كيف نقيّم أحداث القامشلي بعد مرور هذا الزمن؟ ،وكيف نقيّم وضع الكرد بعد تلك الأحداث المؤلمة، المؤلمة بالنسبة للكرد، والمؤلمة بالنسبة للسلطة أيضاً، تلك الأحداث أتت فجأة، وأصبحت عبئاً على الكرد، ومثلما أتت فجأة على الكرد فهي كانت مفاجأة بالنسبة للسلطة أيضاً، نخاف من أكرادنا عندما نقول إن تلك الأحداث لم تكن السلطة ضالعة فيها، وإذا كانت هناك جهات من السلطة أرادت ذلك، وذلك لقصم ظهر الكرد فقد تمّ ورسم لها في دائرة ضيقة، وأنا شخصياً لا أعتقد إن للسلطة العليا يد فيها،فأمر كهذا لا يتم الموافقة عليه بسهولة. إبادة أناس أبرياء عزل مجرد أنهم اكرادا ولغاية تخويفهم ،والحق إذا كانت السلطة ورائها فهي كارثة، وكارثة كبيرة أيضا .لكن لا أرى من المنطقي أيضا إن تكون السلطة على علم بذلك،ومن زاوية أخرى إذا كانت(السلطة) لا علم لها، فهي كارثة مزدوجة لأن وظيفة السلطة المراقبة والسهر على أمن الناس، أما إذا كانت السلطة على علم بما كان سيجري، فهي غضت النظر عن فاعليها ..هنا تكمن الجريمة .جريمة بحق الوطنية وجريمة بحق الإنسانية. الذين حضروا المباراة قالوا إن جمهور فريق “الفتوة” كانوا مجهزين لكل طارئ، و كان في حوزتهم أدوات القتل والشغب من السكاكين والعصي واستغربوا من تصرف بعض الضباط حيالهم ، فهؤلاء الضباط تجنبوا تفتيش جمهور”الفتوة” في حين دققوا كثيرا في جمهور “الجهاد” . وللوهلة الأولى وعند بدء الأحداث صار لجمهور “الجهاد” إحساس بان السلطة غير حيادية .ثمة من يرى بان السلطة أخطئت كثيرا في تعاطيها مع الأحداث ، والسلطة المحلية تتحمل كل المسؤولية،فمن هنا تغريم أناس وإجبارهم على دفع الغرامة فهو أمر غير محق ،هنا القاصر-غير راشد- لا يحاسب، والقاصر هو الشارع .في المنطق القانوني إن السلطة ومهما تكن مستواها هي عاقلة-راشدة- لذا فهي تتحمل المسؤولية، وما ذنب هؤلاء إذا كانت السلطة غير ناضجة وأخفقت في التحكم بزمام الأمور. أي منطق هذا.. القاصر يدفع ثمن أخطاء العاقل ..
بيد إن الكتاب”أحداث القامشلي:من المؤامرة إلى حركة الشعبية السلمية” وهو صادر عن الإعلام المركزي للحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا –يكيتي- يحمّل المسؤولية إلى السلطات المحلية ، فالكتاب يحتوي على وثيقة هامة جداً، وهذه الوثيقة تدين السلطات المحلية وتعتبر بمثابة إدانة كبرى .الكتاب يقول إن جهات من السلطة متورطة في افتعال الأحداث وضرب الكرد،وربما يسأل القارئ ما هي هذه الوثيقة؟ الوثيقة أعزائي القراء تعميم من اللجنة الأمنية برئاسة محافظ الحسكة تطلب من القوات الأمنية عدم التساهل مع المتظاهرين والمحتجين الكرد وتخوّل القوات الأمنية قتل كل من يشارك في الاحتجاجات.
دون شك إن “أحداث القامشلي” والتي جلبت الويلات على الكرد وخسروا الأبناء والأموال حيث أكثر من سيارة و شاحنة خدمية أحرقت بأيادي مجهولة، وكذلك المستودعات ومحلات وعدد من الأبناء الكرد سقطوا شهداء كانت قد انعكست ايجابيا على الكرد خصوصا من الناحية السياسية والإعلامية، والاهم إن الحركة الكردية استطاعت استثمار هذه الأحداث ووظفهتا وطنيا كون الكرد هم بأمس حاجة إلى المركز وان بقائهم في الأطراف أو في إطار المناطقية المحلية سوف لن تجني الحركة أي ثمار منها وان استثمار الأحداث إعلاميا وسياسيا يكون في المركز ( مركز الوطنية السورية) واقصد هنا الوطنية السورية هو تقاسم الشؤون والشجون مع الأطراف السورية الأخرى مثل العرب(القوميون،الليبراليون،واليسار العربي) والسريان والآشوريين معني الاقتراب إلى المكونات المجتمعية والسياسية والثقافية السورية وتضعها في موقع المسؤولية لتشاطر الكرد ما يعاني من المآسي والاضطهاد . والحق إن جزء كبير من جسم الحركة الكردية تفاعلت وفي اليوم الأول مع الوطنية السورية و أرادت أن تترجم للأطراف الأخرى السورية عمليا من خلال الاتصال بهم (من أنصار المجتمع المدني وأنصار حقوق الإنسان) ،وفضحوا خطاب الفتنة الذي كان سيد الموقف بالنسبة لوسائل الإعلام العربية والإقليمية على إن هذا الخطاب سيكون له عواقب وخيمة على العرب والكرد والآشوريين والسريان وسيؤثر على النسيج المجتمعي في سورية بشكل عام وفي المناطق الكردية بشكل خاص. بيد إن بعض الأطراف في الحركة الكردية بقيت على حالها، وبقيت في الخندق المناطقي العصبوي.النقطة الأضعف لدى البعض هو أنه لا يملك أي مشروع واضح وكما انه يخطأ في توجيه الخطاب السياسي والإعلامي وسبب يعود الى ان الكثير من مفرداته السياسية والمنهجية تستورد، مثلا عندما سمعنا من احد الأشخاص بان” من حق الكرد إعلان الاستقلال لكننا نكتفي بالفيدرالية” نأسف مثل هذه المقولات ،حبذا لو عرف صاحب هذه المقولات ماذا يعني من إطلاق مثل هذه القنبلة؟ ومن سيدفع فاتورة هذا الخطأ الفظيع؟ .العاقل والمنطقي يعرف إن استقلال الكرد لا يتم في ضوء التوزيع الديمغرافي والجغرافي الكردي الحالي . كان من المنطقي أن يقارن “البهورجي” الكردي الشعار مع الظروف الموضوعية والذاتية ومن المهم أن يقرأ احتمال نجاح الشعار وفرصة تحقيقه ، العاقل هو من يرفع الشعار قابل للتحقيق أما غير العاقل هو من يرفع الشعارات الغرض منها خلق الزوبعة، وبالتالي إلى هلاك الجادين وإيصالهم إلى حالة الهذيان السياسي . النقطة الأخرى التي تستوجب الوقوف عندها هي أن لا تجد نفسك لا مع “إعلان دمشق ” ولا مع ” الجبهة الوطنية التقدمية” هنا إشكالية كبرى .المنطق السياسي يقول إن في سورية قوة “اعتراضية مضادة ” يعني هناك سلطة وهناك معارضة ،فإذا كنت لا تتفق مع المعارضة إذاً أنت متفق مع السلطة، أما إذا كنت تختلف مع السلطة ايضا ،فهذا يعني(حسب المنطق السياسي) انك طبيعيا تنضم الى الخط الثالث، ودلالة هذا الخط سياسيا تعني انك وسطي أي من بين اثنين بمعنى آخر انك تحمل مشروعا معتدلا لا معارضا مئة بالمئة ولا موال مئة بالمئة إنما “اعتراضيا” وهذا ما لا نراه في الوسط الحركة الكردية. شخصياً انظر للحركة الكردية بأنها قسمان قسم مستقر في النهج والرؤى، وقسم غير مستقر في النهج والرؤى. ومن هنا أرى إن التنظيم السياسي الكردي الذي يعاني من عدم استقرار و ما زال يبحث عن مكان، وربما لا يعرف أين يكون مكانه بالأصل هو تنظيم مأزوم ،وهنا مأساة كبرى،كان من المفترض أن يعرف احدنا إن مصدر المواقف المتوازنة والناضجة هو الاستقرار و هو المناخ الذي يساعد على نضج المواقف والرؤى.والعكس هو الصحيح. كان من الأفضل للحركة الكردية أن تتحد في الرؤى وفي الخطاب وان تكون موحدة في القرارات السياسية المصيرية مثل العلاقة مع الأحزاب العربية وغير العربية ،أي مع “إعلان دمشق”.في الحقيقة إن ملاحظات على أداء الكرد كثيرة، ولعلنا نبحث عن الاولويات منها ومن هنا يجب القول : إن الأحداث دفعت بالكرد إلى مواكبة التطورات سواء أكانت على المستوى الدولي أو على المستوى الإقليمي أو المحلي.فمن ضمن هذه المواكبة تم تأسيس منظمات حقوقية منها تهتم بالحقوق الإنسان الكردي ومنها تهتم بحقوق المرأة ومنها ما يتعلق بالشؤون الشبابية والشرائح المحيرة الأخرى .طبعا هذا جميل وجميل جدا. لكن ما لا يعرفه الفاعلون هو إن هذه المنظمات والدوام فيها يحتاج القائمين عليها إلى ثقافة مؤسساتية، مثلا منظمة حقوق الإنسان الكردي يجب أن يعرف منضويها شيئا عن ثقافة حقوق الإنسان ولا يكفي أن تحفظ بنودا من مواثيق دولية .ثقافة حقوق الإنسان ثقافة عميقة ومتشعبة ومتجذرة علماء الاجتماع السياسي لحتى الآن لم يصلوا إلى الفهم الصحيح لهذه الثقافة.هنا اسأل القارئ أين نحن من ثقافة حقوق الإنسان؟ طبعا والحق يقال ما فعلته منظمات حقوق الإنسان الكردية شيء عظيم ولا يمكن الاستهانة بها أو الاستهتار بما تقدمها ..لكنها ما زالت تحتاج إلى الكثير، وما زالت هي في بداية الطريق.وهذا ينطبق على مثقفينا أيضا، ولعل الكلام وعندما يكون مقاربة مع الأحداث المؤلمة ك”أحداث القامشلي لا ينتهي بمقال أو بمقالين!
faruqmistefa@hotmail.com
*جريدة “الأمل” –السليمانية –كردستان العراق -العدد(45)الخميس 15/3/2007السنة الثالثة