مراجعات جماعة “الجهاد” .. وثيقة الترشيد (الحلقة 10)

0

نص الحلقة العاشرة:

تنبيهات على ما سبق

1) التكفير المطلق وتكفير المعين: التكفير المطلق هو الحكم على الفعل هل هو صريح أم محتمل؟ وكذلك النص المؤثم له هل هو صريح أو محتمل؟ أما تكفير المعين فهو الحكم على الفاعل بعد النظر في حاله وتبين الشروط والموانع، وقد كرر ابن تيمية – رحمه الله – التنبيه على وجوب التفريق بين التكفير المطلق وتكفير المعين وسمى هذا (قاعدة التكفير). فلا بد من تبين الشروط والموانع في حق المعينين وهذه مسألة موكولة إلى القاضـي، ولا يستثنى من ذلك إلا الممتنع عن القدرة إذا إستفحل خطره، كما أراده النبي (ص) مع عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وخبره بطوله في كتاب (الصارم المسلول) لابن تيمية.

2) يتضح مما سبق أن موضوع التكفير لا يدرس من كتب العقائد والتوحيد وحدها، بل من كتب الفقه أيضا، خاصة أبواب القضاء والشهادات والردة وطرق الثبوت الشرعية وعوارض الأهلية.

3) لم تبح الشريعة لأحاد الرعية معاقبة عامة الناس أو إقامة الحدود عليهم ولا يستثنى من ذلك إلا إقامة المسلم الحدود على عبيده كما قال النبي (ص) «أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم» رواه أبو داود، ورواه مسلم عن علي موقوفا، وقال (ص) «إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها» الحديث متفق عليه.

4) يتضح مما سبق في هذا البند أن الكلام في موضوع التكفير ليس سهلاً ويحتاج إلى قسط من الأهلية الفقهية والدراسة الشرعية التفصيلية الطويلة، إن لم يكن التمرس في الفتوى والقضاء الشرعي.

5) ليكن قصد المبتدئ في دراسة هذا الموضوع أن ينقذ نفسه ومن يستطيع من الناس من المكفرات لا تكفير الآخرين، وليتعلم الحق في ذلك من دون إفراط الخوارج ولا تفريط المرجئة.

6) إقامة الحدود لا تجب إلا بعد التمكين، وليس على المستضعف شيء من ذلك ولا يأثم بتركه.

7) مما سبق في هذا البند، تعلم أن القول بتكفير عامة الناس بلا تمييز في بلاد المسلمين اليوم بمن فيهم مستور الحال ومجهوله – كما نقلته في البند التاسع – هو قول غير سديد لا يرتكن إلى دليل معتبر، والأحكام الشرعية لا تبنى على الاحتمالات والأوهام.

ضوابط التكفير

هذا، وقد تكلمت في (ضوابط التكفير وقاعدة التكفير) في مبحث الاعتقاد بالباب السابع من كتابي (الجامع في طلب العلم الشريف).

وأعود فأكرر أن التكفير حكم شرعي لا ينبغي الغمز واللمز فيه، ولا الاستخفاف به لتنفير الناس منه، هل كان الله تكفيريًا عندما قال: «قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ»؟ وهل كان رسول الله (ص) تكفيريًا عندما قال: «كفر بعد إيمان»؟

ولأن التكفير من أحكام الشريعة ولا يخلو منه كتاب من كتب الفقه، فإن السلف رضي الله عنهم لم يطلقوا اسم (التكفيريين أو جماعة التكفير) على الخوارج (الذين يكفرون المسلمين بالذنوب الكبائر غير المكفرة بذاتها كالخمر والزنا)، وذلك لأن التكفير حكم شرعي وكلمة معتبرة ومحترمة شرعًا فلا ينبغي إلصاقها بأهل البدع. كما أنه من الجهل وصف كل من يتكلم في أحكام التكفير بأنه من الخوارج. ثم إن من تلبس بشيء من نواقض الإسلام المكفرة من مصلحته أن يجد من ينبهه على ذلك، ليتوب ويتدارك أمره قبل الموت وفوات الفرصة، خاصة في الأماكن والأزمنة التي لا يقام فيها حد الردة. أما أن يُترك مثل هذا في عماه فهذا ليس من النصيحة للمسلمين في شيء بل هو غش لهم. وبهذا تعلم أن رسول الله (ص) وشريعته رحمة للعالمين لأن الكافر إذ رأى ملك الموت فلن يخرج من جهنم أبدا، والتوبة معروضة حال الحياة، والكافر إذا بقي على كفره حتى يرى ملك الموت، وذلك حين ينقطع به خط الرجعة إلى الدنيا فسوف يكتشف حينئذ أنه قد كان هو أكبر مغفل في هذه الدنيا، لأن سيعذب منذ تلك اللحظة وإلى الأبد، وإذا أردت أن تعرف كيف أن الإيمان شيء نفيس لا يقدر بثمن فتدبر قول الله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ» (أل عمران:91). فإيمان المسلم أغلى من ملء الأرض ذهباً، فالحمد لله على نعمة الإسلام.

التغرير بالناس

ومن هذا تدرك أن الإعراض عن تعلم ما المكفرات؟ وأن التنفير من حكم التكفير مع الإسراف في العذر بالجهل هو تغرير بالناس وغش لهم، والذين يفعلون ذلك هم شر من تجار المخدرات واللصوص الذين يفسدون على الناس دنياهم، أما هؤلاء فيفسدون على الناس آخرتهم ويسوقونهم إلى جهنم بدعوى سماحة الإسلام.

حادي عشر: في معاملة أهل الكتاب المقيمين ببلاد المسلمين

أهل الكتاب المقيمون في بلاد المسلمين مثل النصارى في مصر ليسوا أهل ذمة، كان هذا قديما وقت الحكم بالشريعة، ومع نشوء الدولة المدنية بتحكيم القوانين البشرية في النصف الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، سقطت عن أهل الكتاب بمصر ونحوها من البلدان هذه الصفة، والدستور (وهو أبو القوانين) في هذه البلاد لا ينص على مصطلح (أهل الذمة وإنما ينص على مبدأ المواطنة) فهم بالنسبة للمسلمين (أهل كتاب غير معاهدين).

وقال البعض (إن النصارى ما زالوا أهل ذمة)، والقول بأنهم أهل ذمة يتعارض تماما مع مبدأ المواطنة المعمول به في هذه الدول، وذلك لأن المواطنة تساوي بين المواطنين سكان البلد الواحد في الحقوق والواجبات، وهذا بخلاف عقد الذمة الذي يلزم أهل الكتاب المقيمين في دار الإسلام بشروط تميزهم عن المسلمين وتفرق بينهم وبين المسلمين. ومن أراد معرفة شروط الذمة فليطّلع عليها في آخر أبواب الجهاد بكتاب (المغني) لابن قدامة الحنبلي، أو في كتاب (أحكام أهل الذمة) لابن القيم، أو في كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم) لابن تيمية رحمهم الله. وشروط الذمة ليست من الاجتهادات المتغيرة بمرور الزمان، بل إنها ملزمة لجميع المسلمين عند القدرة على العمل بها، لأنها سنة خليفة راشد وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال النبي (ص) «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح، ثم أجمع الصحابة في عصر عمر ومن بعده على شروط الذمة ولم يخالفه أحد ممن يعتد بقوله، وإجماع الصحابة حجة قطعية ملزمة لجميع المسلمين باتفاق أهل العلم، حتى الذين يشكون في إمكان انعقاد الإجماع كأحمد بن حنبل وابن حزم – رحمهما الله – لا يشكك أحد منهما في إجماع الصحابة وإنما شككا فيما بعد عصر الصحابة، واختارا كلمة (لا نعلم فيه خلافًا) بدل الإجماع.

التمييز في شروط الذمة

والتمييز الوارد في شروط الذمة هو في الأصل مستفاد مما تواتر عن النبي (ص) – تواتراً معنوياً – من الأمر بمخالفة اليهود والنصارى، ومن قوله (ص): «الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه» رواه الطبراني، فالقول بأن النصارى مازالوا أهل ذمة قول غير صحيح وغير سديد ومخالف للشرع وللواقع معا، وقد قال الإمام مالك رحمه الله: (أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما أنزل الله على محمد (ص) لقوله).

ومع ذلك، فنحن نرى وجوب معاملتهم بالحسنى وعدم التعرض لهم بأذى، وننصح جميع المسلمين بذلك لأسباب منها:

1) أنهم ليسوا هم الذين أسقطوا عن أنفسهم عقد الذمة، وإنما ترتب ذلك على تحكيم القوانين الحديثة التي تجري على الجميع مسلمين وغير مسلمين.

2) أن الغالب عليهم معاملتهم للمسلمين بالحسنى، فيجب معاملتهم كذلك بحسب (قاعدة المعاملة بالمثل إلا فيما لا يجوز شرعا) وقد سبقت هذه القاعدة في البنود السابقة، وأيضًا لقوله تعالى: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» (الممتحنة:8)، ومعنى (تبروهم) من البر وهو الإحسان، و(تقسطوا) من القسط وهو العدل، فكل من لم يؤذ المسلمين تجب معاملته بالعدل والإحسان.

3) إنهم جيران المسلمين في السكن والعمل والدراسة، والإحسان إلى الجار (من مسلم وغير مسلم) واجب شرعا وليس مجرد استحباب لقول النبي (ص) في الصحيح: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره» متفق عليه، وفي رواية (فلا يؤذ جاره)، ولم يقصر ذلك على الجار المسلم وإنما أطلق اللفظ ليشمل عموم الجار أي كل جار (مسلم وغير مسلم)، وجعل (ص) إكرام الجار من شروط الإيمان (من كان يؤمن) بما يعني أن تركه من الكبائر والفسق، ويتأكد ذلك بنفي الإيمان الوارد في قوله (ص) «لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) متفق عليه، فمن آذى جاره بأي شكل من أشكال الإيذاء فهو فاسق مرتكب كبيرة من كبائر الذنوب، فإن الشارع لا ينفي الإيمان عمن ترك شيئا من المندوبات والمستحبات، وإنما ينفيه عمن ترك شيئا من أصل الإيمان أو من واجباته، كما نبه على ذلك كثيرا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه (الإيمان) والنصوص في وجوب الإحسان إلى الجار وتحريم إيذائه كثيرة معروفة.

وفي نفس الوقت، فإننا ننصح النصارى بمعاملة المسلمين بالحسنى وعدم استفزاز مشاعرهم بأي أعمال عدوانية، وذلك للمحافظة على أدب حسن الجوار من الطرفين سكان البلد الواحد.

وبالنسبة لنصارى مصر فإن النبي (ص) قد أوصى بهم وصية خاصة في الإحسان إليهم (لأن لهم رحما وصهرا) الحديث برواياته رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أما (الرحم) فإن السيدة هاجر أم إسماعيل عليه السلام مصرية وهي جدة النبي (ص)، وأما (الصهر) فإن السيدة مارية القبطية وهي مصرية هي سُرية النبي (ص) وأم ابنه إبراهيم رضي الله عنه.

قتل كل اليهود

وأعلم أيها المسلم أنه لا يوجد شيء في الشريعة اسمه قتل كل اليهود والنصارى الذين يسميهم البعض بالصليبيين، ولو كان هذا صحيحا ما بقى على وجه الأرض الآن من اليهود والنصارى إلا القليل، وما بقى منهم أحد في بلاد المسلمين فقد عاش هؤلاء رعايا لهم حقوقهم في ديار الإسلام قديما. ويجوز للمسلم أن يعاملهم بالمعاملات التجارية وغير التجارية المختلفة وأن ينكح نساءهم، وقد جمع هذه الأحكام ابن القيم رحمه الله في كتابه (أحكام أهل الذمة). أما قتالهم فالصحيح أنه يقاتل المعتدي منهم في جهاد الدفع، ويقاتل من انتصب منهم لقتال المسلمين في جهاد الطلب، هذا ما استقر عليه فقه المسلمين قبل غلبة الأهواء على الناس. فليحذر المسلم من إطلاقات الجهال في هذا الشأن، فالأمر له ضوابط وفيه تفصيل، وليس كل يهودي أو نصراني يجب أو يجوز قتله.

Comments are closed.

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading