الصورة التي تعكسها جريدة “لوموند” هي الأكثر تفصيلاً حتى الآن عما حدث في “الدوحة”. ومن المؤكّد أنه تنقصها ملامح كثيرة. وسيكون مفيداً لو تبرّع المشاركون الآخرون بإعطاء “روايتهم” عن كواليس الإتفاق. ونحن في “الشفاف” نعتقد أن ذلك من حق الشعب السوري الذي أدهش العالم بوعيه وشجاعته. ميل بعض “المعارضين” السوريين، خصوصاً في “المجلس الوطني”، لـ”التكتّم” و”الكولَسَة” ليس مقبولاً، ولا يتناسب مع وعي الشارع السوري.
ونقطة أخيرة: هنالك شيء يبعث على الإطمئنان (السياسي) في التركيبة الجديدة للمعارضة السورية لجهة تشكيلها من شخصيات مناضلة “من الداخل السوري”. وهذا ينطبق طبعاً على رياض سيف وجورج صبرا وسهير الأتاسي، ولكنه يشمل كذلك أحمد معاذ الخطيب الذي لعب دوراً قبل سنوات في “لجان إحياء المجتمع المدني” في سوريا.
“الشفاف”
*
مراسل “لوموند”: بنجامان بارت
النجاح الذي حققته المعارضة السورية في الدوحة، بعد صراعٍ مرير، هو إنجاز لرجلين مختلفين في مساراتهما سوى أنهما متشابهان في عنادهما: جورج صبرا، المدرّس السابق الشيوعي، الضحوك والدوغمائي، ورياض سيف، الرجل العصامي الذي أصبح تحوّل إلى صناعي كبير.
وصل جورج صبرا إلى الدوحة يوم الأحد في ٤ نوفمبر مع أعضاء “المجلس الوطني السوري” الذي كان مقرّراً أن يجدّد هيئاته القيادية. وكان الجو متوتراً جداً. وكانت تتردّد في ممرّات فندق “ريتز كارلتون”، حيث نزل وفد “المجلس الوطني” أصداء الهجوم العنيف الذي شنّته هيلاري كلينتون عليه. والواقع أن هيلاري كلينتون، التي أعلنت قبل ٣ أيام أنه لم يعد ممكناً اعتبار المجلس الوطني قائد المعارضة، والتي سخرت من بعض مسؤوليه “الذين لم يضعوا قدماً في سوريا منذ عشرين او ثلاثين أو أربعين عاماً”، كانت قد نجحت في تعبئة قسم كبير من أعضاء المجلس الوطني ضدها. ونجحت، بشكل خاص، في تعبئتهم ضد المشروع الذي أيّدته هي، وهو مشروع رياض سيف الذي ينص على صهر المجلس الوطني ضمن ائتلافٍ أوسع وأكثر فعلاً في الداخل.
وكان الأكثر عداء للمشروع هو “سمير نشّّار”، أحد واضعي “إعلان دمشق” في ٢٠٠٥، الذي لم يتردّد في التنديد بـ”أوامر” كلينتون”. كما حذّر برهان غليون من أنه “إذا ما تم فرض مبادرة على المجلس الوطني، فإنها ستفشل”. وكان التوتّر شديداً إلى درجة أن سمير نشّار أصيب بنوبة قلبية عابرة.
وسواءً كان الأمر مصادفة أم محسوباً، فقد استضاف البروتوكول القطري رياض سيف والمعارضين المؤيدين له في الجانب الآخر من المدينة، في فندق “شيراتون” بحي السفارات.
وابتدأت المفاوضات في ٧ نوفمبر، وبادر المجلس الوطني بتقديم نصف دزينة من الإقتراحات المضادة، كان بينها الدعوة إلى عقد مؤتمر يشارك فيه ٣٠٠ عضواً في مناطق الشمال “المحرّرة” قبل أي بحث في إعادة هيكلة المعارضة. وهو مشروع بعيد جداً عن الواقعية لأن المدفعية والطيران السوريين يقصفان حلب وإدلب وجوارهما بدون توقّف.
في الجانب المقابل، جاء رياض سيف مع عائلته. وكانت تساعده إبنته “جومانا” وحفيدته “سارة”، وبعض المساعدين الأوفياء. وكان باستطاعته الإعتماد على وساطة ديبلوماسيين صديقين، هما السفير الفرنسي في دمشق “دومينيك شوفالييه”، والسفير الأميركي “روبرت فورد. وحول فناجين القهوة، وفي لقاءات جانبية في ممرّات الفندق، عمل هذا الفريق على نزع الألغام من طريق المبادرة. وشدّد أنصار رياض سيف على أن مبادرته، وبعكس ما ردّدته الشائعات، لا ترمي إلى فتح مفاوضات مع نظام دمشق- على الأقل، طالما ظل المعنيّون يعتبرون هذا الخيار غير مقبول.
رياض الترك ضد رياض سيف؟
وبدأت ملامح اتفاق ترتسم بعد ظهر يوم الجمعة. ولكن، بدا أن أي تفاهم قد تبدّد صباح السبت. ففي تلك الأثناء، تم انتخاب جورج صبراً رئيساً لـ”المجلس الوطني”. وكانت “ضربة معلّم” أن يتم انتخاب مسيحي كان يقيم في دمشق قبل أشهر على رأس مجلس يُتّهَم بأنه خاضع لسيطرة “الإخوان المسلمين” وبأنه فاقد الصلة بالوضع الميداني. وسادت خشية من أن يسكَرَ الماركسي السابق بنجاحه، وأن ينحاز إلى رأي معلّمه الشيوعي القديم “رياض الترك”، الذي يعيش مختبئاً في سوريا والذي يُقال أنه يكن عداءً شديداً لـ”رياض سيف”. والواقع أن “جورج صبرا” بدا في نقاشاته مع الصحفيين وكأنه يتجاهل مبادرة “رياض سيف”.
ومع ذلك، فقد تم التوصّل إلى اتفاق بعد ٢٤ ساعة. هل لعبت الضغوط القطرية المتزايدة الدور الأساسي؟ ليس من شك في أن سمعة قطر، كوسيط، كانت على المحك. ولكن الإنقلاب الأخير في المواقف يعود أيضاً إلى التقدير المتبادل بين رياض سيف وجورج صبرا. فالرجلان الستّينيان يتشاركان في نفس التَوَق إلى الحرية والكرامة. وفي إحدى فترات سجنهما العديدة، فقد تقاسما “الزنزانة” نفسها. وحينما قرّر جورج صبرا، في أواخر العام ٢٠١١، أنه ينبغي له مغادرة سوريا خوفاً على حياته، فقد تم وضع خطة فراره في بيت رياض سيف، وبحضور السفير الفرنسي إريك شوفالييه. وتكفّل عبء المسؤولية بالباقي. فبعد عدد من محاولات التوحيد الفاشلة، ومع غرق سوريا في مزيدٍ من العتمة، فإن المعارضة كانت ستُصاب بانتكاسة خطيرة إذا ما تعرّضت لإخفاقٍ جديد.
هذه الترجمة الخاصة بـ”الشفّاف” سرقها موقع يقول عن نفسه أنه “إسلامي” يدعى “العصر”، ثم نقلتها عنه مواقع أخرى. فتوجّب التنويه!