قبلت المملكة العربية السعودية عضوية مجلس الامن التابع للامم المتحدة أم لم تقبل. ليست تلك المسألة. فرفضها العضوية، في حال تمسّكت به أم لم تتمسّك، موقف بحدّ ذاته. يعتبر هذا الموقف تعبيرا عن تغيير كامل، بل جذري، في الاسلوب الذي تتبعه الديبلوماسية السعودية منذ قيام المملكة. لا يمكن الفصل بين هذا القرار وامتناع الامير سعود الفيصل عن القاء كلمة السعودية في الجمعية العامة للامم المتحدة في افتتاح دورتها الاخيرة الشهر الماضي.
هناك قلق سعودي أكثر من واضح من التجاهل الاميركي للوزن العربي في المنطقة. تتصرّف الادارة الاميركية الحالية، وكأنّ العرب في الجيب، أي انهم تحصيل حاصل. هل على العرب، خصوصا أهل الخليج اتخاذ موقف معاد من السياسة الاميركية حتى يكون هناك استرضاء لهم بدل الارتماء في احضان كلّ من يعمل على ضرب الاستقرار في الشرق الاوسط؟
الاكيد أنّ المملكة العربية السعودية ما كانت لتقدم على ما اقدمت عليه لولا أنّها تعرف أن ادارة باراك أوباما ذهبت بعيدا في اتباع سياسة مبنية على معاداة كلّ ما هو عربي في الشرق الاوسط، فضلا عن الاستخفاف بمن يمكن وصفهم بـ”عرب الاعتدال”، أي العرب الذين سعوا باستمرار الى اقامة أطيب العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الاوروبية والمحافظة على سياسة نفطية معقولة تأخذ في الاعتبار مصالح الجميع، خصوصا الاقتصاد الاميركي.
في النهاية، ما الذي كان يمكن أن تغيّره كلمة السعودية في الجمعية العمومية للامم المتحدة وما الذي يمكن أن يوفّره وجودها في مجلس الامن في ظل الفيتو الروسي والصيني من جهة واللامبالاة الاميركية من جهة أخرى. لو كانت هناك ادارة جدّية في واشنطن هل كانت هناك قيمة للفيتو الروسي والصيني الذي يمنع صدور موقف دولي حازم من المجزرة التي يتعرّض لها الشعب السوري على يد نظام طائفي مدعوم من ايران وروسيا، نظام لا يؤمن بشيء سوى بسياسة الغاء الاخر؟
طفح الكيل عربيا. تبيّن أنّ أميركا لا تحترم الاّ الذين يعتدون عليها ويذلونها. هذا ما حصل في الماضي. وهذا ما يحصل حاليا. هناك تجربة سوريا حيث يحرق النظام شعبه بالسلاح الكيميائي. هناك تجربة لبنان الذي تسيطر عليه ميليشيا مذهبية تابعة لايران تقاتل في سوريا. هناك تجربة البحرين. هناك تجربة العراق. وهناك أخيرا تجربة مصر. في كلّ هذه التجارب سقطت الادارة الاميركية. كان سقوطها مريعا. اقلّ ما يمكن قوله عن هذا السقوط أنّه لا يليق بالقوة العظمى الوحيدة في العالم التي فضّلت التخلي عن دورها ارضاء للاخوان المسلمين احيانا ولايران في أحيان أخرى ولروسيا واسرئيل في كلّ الاحيان.
حتى في عهد الاتحاد السوفياتي، لم تستطع روسيا أن تكون شريكة، الى هذا الحدّ، في القرار الاميركي كما الحال الآن. هناك تخل عن الدور الاميركي. لا يصبّ هذا التخلي الاّ في مصلحة غير العرب. وهذا ما يفسّر الى حدّ كبير ذلك الافراط في التساهل مع ايران واسرائيل في الوقت ذاته.
ما تشير اليه ردّة الفعل السعودية على انتخابها عضوا في مجلس الأمن، يتمثّل في أنّ هناك بين العرب من أخذ علما بالسياسة الاميركية الجديدة. هناك رئيس أميركي يضع سوريا والعراق والبحرين في سلّة واحدة. ما علاقة البحرين من جهة بسوريا والعراق من جهة أخرى. هل على البحرين دفع ثمن دفاع شعبها، بكلّ مكوناته السنّية والشيعية، عنها؟ هل على البحرين دفع ثمن وقوف عرب الخليج معها في وقت كان هناك تدخّل ايراني مباشر وغير مباشر في شؤونها الداخلية من منطلق مذهبي مقيت؟
نعم، هناك من أخذ علما بالسياسة الاميركية الجديدة. ولذلك، كان هناك وقوف للشرفاء العرب الى جانب الشعب المصري بعد “ثورة الثلاثين من يونيو”. يبدو أنّه كان مطلوبا التخلي عن الشعب المصري كي تكون أميركا راضية عن “الديموقراطية” التي جاءت برئيس اخواني يمثّل حزبا شموليا الى السلطة. كان هناك رئيس مصري على استعداد يومي لتسهيل الهجمات الارهابية على القوات المسلّحة المصرية في سيناء بدعم من “حماس” التي أقامت “امارة طالبانية” في غزة. هل هذا ما كانت تبحث عنه السياسة الاميركية لتبرير السياسات الاسرائيلية القائمة على فكرة أن ليس في استطاعة هذه الدولة القبول بحلّ الدولتين الذي يفرض عليها الانسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلّة؟
كان ردّ الفعل الروسي السلبي على رفض السعودية الانضمام الى مجلس الامن ابلغ دليل على أن المملكة على حقّ في موقفها. كان الهدف الروسي من الاعتراض على الموقف السعودي مؤشرا الى تضايق موسكو من رفض طرف عربي الدخول في لعبة المساومات التي تستهدف تعويم النظامين الايراني والسوري والدفاع عن الموقف الاسرائيلي الرافض لأيّ تسوية مع الفلسطينيين.
ترفض المملكة العربية السعودية أن تكون شاهد زور في فترة يمرّ فيها الشرق الاوسط بمرحلة انتقالية. انها مرحلة في غاية الخطورة ليس مطلوبا ن تستغلّ بأي شكل من أجل تثبيت انظمة جديدة موالية لايران في هذا البلد العربي او ذاك كما هو حاصل في لبنان. هل مطلوب مكافأة “حزب الله” الايراني أميركيا عن طريق تسليمه لبنان؟ هل يكفي أن يدير “حزب الله” ظهره لاسرائيل وأن يوجه سلاحه الى صدور اللبنانيين والسوريين كي يصبح مقبولا -من واشنطن- تعطيله للحياة السياسية في لبنان وتدميره لمؤسسات الدولة اللبنانية الواحدة تلو الأخرى باشراف حكومة مستقيلة على رأسها نائب طرابلس السنّي الذي اسمه نجيب ميقاتي؟
لا سياسة أميركية في العراق. ولا سياسة أميركية في سوريا ولا سياسة اميركية في لبنان والبحرين. كلّ ما هناك استسلام لايران واستسلام لاسرائيل في فلسطين ورضوخ للاخوان المسلمين في مصر.
من مصر، انطلق الاعتراض العربي على السياسة الاميركية. رفض العرب الاستسلام لواشنطن. كلّ ما ارادوا قوله بعدما أخذت دولة الامارات العربية المتحدة المبادرة، مبادرة دعم الشعب المصري في ثورته، أن هناك قرارا عربيا مستقلا لا يمكن الا الاعتراف به.
العرب ليسوا مجرّد مصفقين لادارة أميركية ساذجة لا تعرف ماذا تريد. انهمّ، بكلّ بساطة، غير مستعدين لدفع ثمن الفشل الاميركي في العراق وأفغانستان. أي لحربين أميركيتين كلّفتا الولايات المتحدة الكثير بسبب عدم معرفة المسؤلين الاميركيين شيئا لا عن العراق ولا عن افغانستان. انتهى بهم الامر الى تسليم العراق على صحن من فضّة الى ايران والى الغرق في حرب طويلة في أفغانستان. انّها حرب لا يعرف باراك أوباما كيف يمكن الخروج منها من دون الرضوخ لـ”طالبان” بكلّ ما تمثّله من تخلّف على كلّ صعيد.
كلّ ما يحاول العرب، على رأسهم السعودية، قوله حاليا أنهم ليسوا مسؤولين عن الفشل الاميركي وأنهم ليسوا على استعداد لدفع ثمن هذا الفشل لا في لبنان، ولا في سوريا، ولا في البحرين، ولا في العراق، ولا في اليمن، ولا في مصر خصوصا.
هل كثير على طرف عربي ما رفض دفع ثمن فاتورة أخطاء ارتكبها غيره، حتى لو كان هذا الغير دولة اسمها الولايات المتحدة؟
نُشِر في إيلاف
لماذا على السعودية دفع ثمن الفشل الاميركي؟إن كان معيار البقاء أم لا في منظمة الأمم المتحدة قائماً على الأنظمة الداخلية الخاصة بالدول، لتوجب إفراغ المنظمة من كل دولها بلا استثناء. المعيار هنا دولي، أي أنه متعلق بالسياسة الخارجية للدول وبعلاقاتها بعضها ببعض. وفي هذه النقطة لا مجال لمقارنة السعودية وسياستها الخارجية المعتدلة جداً والملتزمة القوانين الدولية، بسياسة إيران المجنونة المصابة بأمراض العظمة، والتوسع، والاستعمار، وتوسل العنف الكاريكاتوري المتفلت، وفي كل الاتجاهات. مثلها مثل ما يذكر كثيراً بسياسة ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية. لكن مع تفاوت زمني كبير، وكأن لا شيء في نظر الطغاة الدينيين الشيعة في طهران قد تغير في العالم… قراءة المزيد ..
لماذا بقاء السعودية وايران في الامم المتحدة؟
لو كانت الامم المتحدة منظمة تحترم نفسها، لكانت قد رفضت قبول اي دولة لا تلتزم بالمبادئ التي نص عليها الاعلان العالمي لحقوق الانسان. ايران والسعودية هما اكثر البلدان انتهاكا للمبادئ التي نص عليها الاعلان العالمي لحقوق الانسان، واستمرار عضويتهما في الامم المتحدة ان دل على شيء انما يدل على ان هذه المنظمة لا مصداقية أخلاقية لها بشأن قضايا حقوق الانسان.