يسيطر على خطابنا الإعلامي وفي مجالسنا الخاصة , موضوع عنصرية الغرب وحقده على الأمة واستهدافه دينها وثقافتها. فالصورة النمطية للعربي عامة وللمسلم خاصة بالطبع ليست مشرقة. وهذه حقيقة غير خافية ولا يمكن الدفاع عنها رغم ان نظرة العربي للغرب ليست اكثر إشراقا وليست وردية على الإطلاق.
وليس هناك شكّ في وجود ماكينة دعاية مغرضة هدفها النيل من الثقافة العربية، ولكنّ من يساعد في تدعيمها والترويج لها هم بعض رجال الدين. وهؤلاء يساهمون في رفع وتيرة الإسلامفوبيا. فرجال الدين هؤلاء يقدّمون إسهامات “جليلة” في هذا المجال مما يطرح علامة استفهام كبيرة حول مواقفهم وتصريحاتهم . فهل هو الجهل والعماء الفكري؟ أم أنّ ثمّة جهة الداعمة ومخططة لأهداف حملتهم كما يحلو لذوي العقلية التآمرية أن يشطّوا بتحليلاتهم؟
إن حالة الموت السريري التي تسود المجتمعات العربية كافة سمحت بفتح أبواب الجحيم لخروج أبالسة الفتاوى الغريبة والعجيبة. وفي أعقاب أحداث 11 ايلول سبتمبر ألإرهابية صرخت امرأة أمريكية (لماذا يكرهوننا؟). ربما كانت تلك السيدة لا تعرف الكثير عن سياسة بلدها المعادية لشعوب أخرى كثيرة. لكننا عندما نصرخ بعالي الصوت: ( لماذا يخافوننا؟ ) فلدينا ألف سبب وسبب لتلك المخاوف ولتكوين تلك الصورة السلبية المتخلفة والمرعبة عن الإنسان العربي والمسلم.
فتاوى التخلف
ويكفي لتأكيد ذلك أن أشير الى نماذج لمن اعطوا لانفسهم حقّ تمثيل الأسلام والمسلمين وساهموا في تدعيم الصورة النمطيّة للثقافة العربية.
ففضيلة الشيخ الجليل في الدنمارك خرج على الإعلام بفتوى جواز ضرب المرأة في الإسلام‘ وحجته ثابتة- برأيه- في القرآن الكريم وآلأحاديث النبوية.كما تناولت له وسائل الإعلام الالكترونية والمكتوبة صورا تبعث الرعب في نفوسنا نحن فما بالك بما تثيره في الإنسان الغربي المتحضّر! قد يرى البعض بأن جيوش الاحتلال الغربي تمارس العنف وتثير الرعب أكثر من مجرد مظهر وهيئة. هذه حقيقة ايضا. لكننا نتكلم عن الشعوب لا عن الأنظمة.
أما في استراليا فقد تنامت موجة الاغتصاب إلى الحد الذي دفع بفضيلة الإمام الذي نصب نفسه ناطقا بلسان حال رب العالمين إلى الإفتاء بأن عري النساء هو الذي يشجع على الاغتصاب وهنّ بذلك يستحقّنّ ما يحل بهنّ. ولولا الحياء أو الخوف من القانون لكان أفتى بقتلهن غسلا للعار. وبذلك تتحول الضحية إلى مذنبة تتحمل مسؤولية اغتصابها ويتحوّل الشباب الى قطعان من مخلوقات لا تنقاد إلا بغرائزها البهيمية ,مع إننا لم نسمع –على حد علمي- ان الاغتصاب حالة حيوانية بل إن ما نشاهده هو تحايل ذكر الحيوان في جلب انتباه الأنثى اليه وتودده إليها. ولا ندري ماذا يفتي ويقول فضيلته في اغتصاب الفتيات المحجبات في مصروبشكل علني!
أمّا في النرويج فان ازدواجية الخطاب الإسلامي لدى بعض الأئمة في المساجد يشكك في مصداقية رجال الدين. ففي المساجد يسترسل الأئمة في خطابهم المتخلف‘ أمّا في مواجهة الإعلام فأنّهم يتقمّصون شخصيات المتحضّرين ويستعيرون لسان الكذب والرياء ليبدوا أمام الجمهور النرويجي منفتحين ومتنوّرين ويبدون عكس ما يبطنون، وكأن السلطة أو المعنيين بالأمر لا يملكون عيونا داخل خلواتهم ومن جموع مؤمنيهم. ولعل قصة الفتاة الصومالية خضرا خير مثال على ذلك. فقد زارت الفتاة المذكورة ثلاثة أئمة من جنسيات مختلفة وكل على حده‘ باكية شاكية قرار عائلتها بإجراء عملية ختان لها في الصومال. كانت نصيحتهم لها أن تطيع والديها فان رضى الله من رضاهم وأنهم أدرى بمصلحتها. بعد فترة كان الأئمة الثلاثة ضيوفا على شاشة التلفزيون النرويجي يناقشون ذات الموضوع، ختان البنات، الممنوع والمرفوض حسب القانون النرويجي. فاستنكروا الأمر وأقروا بأن هذا ليس من الإسلام بشيء – وهذا صحيح. لكن الفضيحة واكفهرار الوجوه وصرير الأسنان جاء بعد مواجهتهم بشريط مصور عن لقاءاتهم مع الفتاة التي حملت معها كاميرا خفية!!!!!!
حوادث النصب والاحتيال على القانون النرويجي لابتزاز الأموال حدا ببعض المسؤولين النرويجيين الى التفكير بالاتصال بالمشايخ لاستصدار فتوى تحرم الاحتيال على الدولة! أي مهزلة هذه علما أن بعض هؤلاء المشايخ هم من المحتالين على قوانين الدولة!! فتاوى مشايخ الغرب الذين يرتعون برخائه ونعمه , إنما هم امتداد لكهنة الفتاوى في بلادنا من أعلى المراتب والرتب الدينية الى أدنى مراتب الناس البسطاء.
ما يدعونا إلى اليأس والقنوط هو صدور أغرب الفتاوى عن الأزهر الشريف الذي يفترض به أن يكون الحَكَم والضابط لانفلات كهنة الفتاوى الذين يتكاثرون كالفطر في كل اتجاه‘ ولا يفيد في ذلك تراجعهم لاحقا أواستنكار فريق أزهري آخر لما صدر عنهم من فتاوى…. فتوى إرضاع الكبير! هل يسمح حضرة المفتي بأن ترضع أخته أو زوجته أو ابنته رجلا ناضجا؟ وهل يتوقف الأمر عند حد الرضاعة؟ وماذا لو استساغ الطرفان الأمر؟ أما التبرك ببول الرسول عليه السلام فنحن نخشى أن يكتشف حضرته لاحقا بعضا من البول المخزون في مكان ما ويوزعه على المؤمنين. وفي زمن احتلال الفضاء والأقمار الاصطناعية والتكنولوجيا المتقدمة، يتقدم إلينا أحد الأفاضل بفتوى جلد الصحفيين لتطاولهم على الذات العليا المتمثلة بالرئيس. بدون تعليق.!
والقائمة تطول لو أردنا إحصاء غرائب الفتاوى وعجائبها. فالويل لأمة كثرت فيها طوائفها وقل فيها الدين.
ومن نكد الدنيا علينا , أن نشهد انشغال بعض العلماء ألاجلاء يمسخون تراجيديا إنسانية تحز بالنفس وتعكس بؤس الحال في مجتمعاتنا. شبان مصريون حملتهم مراكب الجحيم إلى حتفهم على شواطىء ايطاليا. حدث يتكرر بكل تفاصيله مع اختلاف جنسيات الفارين من بلدانهم إلى نعيم بلاد الكفر والإلحاد. بعض المشايخ أفتى باعتبارهم شهداء ولا ندري أن كان قد أرسل لهم مفاتيح الجنة بالبريد السريع. وفتوى أخرى اعتبرتهم ضحايا الجشع والطمع والسعي وراء المال. فهجرتهم غير الشرعية فيها مخالفة لله ولولي الأمر!
اللافت أننا قلما نجد فتوى بدون فتوى مضادة، فالفتاوى جاهزة وتحت الطلب ولمن يدفع الثمن الأعلى.
في إحدى زياراتي لبيروت ذهبت لتعزية أحد الأصدقاء في اليوم الثالث لوفاة أمه. قراءة القرآن لم تستغرق أكثر من ربع ساعة، أما الخطبة التي استمرت قرابة الساعة فلم تحمل المواساة والسلام النفسي لأهل الفقيدة….فقد أسترسلت جناب المستشيخة بالحديث عن عذاب القبر بالتفصيل المرعب والمملّ ثم انتقلت الى وصف عذاب الجحيم .. والزقوم..والنار وكانت تحكي تفاصيل الرحلة الجهنّمية وكأنها كانت شاهد عيان رأى ويرى ويشرف على تنظيم تلك الرحلة… الوجوم والرعب ارتسم على الوجوه المصفرّة, حتى كاد يغمى عليّ لولا ان سارعت بالخروج هاربة من عالم الموت الذي حسب المستشيخة يمارس الله فيه أنتقامه من غير محبة وسلام. وكانت خلاصة الخطبة ان الجنة حكر على المسلمين بعجرهم وبجرهم ‘ فبعضهم يذهب اليها مباشرة وبعضهم ‘ أي العصاة والخطاة‘ فيذهبون في ترانزيت الى جهنم لتلقي العذاب اللازم والتطهّر ثم يتابعون الرحلة الى الفردوس بمغرياته الكثيرة. أما باقي الأمم فهي وقود جهنم خالدين فيها أبدا….
دفعني الفضول والدهشة لأن أمنّي النفس بموسم عزاء آخر, لمعرفة ما يدور في هكذا مناسبات حيث يكون الإنسان فيه في ذروة الضعف والرهبة امام موقف الموت ويكون بالتالي أكثر إرهافا وتقبلا للتأثر والتخدير.أسعفني الحظ بمناسبة ثانية‘ لم أعرف المتوفية ولكني ذهبت برفقة احدى الصديقات‘ بعد ان تناولت حبة مهدّىء للأعصاب. كانت الخطبة عن عذاب المرأة الناشز. والمرأة التي ترضع طفلا ليس لها دون اذن زوجها. وعذاب المرأة التي يطلبها الرجل الى فراشه ولا تلبّيه وكيف ان الملائكة تلعنها حتى مطلع الفجر‘ وعقاب المرأة السافرة‘ وأن صوتها عورة اذا ما سمعه الرجل. وانّ زينتها وعطرها عهر وزنى….الخ. يمكن القول إن اعتماد أسلوب الترهيب في ترويض النساء ودفعهم لارتداء الحجاب والخضوع للرجل خضوع عبيد القرون الوسطى هو السائد في الخطاب اليومي لخفافيش الظلام.
ان هوس الجنس يفوح من فتاوى المشايخ الكرام ‘ الى الحد الذي يمكن القول ان هناك ثقافة عربية جنسية طويلة عريضة لا تتورع عن التدخل بين الرجل والمرأة حتى في سريرهما …فهذه الفتاوى جهاز أمني يستطيع دخول البيوت وغرف النوم بدون استئذان…رائحة الجنس تزكم الأنوف وتثير الغثيان. بكل راحة ضمير يمكن ان نقول الويل لأمة اختصرت شرفها وكرامتها في جسد المرأة…ليتنا سمعنا فتوى واحدة عن وضع المسجد آلأقصى ألآيل الى السقوط في أي لحظة. أم أن للأقصى رباً يحميه! أو أنهم ينتظرون لحظة انهياره ليتباكوا على أطلاله وقد انشغلوا باعداد المراثي واقامة مجالس العزاء!!! هل يحق لنا بعد أن نتساءل لماذا يخافوننا؟
albakir8@hotmail.com
حنان بكّير كاتبة فلسطينية أصدرت رواية “أجفان عكّا” وعملت في ميدان الصحافة. كتبت في القدس العربي وكذلك في الصحافة النرويجية.
نحن سبب خوفهم منا. وخوفنا هم سببه!أشكر السيدة حنان بكّير على هذا المقال والذي يشرّح الواقع الثيولوجي المتهافت لوكلاء الله في الأرض. أنّ مهمّة الكاتب هي في عرض المشكلة ذلك أنّ من أفضل طرق علاج المريض هو مصارحته بحقيقة مرضه. فالكاتب لا يتورط في عصرنا بطرح المشكلة وعرض الحلّ وأغلاق القضية. لان علاج أمراض المجتمع ليس وصفة طبّية جاهزة. الكاتب يطرح المشكلات من أجل خلق حوار وتبادل وجهات النظر وفهم القضية. ولذلك أختلف مع الأستاذ الدكتور احمد عفاني في تعليقة. فالليبراليون الجدد الحقيقيون هم الكتاب ذوي المواقف التي تعرض مشكلات المجتمع ليطرحونها للنقاش والحوار ويدركون أن الاسلوب الوعظي لخطب الجمعة… قراءة المزيد ..
هل الغرب يخافنا فعلا؟ اوافقك الرأي في ان سداجة بعض علماء المسلمين و قلة حنكتهم تدفعهم الى سرد النص الديني بعنف يستعصي على من ليست له دراية بالاسلام ان يفهم الاسلام. بعضهم يجد نفسه بين مطرقة النص الديني الواضح في امور عدة رغم ان لكل نص ديني مرجعية تاريخية لا تنطبق على الواقع الحالي للمسلم, و سندان التحضر الذي ببتعد كثيرا عن النصوص الدينية على كل المستويات. أليس النص الديني واضحا جدا في موضوع ضرورية احترام المسلم لقانون الدولة التي يعيش فيها حتى لو لم تكن دولة مسلمة؟ عند قراءتي للنص طرحت العديد من الاسئلة نفسها: هل الغرب يخافنا فعلا؟… قراءة المزيد ..
لماذا يخافوننا؟
Wonderfull artickle. I hope that you write more. You are wise and reasonable. We need such womens whom can participate in this debate. Thank you
لماذا يخافوننا؟
الاستاذة المحترمة حنان بكير،
تحياتي واحتراماتي وبعد،
أوافق معك مائة في المائة على كل ما كتبتيه. ولكن هل يكفي أيها السيدة المحترمة، أن نوغل في الشكوى والعويل، دون أن نذكر على الأقل الأسباب، وربما العلاج أيضا؟؟ كل ما تفضلت به صحيح ويبعث فعلا على الرثاء، ولكن: من الذي جلب هؤلاء المجتهدين جدا، وكيف يمكن تغيير الظروف التي تسمح بظهورهم وبإتاحة الفرصة أمام فتاواهم؟؟ كما غشيك الخوف من المستشيخة، لا بد وأن اليأس قد اعترى الكثيرين ممن قرأوا مقالك العتيد!!
مع فائق التحية والاحترام
أحمد