مصر اليوم تهدر. لا تعرف ما سوف يُرمى على ضفافها الخضراء من حِمَم او فيضانات. مصر شاسعة. ومعضلاتها بحجمها وبحجم موقعها على الخريطة. معضلات متراكمة، متشعّبة، ملتوية، مضمرة، صارخة، صامتة. بحر من المعضلات، معطوف على خطر إستحقاق داهم وإستعصاء اقتصادي. الاول، المنعطف، نهاية حكم الرئيس مبارك، والمجهول الذي سوف يلي غيابه. الثاني هو الارتفاع الجنوني للأسعار، وتدهور شرائح وطبقات بعينها في غياب أي تصور رسمي عن معالجتها. والاثنان يهددان الاستقرار، درّة النظام «المعتدل» وتاج رأسه.
اما نهايات حكم مبارك، فقد أجّجت صراعاً مزمناً بين «الحزب الوطني» الحاكم و«الاخوان المسلمين»، وهم المعارضة الأقوى والأكثر تنظيماً: صراعٌ حول نيل الاخوان من احتكار الحزب الحاكم للسلطة في البرلمان والرئاسة، بعدما فازوا بالسلطة الايديولوجية والاعلامية. مؤخراً نشبت معركة بعينها حول الانتخابات البلدية والمجلسية («محليات»)، لم ينتبه اليها المصريون ولم يكن للاحزاب «المعارضة» الاخرى منها إلا ما تفضّل عليها به النظام، وهو يكاد لا يُذكر. وكانت معركة مهمة بالنسبة للاثنين، اي الحزب الحاكم والاخوان: لأنه تبعاً للتعديلات الدستورية الاخيرة، صارت المجالس المحلية ناخبا اساسيا في الانتخاب المقبل لرئيس الجمهورية. فالوقت مؤات بنظرهم، لأن البدائل التي يقترحها النظام ضمناً وعلناً، اي التوريث، لا يشي بمستقبل اقل إحتكاراً للسلطة. تعسّف الحكم أمنيا تجاه الاخوان في هذه المعركة. حرَمَهم من الترشّح في المحليات، وزجّ بالمئات منهم في السجون. فانتهت هذه الاخيرة بفوز ساحق للحزب الحاكم، جلّه بالتزكية؛ وقد صوتت فيها نسبة 10 في المئة من الشعب المصري!
الاضراب العام في السادس من نيسان (أبريل) كان التعبير الاقوى عن منعطف الخطر الآخر، اي الاقتصادي. وكان ابرز ديناميكيته بؤرتين تختلفان في كل شيء تقريبا. عمال المحلة وجماعة «الفايس بوك» (face book). الاولون، العمال، آتون من تقليد عمالي عريق يعود الى نشأة الصناعة الوطنية في مصر: من تنظيم شبه تلقائي، الى مطالب مهنية محدّدة، وطرق للتفاوض حولها الخ. والفساد الذي اصاب نقابتهم الرسمية، لم يردعهم عن الاشتراك هم ايضا في «ربيع الديموقراطية» المصري القصير الذي انطلق منذ ثلاث سنوات؛ عام 2006 حصل 107 اضرابات، ومذ ذاك تصاعدت الوتيرة. وكانت دعوة العمال للاضراب العام تكثيفاً لمشكلات حياتية متفاقمة، آخرها أزمة الحبز ومأساة شهدائها؛ وتتويجاً لعامين قياسيَين من الاعتصام والاضراب والتظاهر. واللافت ان المواقع الاشتراكية الغربية تعاطفت مع هذه الحركة وخصّتها بالتغطية الكاملة (وأهمها موقع «سوشالست وركر» البريطانية).
الاضراب انطلق من المحلّة، المدينة العمالية بإمتياز. واشعلها الدخان المسيل للدموع والرصاص المطاط وربما الحيّ، ومواجهات بين الاهالي والعمال من جهة، وبين امن مركزي وبلطجية النظام؛ نجم عنه اعتقالات عشوائية، بل هروب جرحى من المستشفيات خوفا من الاعتقال الاعتباطي. وقد نشرت بعض الصحف المصرية المستقلة صوراً لشبان جرحى تحيط بهم الانابيب والامصال، ويدهم مربوطة بالكلبْشات مع طرف السرير من الحديد. فيما اجمع الشهود على ان من احرقَ المدرستين والدكاكين، ونهبَ الحديد والاخشاب، وكسّر الاعمدة وزجاج السيارات، مزيج غريب من بلطجية النظام وسكان العشوائيات المحيطة بالمحلّة.
في نفس اللحظة: جيل آخر، موقع آخر، ثقافة اخرى. شباب على «الفايس بوك»، وهو موقع الكتروني تفاعلي بين الاصدقاء الذين اضاعوا بعضهم. رفعوا ما يسمى بـ «القضية»: قضية بلادهم، الغلاء، الاسعار، القانون. نالوا 65000 تأييد من رواد الموقع. طلاب معظمهم، وبطلتهم شابة خرجت الآن من الاعتقال، اسمها اسراء عبد الفتاح. اما لغتهم فبسيطة: يريدون «وضع حدّ ادنى للأجور، لكل فئة من فئات الشعب، ووضع تشريعات واجراءات حاسمة لمواجهة ارتفاع الاسعار ومحاربة الاحتكار». 65000 شاب وشابة ممّن تقطعت بهم سُبل التعبير السياسي أو النقابي المعروف، وجدوا في «الفايس بوك» ضالتهم؛ وارتأوا ان يكون 6 نيسان يوم إحتجاج وطني، اضراب، بقاء في البيت، وامتناع عن العمل او الدراسة. وكانوا شاركوا في بضعة تظاهرات في وسط البلد، وفي جوارهم ناشطو «كفاية» و«حزب العمل» المحظور؛ بالاضافة الى الجيل الالكتروني السابق من بلوغرز، الذين كشفوا اعتداء البلطجية على النساء في احدى التظاهرات المشهودة عام 2005؛ وكذلك الاعتداء الجنسي الجماعي الذي تعرّضت له نساء في ليلَتي الفطر من العام نفسه.
كان السادس من نيسان مثل البروفة العامة (الاضراب المقبل في 4 أيار/مايو، يوم عيد ميلاد مبارك الثمانين): «الاخوان» مركّزون على نقطة واحدة من معضلات مصر: إرث مبارك: والذي يعتبرونه من حقهم التاريخي، ويعِدون انفسهم بغنائمه. في نفس تلك الاثناء، الصمت ينكسر بفضل عمال ذوي تقاليد نضالية مطلبية وجماعة جديدة الكترونية، تمرست على تقليد جديد يعزّزه الموقع، وهو حرية التعبير. يهرع النظام، يحاول الحفاظ على اعزّ ما تبقى له: دولة مستقرة وسلطة مستمرة. ولكن من أين يأتيه الخيال ليحافظ فعلا عليهما، السلطة والدولة؟ لكي لا يكون هو المسؤول الأول عن تدهورهما؟
وفيما الاهالي يقفون الآن يوميا للمطالبة بالكشف عن مصير اولادهم المعتقلين، في حركة احتجاج يومية، تطلّ علينا فتاوى شيخ الازهر والشيخ يوسف البدري لتحرّم الاضراب والتظاهر. ثم يردّ الشيخ عبد العزيز حسيني بأن الاضراب والتظاهر حق مشروع. وخذْ على سجالات جانبية…
فيلحّ السؤال على الجميع: لماذا امتنع «الاخوان المسلمون» عن المشاركة في الاضراب والتظاهر في 6 نيسان؟ ثمة من دافع عن «الاخوان» فقال انهم لم «يسمعوا بالاضراب إلا في وسائل الاعلام». او انهم لا يدْرون «ما هو الهدف من الاضراب». او انهم خافوا مزيدا من «بطش النظام». ومنهم من حمّل النظام نفسه تبِعة السلبية الاخوانية: اذ رأى أنه «نجح في إقصاء الاخوان عن الحركات الاحتجاجية الاجتماعية الجديدة بالضربات المتوالية التي يوجهها للجماعة». والأكثر سخرية قال ان «الاخوان مصابون بعقدة الزوجة الثانية التي تشعر بانها غير شرعية، فتبحث عن اي شيء يضفي عليها تلك الشرعية». لكن الرأي الذي له دلالة خاصة ذاك الذي عبّر عنه عصام العريان (رئيس المكتب السياسي في «الاخوان»)، اذ قال «ان الدعوة لإضراب 6 ابريل خرجت من قلب حركات شعبية، ومن ثم على الاضراب ان يبقى شعبيا من غير تسييس، حتى لا يحسب على تيار بعينه».
القضية مهنية غير سياسية. هذا التمييز هو عصب السياسة الاخوانية «النقابية» ولازمتها. تصف وقائعه ببراعة الناشطة الحقوقية د. عايدة سيف الدولة، إذ تكتب عن الجمعية العمومية الاخيرة للاطباء في نقابتهم، فتدخل في تفاصيل تواطؤ عصام العريان، نفسه، واخواني آخر، مع مندوب الحزب الحاكم في مجلس النقابة، تجنّباً للخوض في قضايا الاطباء المعيشية (الكادر والاجور و»لقمة العيش») وفرضاً لقرارات مسبقة. وكأن هذه القضايا لا تخصهم، بذريعة انها قضايا «معيشية مهنية، غير سياسية». وفي لعبة تبادل ادوار وتنسيق «كأنهم تدرّبوا على يد شيخ واحد». (البديل 28/3/2008)
هل يكرر الاخوان الموقف نفسه في الاضراب القادم؟ هل يفضي الاضراب الاول الى لقاء بين المجموعات الاحتجاجية المتفاوتة طبقيا وثقافيا وجيليا؟ هل صحيح ان تلك الوقائع المنفصلة والمضطربة ليست سوى «تراكم كمي سوف يفصي الى تغير نوعي» فحسب؟ وكيف؟ هل الغضب الذي يهدر به المصريون الآن كافٍ لإحداث حراك مأمول، حراك اخير قبل ان تخبو مفاعيل حرية نسبية جداً إنطلقت منذ ثلاث سنوات؟
كل هذا، وهوامشه وتفرّعاته وقديمه… إنما ينذر بمشهد توراتي جديد. فالحذر كل الحذر من غضب الصابرين. والمصريون سادة الصابرين.
dalal.elbizri@gmail.com
* كاتبة لبنانية- القاهرة
الحياة
لأ يا نور المكابى
يبدو أن الأستاذ (او الأستاذة) نور المكابى مسئول كبير بالحزب الوطنى المصرى ويرغب فى ترقية جديدة لذلك يجامل الجزب على حساب أكثر من 60 مليون معانى (من يعانى) ممن يصارعون لإيجاد لقمة العيش وتنفس الهواء النظيفويبحثون عن الكرامة والحرية فى بلدهم
ليس غضب الصابرين ككل غضب، والمصريون سادة الصابرين…لا يوجد في مصر ما يسمي بحركات شعبيه ،و لكن يوجد مجموعات من الهتيفه ليس لديها شيء تفعله سوي ما يخرج من الحناجر يتلاشي في الفضاء الواسع ما أن يخرج من الأفواه ،لا يعبر عن شيء و لا يقصد أن يصل الي شيء،يستغل ذلك ما تطلق علي نفسها المعارضه سواء أكانت معارضه مدنيه أو ذات صبغه دينيه وهي تعارض لا لشيء الا لمجرد الاختلاف و الاسترزاق و لا نقول كلها بل معظمها،وانك لو سألتهم بموضوعيه عن برامجهم المختلفه لمواجهه المشكلات المختلفه وما يعدونه لذلك من دراسات علميه علي أسس حقيقيه وليست غيبيه لن… قراءة المزيد ..