرين وقصص التاريخ مع النصر والهزيمة، مع التفوق ثم السقوط، مع الصعود ثم النزول عسى أن نجد «المخرج» لكثير من أزماتنا أو نعرف مواجهة السؤال: كيف ومن أين نبدأ؟ سأرمي بشماغي وعقالي بين يديك كي أرجوك أن تؤجل إلقاء اللوم على «الخارج» قليلاً وأنظر بشجاعة وصدق لأحوال الداخل كي تدرك أن «بلانا فينا»!
ثمة فعلاً «منظومة» متكاملة للهزيمة في عالمنا العربي لن يفلح النظام السياسي العربي في مواجهتها لأن مصالحه وكيانه وبقاءه ارتبط عضوياً بهذه «المنظومة» المعقدة من أدوات تشكل «كيان» الهزيمة في العالم العربي اليوم وليس من مخرج قبل الشروع عملياً وبشجاعة في الاعتراف بالهزيمة.
وحينها يمكن البدء في لملمة بعض الجراح وإعادة التفكير في واقعنا وفي أحوالنا لعلنا أولاً نعرف كيف نصلح بيتنا من داخله! وإن لم نفعل.. ستظل إسرائيل تجرب فينا أحدث مبتكرات الدمار والموت.. ويستمر تراجعنا وانقسامنا وضياعنا ولا نملك، في ظل هذا الواقع، لا شيء سوى الصراخ الذي وحده لن يحرر شبرا من فلسطين ولن يضع حداً لهزائم العرب!
كاتب ومستشار إعلامي
البيان الاماراتية
متى يعترف العرب بأن «بلانا فينا»؟ مشاكلنا عديدة جدا ومن الصعب تعدادها في مقال صحفي. ولكن اشد ما يحز في النفس ان البلاد العربية جمعاء لا تمتلك صناعات متطورة تكفي على الاقل للاستهلاك المحلي. والنتيجة الحتمية اننا من اكبر المستوردين لكل شيء من اللباس الذي نلبسه الى الثلاجات التي لا يمكننا الاستغناء عنها والى السيارات التي تُنتَج قي كل مكان ما عدا في بلادنا ناهيك عن الحواسيب التي من مارس العمل عليها لن يتركها ابدا. رؤوس الاموال ليست هي مشكلتنافدول النفط لا تعرف كيف تهدر هذه العائدات ولكنها غير مستعدة لتوزيع او حتى لتوظيف جزء منهالاقامة مدارس تخرّج الفنيين على… قراءة المزيد ..