أن تخرج المظاهرات الإيرانية في مختلف المدن احتجاجا على “الفقر” و”البطالة” و”الغلاء”، الشعارات الرئيسية الثلاثة للمتظاهرين، فذلك أمر متوقّع بسبب سوء الأحوال الإقتصادية والمعيشية. لكن، أن تكون مدينة “مشهد” المقدسة هي أوّل المدن المحتجة على هذه الأوضاع، فذلك له أسبابه.
فمعروف عن”مشهد” أنها تمثل معقلاً لآيات الله ورجال الدين والتيار المحافظ، والمكان الذي يوجد فيه مرقد الإمام الثامن عند الشيعة. وبالتالي فإن إنطلاق أولى المظاهرات منها يبعث برسالة واضحة للنظام الحاكم. أي أن المظاهرات، حسب موقع ستراتفور، تعتبر هامة لسببين يتمثلان في الرسالة المراد توصيلها، وفي الأماكن التي انطلقت منها.
وفي نظرة أولية على بعض الأرقام، يمكن إلقاء الضوء على السبب الأبرز في اندلاع المظاهرات. فمركز الإحصاءات الإيراني يقول إن نسبة البطالة في إيران بلغت 12.4 في المئة خلال السنة المالية الجارية، ما يمثل ارتفاعا نسبته 1.4 في المائة عن العام الماضي، كما يشير إلى وجود 3.2 ملايين عاطل عن العمل في إيران. ووزير الداخلية الإيراني عبدالرضا رحماني فضلي يقول إن نسبة البطالة في بعض مدن بلاده هي 60%، وهو رقم غير مسبوق في فترة حكم “الثورة“، حسب بعض المواقع الإيرانية. ويضيف الوزير أن نسبة البطالة ال60% موجودة في كرمانشاه الكردية والأهواز العربية وبلوشستان، وهي محافظات انطلقت فيها المظاهرات لكنها لم تسبق”مشهد” في ذلك.
وتشير مواقع إيرانية إلى أن أكثر من 21% من خريجي مرحلة البكالوريوس، و15% من خريجي مرحلة الماجستير والدكتوراه، يعانون من البطالة في بلادهم ولا يجدون سبيلا لحل مشاكلهم إلا بالخروج من إيران لتفادي الفقر والبطالة.
كذلك، يتهم نشطاء سياسيون وحقوقيون إيرانيون حكومة بلادهم بأنها تخصص نسبة كبيرة من عوائد النفط لدعم حلفائها في مناطق النزاع الإقليمية، وهو اتهام جاء في ثنايا شعارات المتظاهرين الإيرانيين.
وفي حين أن ارتفاع سعر البيض بسبب ذبح الحكومة ملايين الدواجن المصابة بإنفلونزا الطيور، قد أجّج الأوضاع المعيشية في البلاد، لكن أسباب الاحتجاجات الراهنة هي أكثر عمقا مما تبدو، بحسب النائب الإيراني حميد غارمابي الذي يمثل مدينة نيسابور قرب”مشهد”، حيث قال: “هناك أزمة كبيرة في”مشهد” سببتها المؤسسات المالية غير القانونية”. ويشير بذلك إلى تكاثر مؤسسات الإقراض خلال عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. وكانت الحكومة الإيرانية أغلقت ثلاثا من مؤسسات الإقراض الكبرى في البلاد، بينها واحدة باسم “ميزان”. غير أن التقدم في تنظيم هذا القطاع كان بطيئا. لكن”مشهد” أصبحت، حسب العديد من المراقبين، أكثر المدن تضررا بعد إغلاق “ميزان”، حيث كانت تدير نحو مليون حساب، الأمر الذي أدى في النهاية إلى اندلاع الاحتجاجات في المدينة، ومن ثم في المدن القريبة منها. أي أن”مشهد” كانت بمثابة الشرارة لاندلاع مظاهرات في مختلف المدن الإيرانية الأخرى احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.