من المسلي متابعة «مقرّشي» انتخابات المتن، إنه نوع من العرافة المتأخرة وبات على حياتنا السياسية أن تعتمد أكثر على العرافين ولميشال الحايك المصر على العرافة السياسية دور مستقبلي. أما الذين لا يحسبون بالنجوم فعلمهم لا يتعدى ذلك ولو اعتمد الحساب البسيط. احدهم فسر على سبيل المثال بأن امين الجميل نال كذا وكذا من «كتائب المر»، اذن لم يحدث شيء، اما لماذا يفترض ان كتائب المر فعلت لامين الجميل ما لم تفعله لبيار الجميل فعلم ذلك عند الله الذي، في قول، قرر ان ينتصر هذه المرة بعد ان ارتضى الهزيمة على نفسه في المرات السابقة. أنه على كل حال علم، لندع ذلك جانباً فلم ينته بعد أمده. الزعامة المسيحية في انتخابات المتن لها نصيبها من هذه العظائم، قال ميشال المر لمارسيل غانم إن القائد ميشال عون لم يستشره في اسم المرشح لانتخابات المتن. ميشال المر الحليف الذي يملك عداً ونقداً 24 ألف صوت لم يستشره القائد كما يليق بالقائد أن لا يستشير، فهذا من مقومات القيادة. اذا لم يستشر الجنرال الحليف فلا ننتظر أن يستشير النصير او المنضوي او الرفيق بالطبع فهؤلاء يلتقطون درره فحسب. في المقابل كان هناك من تسمى «بالأمين» وروى انه تسمى «بالعنيد» وكان من قبل روى عن افتخار قدامى الكتائبيين والرفاق المؤسسين بأن الرئيس يستدعيهم إلى صيدليته «ويعمل لهم كفين». الآن يقول إنه لا يندم على شيء ونحن نصدق اذ لم يظهر بادرة ندم واحدة على تحطيم الجمهورية اللبنانية في عهده وبعد عهده. انها الزعامة المسيحية في قمتين بلا منازع. يمكننا ان نفهم من ذلك كيف يكون «القائد» ولا داعي للمقارنة بمعمر القذافي مثلا، فهذه انتخابات صحيحة وليست لجاناً ثورية. مع ذلك فإن القائد وحده يسمي والقائد وحده يتكلم. والقائدان اللذان حطم احدهما جمهورية وحطم ثانيهما جيشاً ومنطقة يستحقان هذه الافضلية. ليس غريباً بالطبع أنهما كوفئا على ذلك فهذه سنّة «القمم» اللبنانية: الرجل بما يستطيع تحطيمه. هذه عبرة الحروب اللبنانية وقد كانت معركة المتن، على نحو ما، استذكاراً حربياً لفلول لا تعرف طريق العودة الى الحرب. هامشية المسيحيين، وقيل في لغة المعركة تهميش المسيحيين إيعازاً بأن ذلك بإرادة من الخارج، عائدة الى انهم ليس السنة والشيعة الركنين الاساسيين في الحرب الحالية التي ما زالت مناوشات ويخاض اكثرها بالكلام، يشق على القائدين المسيحيين، ولكل منهما مظهر بونابرتي وأوهام بونابرتية ومفاتحة بونابرتية إذا عطفنا «عنفوان» الجميل على «شعبنا العظيم» العوني، ان لا يكون ولا يكون المسيحيون الركن الاساسي في الحرب. لنبدأ بالجنرال، ليس غريباً انه لا يزال يحسب، هو الذي تربى وتكوّن في الحروب، ان لا طريق للمجد اعظم من الحرب، وها هو «الجنرال» مقضي عليه ان «يحرتق» في حرب طنانة على سلطة عزلاء لم تقم ولم يسمح لها بالقيام ويعلم الجميع انه لسانها، ـ اي الحرب ـ وليس سيفها ودرعها فهما في مكان آخر. مقضي عليه، هو الجنرال، ان يلاقي حليفه حزب الله في حرب ليست له وليس له فيها ضلع. «السيّد» هو جنرال الحرب ضد إسرائيل وسعد الحريري الهادئ جداً والذي لا يتمتع بمظهر بونابرتي جنرال الحرب ضد سوريا، والاثنان يمسكان بأزمة الحرب ويتواجهان على هذا الاساس، اما هو «الجنرال» فليست له حربه وعليه ان يخترعها. لم يخترع الجنرال عون تهميش المسيحيين. لقد وجد القصة قائمة وسبقته الكنيسة إليها، لكنها كانت نعرة، عملت بالسر لمصلحة عون في انتخابات ,2005 واليوم فكر الجنرال عون بتحويلها حرباً معلنة. اضافة صلاحيات رئيس الجمهورية كانت بالتأكيد إيعازاً ولكن صريحاً، فصلاحيات الرئيس كانت مدار الحرب الاهلية الاخيرة وكان تغييرها تعبيراً عن التوازنات الجديدة. رمزية «صلاحيات الرئيس» واضحة بهذا المعنى، ففيها طرف من احتجاج على نظام لم يعد الموارنة رأسه وذراعه وحاكمه وحكمه. احتجاج يبقى محبوساً في رمزيته فمن المستحيل الرجوع الى الخلف. انه مداعبة لحين لم يعد عملياً وعليه فإنه يبقى في حدود النعرة والاجترار العاطفي، لكن الجنرال لا يبالي إذا كان ما يقدمه تهويماً تاريخياً أم مجابهة قائمة. يشترك الجنرال مع حليفه الاصولي في ما يشبه الاصولية، في توسل ما فوق السياسة لتهريب سياسات او لاتخاذ سياسات. إن «مشهدية» المعركة لدى الطرفين تغني عن فحواها، الجنرال لا يمانع تقمص أشباح تاريخية. ليس من الضروري التذكير بأن «جدلية» الجنرال قضت بأن يشارك في تجاهل توقيع رئيس الجمهورية تحت شعار رئيسي هو حفظ صلاحياته، لكن الجنرال الذي يهرب من أمام الاستقلال والأمن الى الفساد، يهرب من ورائهما إلى صلاحيات الرئيس، إنها حرب تبديل مواقع مستمرة، لكن وقودها الدائم نعرات مختلفة: الفساد، الحنين الماروني، الاستئثار.
مع ذلك فإن تحالفات العماد وقد ارتضى اليوم بأن يسمي تفاهمه حلفاً، ليست سوى عملية تقريب وتغطية متبادلة وتساند وجمع قوى. لن نجد بعيداً عن مواجهة تحالف 14 آذار اي مشترك وبخاصة لن نجد أي مشروع. فعلى صعيد العلاقة بسوريا والصراع مع إسرائيل والعلاقة بالأسرة الدولية والمحاور الاقليمية وإعادة الدولة يقوم عون بتغطية حزب الله، يؤجل محاسبة سوريا ويغطي حرب تموز ويتهم اميركا بالوصاية بدون معاداة ويشترك في احتلال الداون تاون والإضراب بالقوة، في كل ذلك ليس لعون اي سياسة سوى مراعاة الحليف الذي يبادل في المقابل بوضع مشاركة عون عنواناً لنضاله في سبيل حكومة الاتحاد الوطني وترشيح عون للرئاسة (ولو بدون تسميته الى الآن). المراعاة لا تخرج حزب الله من مشروعه الحربي وارتكازه الشيعي (لماذا لا يشارك الجنرال مثلاً في المقاومة اذا كانت هذه سياسته واذا كان يرى فيها، كما حزب الله، حرب استقلال). كما ان المراعاة لا تمنع ميشال عون من الاستطراد في مشروع بونابرتي مسيحي.
مع ذلك فإن ما يمكن ان يكون متساوقاً في الخطاب العوني هو ان الحلم البونابرتي كان ابتداء من «يا شعبي العظيم» انتهاء بـ«صلاحيات رئيس الجمهورية» يملك معادلاً طائفياً لا يخفى. إنه حلم استرجاعي وخيالي نسبياً لا يجد معادله التاريخي إلا في دولة الرئاسات المارونية. لا نعرف من هو المثال الرئاسي العوني، لقد سمّى ديغول ذات يوم، لكنه لم يتعرّض بكلمة واضحة للسابقة الشهابية، هذا ذو دلالة فالضابط الذي قاتل إلى جانب القوات اللبنانية في يوم واعتبر بطل سوق الغرب لا يشكر بالضرورة لفؤاد شهاب تحطيمه الزعامة المارونية، وربما لا يجد في سلميته وتحييده للجيش مثلاً يقتدى لضابط محارب مثله. مع ذلك فإن الحلم الاسترجاعي قد يتحول الى خيال تاريخي، وقد يشاركه في هذا الخيال آخرون، فالذين بنوا ما بنوا على «عهد الطفل المسلم» والجمعة العظيمة لم يرجعوا الى اي ذكرة حاضرة فعلاً. الذين كانوا الدولة الى عهد قريب ولا يزالون نصفها على الاقل، لم يدر الوقت الذي يتحول فيه امتعاضهم من تنازل نسبي الى غول وسواسي. ثم ان الانتقال بدعوى صلاحيات الرئيس من موقع المطالَب الى موقع المطالِب يعني انقلاباً مؤسفاً في الحظوظ يكاد يكون مذلاً، فدعوى اليتم، وان كانت فاعلة، لا تكرم صاحبها وهي، في الاقل، لا تلائم ما يفترضه المثال البونابرتي من قوة. إلا أنها تبقى جرحاً في هذا المثال ومدار حنين لائب له. حين اسمع طوني نصر الله المسؤول في التيار الوطني الحر يقول جهراً في التلفزيون، إنه لا يريد في دولة له فيها موقع الذميّ، ويقال له فيها «إشمل»، او اسمع المطران الراعي يخوّف من اسلمة لبنان، اسأل متى كان ذلك وفي اي عهد وتاريخ حتى يصح التحذير منه، ولا افهم من مراجعة ذلك الا انه وحش «تاريخي» وانه نموذج قبلي يستدعى من غياهب الوعي، وانه بهذه الصفة اعظم واقوى اثراً من ان يكون حقيقياً.
لقد وجد الجنرال حربه «تهميش المسيحيين وصلاحيات رئيس الجمهورية»، ولن يحتاج الى حجة أقوى مما ورد في بيان المطارنة. أمر كهذا يقبل على علاته وتقبل هكذا حججه أيضاً، إن مبعثه الأصلي جرح الحرب الاهلية الذي ختم على دغل ولا يزال راعفاً. لقد دارت هذه، في جملة ما دارت، على صلاحيات الرئيس ولم يكن التنازل عنها في «البطل» الذي يحرّه او يحركه، وسيكون «بطلاً» لمجرد خروجه على اتفاق على طي هذه الصفحة، وسيكون بطلاً لأنه يمنيّ من اعتبروا انفسهم «مغلوبين»، باعادة فتح المعركة ويطالب لهم بما تنازلوا عنه اضطراراً، ولا يزالون يشعرون انه سرق منهم. هذه «بطولة» لكنها عقيم، ولن تكون سوى اجترار حنين أجوف. اذ لن تكون سوى تأليب لا مخرج له وتحريك لحزازة قاربت «الشفاء» وليس لها من مكافئ سوى زيادة في «الدغل» وزيادة في الانتكاس والقلق، وكل هذا قد يكون مآله سيئاً، وقد لا يكون اكثر من لعب في جرح.
تتساوى الطوائف اللبنانية في البرانويا نفسها، اذ لم يتوقف نزاع الجماعات اللبنانية على نصاب ثابت. لا يزال التجاذب قائماً ولا يزال القلق مهيمناً. يخشى الشيعي ويخشى الدرزي ويخشى السني وجميعهم يخافون العودة الى ذمية ما لا تقل عن تلك التي يهجس بها المسيحي، وجميعهم يجدون في تاريخهم القريب أو البعيد محطات «ذمية» موغرة. للجميع الخيال نفسه ولا يصعب لدي اي جماعة استفزاز نعرة اضطهاد او خوف مؤرثة، وللجميع بالتأكيد تواريخ لا يريدون العودة إليها. يكفي ان نفكر باضطهاد الشيعي و«ذميته» وملحمة نزوحه في العهود الأيوبية والمملوكية والعثمانية على الأقل، وبأقلوية الدرزي وتكفيره واضطهاده، وبثانوية السني إزاء المسيحي بعد عز ودولة، لنفهم ان لدى الجميع ما يهربون من ذكراه ولدى الجميع ما يمكن تخويفهم منه. بل ان هذا الخوف او التخويف هما، معلنين او معمرين، ما يكتّلان الجماعات اللبنانية وما يضيعانها بين الحراك الطائفي والحراك «السياسي». ليس التخويف اذن سوى «حرٍّ» في نعرة ولا يحتاج هذا بالطبع الى جنرال وليس لقيا نادرة أو جديدة. انه عمل دائم وتقوم عليه مؤسسات ويقوم عليه أفراد، وإذا جعل الجنرال منه عنواناً لمعركة فسيجد كثيرين يبارونه عليه. لا نريد ان نتذكر كيف بدأ الجنرال والأفضل أن نتوقف عند هذه النهايات.
إنها إضافة معركة خاسرة من جنرال المعارك الخاسرة. هذا صحيح، لكن المسألة لا تتوقف هنا فالمجازفة اكبر. بل انها لعب بالمستقبل المسيحي نفسه. لقد قبلت الجماعات اللبنانية في الطائف، مقابل إعادة توزيع السلطة، الإقرار للمسيحيين بثابتين: اولهما نهائية الكيان اللبناني، وثانيهما وهذا هو الأهم رمزية وخصوصية الوجود المسيحي كعلم على هذا الكيان وكمرادف له. كان هذا اقراراً طوعياً وأكاد اقول عن اقتناع ورضا، وفي هذا الاقرار، في منظور استراتيجي، انتصار مسيحي. لقد جر المسيحيون بقية الجماعات اللبنانية الى موقعهم السياسي، والى الاعتراف بالخصوصية المسيحية للبنان. منذ ذلك الحين بات القلق المسيحي قلقاً لبنانياً عاماً وبات الخوف على المسيحيين خوفاً على لبنان. كان التثبيت القانوني لذلك قائماً في بقاء مسيحيين على رأس السلطة التنفيذية والجيش والقضاء والمصرف المركزي، كما في المناصفة في البرلمان والوزارة. كانت المناصفة مقابل المسلمين مجتمعين أما بعد أن انفك الاجتماع الإسلامي إلى شيعة وسنة، فإن المناصفة هي رجحان مطلق للمسيحيين، لا يحتاج هذا الى اكثر من عملية جمع حسابية بسيطة. فماذا فعل الجنرال عون؟ القفز على ذلك كله والاستدلال بجزئيات دالة وغير دالة على تهميش المسيحيين، والدفاع عن صلاحيات رئيس الجمهورية (مدار الحرب الأهلية الأخيرة). إنه تأليب للمسيحيين في معركة المتن، لكن ما ينساه الجنرال أن المتن ليست جزيرة وأن التأليب الطائفي في بلد كلبنان ذو حدين. انه تأليب للطائفة لكنه أيضاً تأليب لبقية الطوائف، وهو بالتالي تأليب عليها. تسرب كلام عن المثالثة بدل المناصفة وأياً كانت حقيقة هذا الطرح فمجرد ذكره دال وذو طابع تحذيري، لكن الجنرال لم يرتدع. كان في العودة إلى صلاحيات الرئيس عودة الى الحرب لكن الجنرال استمر قدماً. بالفعل جرى انبعاث ذاكرة الحرب وإخراج إحشائها، واستجاب البونابرتي الآخر للصراع على الحرب الاهلية، هكذا تبارى الطرفان على مجزرة تل الزعتر وبحمدون. واستعيد الباش مارون ذاته «ضميراً» للحرب الأهلية وقاضياً فيها. استعيدت الحرب وعاد الرئيسان بطلين في الصراع الاهلي امام نظر اللبنانيين ولا من رادع.
لا اريد ان اتوقف عند الجانب الثقافي والاخلاقي من ذلك، لكني اذكر بأن ذلك كله كان تأليباً لكل اللبنانيين. انه اولاً اجترار لنعرة يؤدي إما الى ارتكاس المسيحيين الى طفولة عاجزة مرعوبة وإما إخراجهم إلى سلوك انتحاري (قد يكون الهرب او الهجرة من تجلياته)، كما هي حال الجماعات في المنطقة. أما الأخطر من ذلك فهو الهرب الى ما وراء الطائف، اي ماوراء عهد الجماعات اللبنانية واتفاقها الطوعي على الخصوصية المسيحية للبنان، على رمزية الوجود المسيحي اللبنانية. هنا المجازفة الكبرى التي هي بالحق مجازفة بالمسيحيين وبلبنان. إنها فك ارتباط بين لبنان والمسيحية، وليس غريباً أن يستثير ذلك هذا الكلام، ولو الخافت، عن المثالثة. ما دام الجنرالان غرقا في ذكريات الحرب فإن للحرب جوابها.
يمكننا الآن السؤال غير المغرض، الى اين يسوق الجنرال عون المسيحيين. لقد قام بإخراجهم من مجابهة سياسية كانوا بحكم رمزيتهم وخصوصيتهم اللبنانية وتاريخهم النضالي اقدر على ان يكونوا عصبها. أخذهم الى تكتل طوائفي مع حزب الله ليست له مندرجات سياسية واحدة ولا مشروع حزبي واحد (سوريا، المقاومة، السلاح غير الشرعي، العلاقة بالأسرة الدولية…) ولا يقوم إلا على حسابات طوائفية في الاساس: إيجاد متراس طوائفي والتخويف من السنة. تلت ذلك سياسة قائمة على الإسقاط (إسقاط الطوائفية على الغير) والتمويه الطائفي وانجر «الآخرون» الى ذلك بخفة معهودة فيهم وقلة وعي نادرة، لكن الغشاء سقط في المتن وعلى المسيحيين أن يتخبطوا الآن في أحلام بونابرتية وحنين عقيم وخيال اضطهادي. والنتيجة، اذا استمرت هذه المغامرة البائسة، هي استكمال الحرب اللبنانية بوسائل أخرى، وجر البلد الى تأليب طوائفي عام، والمجازفة ببقية الامتيازات المسيحية وبالخصوصية المسيحية للبنان، اي بكلمة كسر لبنان وربما أسلمته بهذا المعنى.
قد تكون الميزة الوحيدة الموضوعية، الواعية وغير الواعية، 14 آذار، إنها انخراط جماعات لبنانية في مجابهة سياسية. كان الجنرال يتكلم عن صلاحيات رئيس الجمهورية و14 آذار تتكلم عن عودة سوريا. كان الجنرال يعيّن هدفاً مما قبل الحرب و14 آذار تعين هدفاً سياسياً حاضراً. لكن الأمر لا يتم دائماً هكذا، إذ يستطيع الاستفزاز الطائفي أن يقلق المجابهة السياسية وأن ينفذ إليها. يستطيع تحدي الجنرال وسواه ان يشوش على المجابهة السياسية ويجر أطرافاً من صلبها الى مباراة مماثلة. مع ذلك فإن هذا قد يكون فارقاً، وعلى اللبنانيين ان ينظروا إلى الامور من هذه الناحية. ان محاولات تجديد الحرب بكل الوسائل هي زاد الذين لا يريدون للبنان ان يقوم او للجشعين الذين يجازفون به من اجل ربح صغير. انتهت الحرب بضمان للبنان هو ايضا نصر مسيحي ولن يكون اكيداً اذا لم يبق قضيتهم.
إن حسد الجماعات الاخرى على كونها كتلا واحدة واللحاق بحلم بونابرتي او التمني المضلل لعودة دولة آفلة، فضلا عن تحالفات النكاية الطائفية. كل هذا لا ينفع المسيحيين ولا لبنان، اذا تخلوا ـ المسيحيون ـ طوعاً عن مطابقتهم للجمهورية فلا يلوموا احداً او جماعة على السعي للحلول محلهم. لقد فرط انزياح المسيحيين عن الصدارة النظام اللبناني، والارجح ان اي جماعة اخرى لم تستطع ان تقوم بهذه الصدارة. واليوم رغم الكلام عن التهميش فإن الحاجة الى المسيحيين لا تزال ماثلة، إن دوراً كبيراً لا يزال ينتظرهم لايجاد تعاقد لبناني ومسكة للبنان. لا بد ان ولايتهم الرمزية والمعنوية لا تزال مؤثرة رغم تدخل السلاح والمال والخارج. انهم في مفاصل النظام ويمكنهم ان يساهموا بقوة في إعادته الى دورته اذا فكروا ان هذه قضيتهم. لكن عليهم ان يعودوا اولاً الى موقعهم التاريخي في البلد الذي قام لأجلهم ووحده يمكن أن يكون قوة لهم. إن رعبهم من تجزؤهم امام وحوش متكتلة متراصة لا يعني الاستغراق في مطالبة لا أحد بمجد لن يعود. قد يكون تفعيل رئاسة الجمهورية هي البداية واذا اشتغلت مؤسسات كنسية واقتصادية على اعادة تحريك الدولة فإن القوة المسيحية ستكون بارزة بالتأكيد وسيكون هذا افضل بكثير من الإشفاق على الذات والحك على نعرة اضطهاد مؤرثة. لقد استكمل الجنرالات دورة العبث بالمسيحية وعلى احد، او قوة ما، ان يبطل ذلك.
(السفير)