ما الذي يمنع الأشقاء في دول الجوار وضمن إطار مجلس التعاون الخليجي من استخلاص مبادرة خامسة، خفيفة الظل، تقنع الرئيس بالكف عن اقتراف خطبه في كل “جمعة”، وتقنع المعارضة بإعادة ترسيم حدود علاقتها مع “الجمعة”؟ وذلك ليس بالأمر الصعب على الطرف الأساس في دول مجلس التعاون، وهو أكثر الأطراف خبرة وضلوعاً في ترسيم الحدود الجغرافية وحدود الحركة البشرية وحدود.. لا تحد!
وأتصور أن حالة الهياج العارمة التي تشهدها البلاد سوف تهدأ قليلاً، إذا ما استطاعت دول مجلس التعاون اقناع الرئيس بعدم جواز منافسة رئيس الجمهورية لخطباء الجمعة، وأقنعت المعارضة بانعدام واقعية الاعتقاد بإمكان اختزال العالم كله إلى يوم “جمعة”.
وما أكثر الخبراء والعلماء الذين تأهلوا وتفاقموا وتعاظموا وتكدسوا وتراكموا في دول الجوار على النحو الذي سيجعل من أمر إصدار (فتوى) بتعديل علاقة الفرقاء في اليمن بـ”الجمعة”، أو ترسيم حدود علاقتهم بهذا اليوم المبارك، من الأشياء التافهة جداً في بند تدبيرات دول مجلس التعاون الخليجي المتصلة بـــ«الأزمة اليمنية” حسب التعبير المفضل لدى الجيران. وهو تعبير يفسره البعض بحالة رِهاب مستحكمة لدى الأشقاء من شيء اسمه “ثورة” أو من الثورات العربية التي تعصف بالأرجاء العربية ولن تستثني أحداً في هذه المرة. فهي عابرة للجمهوريات والملكيات والجماعات والمراتب والجهات. والحال أن كاتب هذه السطور لم يكن في وارد مثل هذه الكتابة إلا بعد أن تفحّص مفردات النسخة الرابعة من المبادرة الخليجية التي بدت وكأنها مكتوبة بقلم الرئيس (صالح) وجاءت لتمنح الرئيس الفاقد للشرعية والمستنفد للصلاحية الكثير من الوقت والحق الذي يمكنه من اتخاذ التدابير الكفيلة بتنحية الشعب، وتصفية الساحات وميادين الحرية، وترحيل الأمل والمستقبل بالنسبة لليمنيين الذين لم يخطر على بال أكثرهم أن جيرانهم الطيبين الذين يسبحون فوق بحار من النفط ويسارعون إلى إخراج واشنطن من أية ضائعة إذا ما لاحت نذرها، وتصعيد أي رئيس في باريس إذا ما كان شريكا في صفقة، يجلون على اليمنيين بقسط ضئيل من الحلم، ورمق بعيد من الأمل بحياة كريمة ومواطنه ممكنه وسعادة محتملة أو حتى متخيلة.
ما الذي فعلناه بكم أيها الأشقاء- والعياذ بالله من “الشقيقة” حين تصيب رأس اليمني- وما هو الحلم الذي اقترفناه بحقكم حتى تواصلوا دعم وإسناد كل القوى والعناصر والأواصر التي تسيّد الخراب في بلادنا وتؤبّد الإقامة على الانتهاك والفساد والنهب والهلاك؟
ما الذي يزكي نشوتكم في الضحك والتضاحك على رئيسٍ يخطب في كل “جمعة” وانتم تشاهدون الجموع الغاضبة تمزق صوره في الشوارع والميادين والساحات، ولماذا تدعمون ما هو أسوأ وأقبح وأتعس وأشنع وافضع في هذه البلاد؟
لماذا تقبلون بخسارة شعب ومستقبل أفضل لنا جميعاً لحساب كسب فرد خاسر، فاسد، أو عائلة أو حفنة أو عصابة مارقة؟ لماذا لا تتراجعون، أو تراجعوا أنفسكم؟
وبحق “الجمعة” القادمة لسنا في وارد التحريض عليكم ولم شمل (الفرقاء) في “جمعة” تستهدف الاحتشاد عليكم والزحف إلى قصوركم. مع أنه ليس ثمة رادع لمن يفتقد الأمان وينقطع به سبيل الرجاء والأمل حين يكتشف بأن جاره القريب اختار سبيل العداوة العمياء، وتحيّز للباطل والبهتان، وأسقط من حسبانه أبسط حقوق الجيرة، ولن نقول “حقوق الإنسان”.
* صنعاء