إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
(طائرات صناعة أمريكية تلقي قنابل..)
قضيت حوالي نصف حياتي في أمريكا والتي وصلتها منذ فترة طويلة بغرض رحلة عمل قصيرة ولكن إقامتي إمتدت لعقود وأصبحت مواطنا أمريكيا أستمتع بكل ما يستمتع به المواطن الأمريكي من حقوق وواجبات. ولأول مرة أحسَستُ بشعور أني مواطن حقيقي عندما اشتركت في أول أنتخابات رئاسية أمريكية. ونحن في أمريكا لا ننتخب الرئيس فقط ولكن ننتخب: أعضاء الكونجرس، حاكم الولاية، عمدة المدينة، أعضاء المجالس المحلية، حتى مأمور الشرطة والقاضي ورئيس المنطقة التعليمية يتم إنتخابهم.
وأمريكا ليست جنة الله على الأرض، ولكنها المكان الذي يُحبُّ كثيرٌ من سكان هذه الأرض أن يهاجروا إليه لكي يستمتعوا بالحرية وبخيرات هذا البلد وهذا الشعب الطيب والكريم. وبسببِ هذه الحرية التي نستمتع بها والتي تسمح لكل فرد أن ينتقد .حكومته، سواء الحكومة المحلية أو الرئيس بايدن نفسه، كان لا بٌدَّ أن أكتبَ هذا المقال
…
عندما نشاهد كثيرا من أفلام الخيال العلمي التي تحكي عن كائناتٍ من كوكبٍ آخر تغزو الأرض، أو عن كويكب صغير سوف يصطدم بالأرض، نجد أن أمريكا، فقط ودائماً، هي التي تتعامل مع هذا الخطر القادم إلى الأرض. ليس فقط لأن لديها من التكنولوجيا والأسلحة التي تمكنها من التعامل مع هذا الخطر، ولكن لأنها ماما أمريكا! فلو قدرنا مثلا أن كويكباً سوف يصطدم بالأرض في قارة أفريقيا، وتحديدا على أرض “بوركينا فاسو”، فلن يجد سُكّان وحُكّامُ “بوركينا فاسو” سوى الدعاء ليل نهار أن ينصرف هذا الكوكيب عن الإصطدام بالأرض أو، في أضعف الإيمان، أن يصطدمَ بقارةٍ أخرى غير قارة أفريقيا.
لذلك أعتقد بأن الله سبحانه وتعالى قد سخّر لنا أمريكا (وبدون مقابل) لحماية كل سكان الأرض وليس فقط من الأخطار التي قد تأتي من خارج كوكبنا، بل أيضا من الأخطار الداخلية. فعندما رأت أمريكا أن هتلر يشكل خطرا على العالم أجمع قامت بالدفاع عن أوروبا وهزمت هتلر وجيوشه. ليس هذا فقط، بل قامت بإعادة بناء ألمانيا وأوروبا عن طريق “مشروع مارشال” الشهير. كما ساعدت بإعادة بناء اليابان بعد الحرب. وعندما شعرت بأن الشيوعية خطر على البشرية، قامت بمحاصرة عقر دار الشيوعية في الإتحاد السوفيتي، وانتهى الإتحاد السوفيت.يوعندما رأت أمريكا أن صدام حسين يشكل خطرا لا على العراق أو العرب فحسب ولكن على البشرية جمعاء، قامت بهزيمته وإعدامه، ولكنها للأسف لم تقم بإعادة بناء العراق كما فعلت في ألمانيا.
ومؤخرا شعرت أمريكا أن منظمة “حماس” تشكل خطرا على إسرائيل وعلى اليهود (شعب الله المختار)، فقام رئيسها بايدن بزيارة لإسرائيل فور وقوع هجوم حماس الذي يعادل في نظر بايدن إصطدام كويكب صغير بكوكب إسرائيل. وطلب نيتنياهو من بايدن 10 مليار مساعدات، فقام بايدن وبِكرمٍ أمريكي مُعتاد بمنحِ إسرائيل 14 مليار دولار مساعدات.
فأمريكا لا تقوم بدور حامي حمى الكرة الأرضية فحسب، ولكنها تقوم بدور الأم الحنون التي تدافع عن أبنائها (نحن سكان الكرة االأرضية) ولكنها أيضا تقوم بالعقاب والتأديب كدورِ أي أمٍّ تقوم بتربية أبنائها التربية السليمة.
وأحيانا يكون للأم طفلٌ مدلل، وهذا لا يعيب الأم في شيء. ولكن، كلنا نعرف أن قلب الأم ضعيف ورهيف، فما بالك إذا كان هذا الطفل “هو طفل الله المختار”! فلا بد أن تكون له منزلة خاصة عند الأم. ليس هذا فقط، ولكن هذا الطفل هو طفل الأم بالتبني بعد أن عاني الكثير من الإضطهاد لدى معظم الأُسَر التي تبنته من قبل. وهذا الطفل بالطبع هو إسرئيل وخاصة يهود إسرئيل، حتى أن أمريكا أيدت فكرة “يهودية دولة إسرائيل” رغم أنها فكرة عنصرية تتجاهل وجود أكثر من 20% من سكان إسرائيل من المسلمين والمسيحيين. كما أنها فكرة مضادة لعلمانية أمريكا (فصل الدين عن الدولة)، ولكن أحلام الطفل المدلل تعتبر أوامر بالنسبة للأم الحنون أمريكا.
والحقيقة أن حنان أمريكا لم يتوقف عند الطفل المدلل إسرائيل ولكن امتدَّ إلى الطفل المشاغب “غزة”. فها هي الطائرات الأمريكية، بعد أن تعبت إسرائيل من إلقاء قنابل التأديب على أهل غزة، بدأت في إلقاء باراشوتات (جمع باراشوت) من الجو محملة بالغذاء لكي يتم إبقاء من بقي من أهل غزة على قيد الحياة! والحقيقة أن عملية إلقاء الأغذية عملية مكلفة جدا، ولكن كل هذه التكلفة تهون من أجل إثبات إنسانية وحنان أمريكا على أهل غزة الذين ساهمت بطريقة أو أخرى في قتل الآلاف منهم بطائرات صناعة أمريكية وصواريخ صناعة أمريكية وصلت إسرئيل كجزء من برنامج المعونة الأمريكية!
اأما كان الأجدى لماما أمريكا الحنونة أن تضغط على إسرائيل لإدخال مئات الشاحنات الواقفة على حدود غزة التي تحمل الغذاء والدواء بدون أي تكلفة على ميزانية أمريكا التي تتحمل 14 مليار دولار مساعدات لإسرائيل وحوالي 500 ألف دولارأغذية لأهل غزة؟
إن موقف ماما أمريكا (بغض النظر عمَن يجلس في البيت الأبيض) من طفلها المدلل إسرائيل غير مفهوم بالنسبة لكثيرين، ولكنه بالنسبة لي مفهوم! فنشأة إسرئيل تشبه إلى حد كبير نشأة أمريكا كبلد مهاجرين جاءوا بقيم مختلفة ومفاهيم أوروبية .جديدة. وكذلك إسرئيل كما قال عنها الرئيس لندون جونسون في الستينيات بأنها: ” واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط” ولهذا السبب يمكن الإعتماد عليها كشريك أمريكي أوروبي قوي ومتقدم، علاوة على أن معظم المسيحيين يؤمنون بالعهد القديم (كتاب اليهود المقدس)، وأن كثير أيضا من المسيحيين يتعاطفون مع اليهود كنوع من التكفير عن الشعور بالذنب نتيجة إضطهاد اليهود لقرون طويلة لأنهم في نظر الكثير السببُ في صلب المسيح.
وعلى أي حال، لقد جلبت حماس هذا على نفسها وعلى أهلها كل هذا عندما قامت بعمليتها يوم 7 أكتوبر بدون عمل أي حساب لرد الفعل الإسرائيلي! وتَّحَول أكثر من نصف سكان غزة إلى لاجئين، مرة أخرى، يتسوّلون الغذاء والدواء من البر والبحر بل والجو.