يصر “السيد” على طي الماضي من دون أن يحاسبه أحد، ويستمر في الحرب على خصومه السياسيين منذ تموز 2006، يوم لم يشفع لهم تضامنهم وراء حزبه، على تفاؤل منهم بأن النقاش سيتبعها، ويجب الا يرافقها انقسام داخلي، فكان أن أعقب حديثُ التخوين والعمالة عبارة “لو كنت أعلم”، فيما شكلت تل أبيب لجنة “فينوغراد” للتحقيق في ظروف الحرب والمحاسبة عليها.
لم تتوقف حرب “السيد” على الداخل مذذاك. حتى فترات التهدئة، من “اتفاق الدوحة” إلى “السين – سين”، لم تكن سوى لجولة اتهامات جديدة، كان يختار وحليفيه الاقليميين موعدها. لكنه، في خطابه الأخير، كان يعلن الحب لا الحرب، كأنه في “وود ستوك” قبل 43 عاماً. فهو أثار الأزمة المعيشية، وأوضاع الاساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية، ومصير سلسلة الرتب والرواتب، من موقع المراقب المحايد، كأنه لم يكن “ولاّدة” الحكومة، وحاضن أجنتها، طالباً الدنيا والآخرة في آن: تبقى حكومة “القمصان السود” المقصرة، وتشكل “لجنة عمل وطني”لاستنباط الحلول، فتنفذها.
لا يريد “السيد”، ربما، تغيير الحكومة التي يسره أن ترضي الغرب، لكنه يصر على إنهاء “طاولة الحوار” واستبدالها بصيغة جديدة بعدما دفن اقتراح مؤتمر تأسيسي دعا إليه سابقا.
عملياً، يقلد “السيد” مرتا: يدعو إلى أمور كثيرة بينما المطلوب واحد هو إلغاء قرار حربه على الديموقراطية بتكوين أكثرية بالإرغام المسلح، ولا يعذره، أنه في عزلته الاجبارية لا يطلع مباشرة على تطور الأحداث، فيعرف شيئاً وتغيب عنه أشياء.
غاب عنه، مثلا، أن المعارضة تحاور رئيس المجلس لمعاودة نقاش مشروع قانون الانتخابات، وغاب عنه أن نائب حليفه الرئيس الأسد يؤكد أن النظام عاجز عن الحسم، وان حليفه الجنرال لا يزال ينتظر ثلثاء ما كي يرقص طرباً على دماء الشعب السوري، وأن ثلثاءه لم يأت منذ عامين، كما غاب عنه أن الغرب، باعترافه، يؤيد حكومته لا 14 آذار، وأن كلامه على “القاعدة” في سوريا لم يعد يقنع أحداً، وفي حد أدنى لا يشغل بال أحد.
أما محاولته تجيير تأييد 14 آذار انتصار غزة لحزبه وسلاحه، فيتجاهل أن حربها جلبت وقف العدوان الاسرائيلي وفتحت المعابر إلى القطاع، واستعادت المصالحة الفلسطينية والاحتضان العربي، بينما حرب تموز أمنت الحدود الاسرائيلية ولم تحرر مزارع شبعا والجوار، ولا أوقفت خرق الأجواء، ولا الاستخدام الايراني للبنان. ثم من قال إن 14 آذار تريد “نزع سلاح المقاومة” كما يروج؟ هل وضع السلاح وحامليه تحت إمرة الدولة خيانة؟
تستطيع قوى 14 آذار أن تردّ على “السيد” باستعارة من خطابه في 8 أيار 2008، في أعقاب يومه المجيد في بيروت: “من أخذ قرار الحرب فليلغه… وأهلاً وسهلاً بالحوار”.
“النهار”