يوم قبلت السلطات الفاتيكانية استقالة الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، نشرت صحيفة “الاخبار” مقالا بعنوان “العوض بسلامتكم”، شامتة بصفير وما مثّله كأب روحي لثورة الارز وانتفاضة الاستقلال!
وبعد انتخاب البطريرك الراعي، هلّل جان عزيز في صحيفة “الاخبار” عينها لذلك الانتخاب، ومشيدا بمزايا رئيس مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال ساندري، وما سيقوم به ساندري على صعيد تطوير الكنائس الشرقية ودعمها. خصوصا حلف الاقليات” الذي روج له ساندري، وكان من نتائجه إعلان البطريرك الراعي عزمه على زيارة سوريا، فور انتخابه الامر الذي أثلج صدر عزيز وكل جماعة 8 آذار.
بالامس، وفي جريدة “الأخبار” نفسها (أنظر المقال أدناه)، انتفض عزيز على الفاتيكان والكاردينال ساندري (وهو “أرجنتيني” مثل البابا، وليس “إيطالياً كما يزعم “الخبير في شؤون الكنيسة”، جان عزيز!)، متهما إياه مباشرة ومواربة ببيع الاوسمة البابوية، ومشيرا الى انه “يبيع الهواء”! وفاته ان هذه الاوسمة هي لمتمولين من جماعة الثامن من آذار، وهو يعرفهم فردا فردا.
لسنا في معرض الدفاع عن ساندري، وعن البطريرك الماروني الراعي، إلا أن ما أثار الاستغراب هوهذا التحول في موقف عزيز وهو من منظّري جماعة الممانعة السورية-الإيرانية في لبنان ومن أبرز إعلاميي التيار العوني.
المعلومات تشير الى ان موقف الكنيسة المارونية السلبي من تحالف عون – جعجع، يقف وراء هجوم عزيز على الفاتيكان آخذا بطريقه البطريرك الراعي، والكنيسة المارونية!
فالكنيسة المارونية، التي تسعى الى ملء الشغور الرئاسي اليوم قبل الغد، وجدت في ترشيح النائب سليمان فرنجيه فرصة جدية، مدعومة من راعي الكنيسة وبطريركها، رجل الاعمال جيلبير الشاغوري، الذي لا تُخفى علاقته الممتازة بالنائب فرنجيه، من جهة، وبالبطريرك الراعي ونائبه المطران سمير مظلوم من جهة ثانية. ووجدت الكنيسة ان تحالف عون-جعجع، قطع الطريق على فرنجيه اولاً، وعلى إنتخاب رئيس، ثانيا! من هنا تبدي الكنيسة المارونية إستياءها من هذا التحالف السياسي، وإن كانت ترحب بالمصالحة التي جرت بين التيار العوني والقوات.
موقف رجل الاعمال جيلبير الشاغوري المؤيد لوصول النائب سليمان فرنجيه الى سدة الرئاسة الاولى انعكس سلبا على علاقته بالتيار العوني، وبالجنرال عون، حتى ان العلاقات، بين الشاغوري، والجنرال، مقطوعة على جميع الصُعد.
وتشير المعلومات الى ان الكاردينال ساندري، يجاري البطريرك الراعي في موقفه لجهة تأييد ترشيح فرنجيه، خصوصا ان الشاغوري حاضر لحشد الدعم “السخي” والتأييد لوصول صديقه الى منصب الرئاسة.
ومن هنا بدأت حملة الممانعين على الكنيسة والفاتيكان من اللامكان. وكما يُقال، “متى عرف السبب بطل العجب!
*
من “الأخبار“: لبنان في الفاتيكان: باعة الهواء والأوهام
المجمع الشرقي بائع هواء… وهو غالباً هواء غير نظيف! (أ ف ب)
جان عزيز
تبتسم الأوساط الفاتيكانية مطولا حين تسأل عما يحكى منذ فترة عن مبادرة لروما حيال الأوضاع في بيروت. تحتاج إلى مزيد من تفصيل السؤال: ماذا عن الاهتمام الفاتيكاني بلبنان، ماذا عن قلق روما حيال الوجود المسيحي في بلاد الأرز والشرق عموما، ماذا عن الزيارات المتبادلة والمتكررة، الامَ أفضت وكيف ستتابع وتستكمل وتستثمر، وخصوصا في ظل أزمة الرئاسة اللبنانية وما يظل يتردد عن التزام معنوي ومادي لروما في هذا المجال؟
وتحتاج إلى تكرار السؤال والالحاح في طلب الجواب، حتى تخرج الأوساط الفاتيكانية عن صمتها وبسمتها، لتجيب بكلمات قليلة صادمة: لا صحة لكل ذلك!
بين الذهول حيال تلك الإجابة الخاصرة وإدراك مأساوية الوضع، تتدرج أوساط روما في شرح الأسباب الحساسة والخلفيات المحظورة على البوح والكلام.
تقول: الإدارة الفاتيكانية أولا جسم كبير جدا. متشعب ومتشابك. غير أن الدوائر المعنية رسميا وفعليا ببلدكم معروفة ومحددة. هناك طبعا مجمع الكنائس الشرقية الذي يرأسه اليوم الكاردينال ساندري. هذه الجهة هي المسؤولة عن كل ما هو علاقات كنسية تنظيمية وعملانية بين روما وكنائسكم، لكنّ تاريخ هذا المجمع شهد تعاطيا تخطى الكنسي إلى السياسي، كما في أيام الكاردينال الكبير سيلفستريني، الذي فرضت شخصيته وحضوره دورا للمجمع الشرقي يتعدى الإطار التنظيمي البحت. بعده قدر لكنائسكم أن يكون لها رجل من عندكم على رأس هذا المجمع. فكان الكاردينال الراحل داود. كان رجلا تقيا ورعا، لكنّ انتماءه إلى ارضكم فرض حكما اهتمامات للمجمع تلامس قضايا شعوبكم واوطانكم، فضلا عن تزامن رئاسة داود للمجمع الشرقي مع وجود طبيعي لعدد وافر من أبناء كنائسكم في دوائره المختلفة…
بعد سيلفستريني وداود، صار المجمع في عهدة ساندري. تبتسم الأوساط الفاتيكانية عند ذكر هذا الاسم. تقول انه لا لزوم للحديث كثيرا عنه، لكن يكفي القول ان الفضل الوحيد الذي ينسب إليه أنه على الأرجح كان الملهم الأول للبابا فرنسيس عندما كتب قداسته رسالته الشهيرة عن أمراض رجال الكنيسة الكثيرة! من الالزهايمر الروحي إلى ترك الروحيات والاهتمام بالدنيويات… لا لزوم للشرح أكثر. الباقي تعرفونه في لبنان كما نعرفه. وكما لم يجرؤ أحد على مقاربته أو معالجته… تتذكر الأوساط الفاتيكانية ههنا واقعة ذاعت عن يوحنا بولس الثاني. ذات يوم قام بجولة على دوائر الكوريا الرومانية للتعرف إليها بالأشخاص والمهمات. وصل إلى مكتب مهيب ومنهمك. على بابه عناوين تفخيمية كثيرة. فاستوضح من شاغله عما هي وظيفته. أجاب أنه المسؤول عن تشريف أبناء الكنيسة المستحقين. وذلك عبر منحهم الاوسمة البابوية من الدرجات المختلفة. سأله البابا القديس عن آلية منح تلك الأوسمة وسبلها. استرسل الموظف الفاتيكاني في الشرح بصراحة. حتى ابتسم البابا البولوني وقال له: Vendi Fumo؟ أي تبيع الهواء اذن؟ ومنذ تلك الواقعة صارت تلك الدائرة الفاتيكانية معروفة داخل أسوار روما، كما في الصحافة الايطالية، بهذا الاسم لا غير… تقفل الأوساط الفاتيكانية الهلالين بخلاصة: المجمع الشرقي هذه الأيام بائع هواء... وغالبا ما يكون هواءً غير نظيف!