منذ بداية الثورة السورية، انقسمت “الكنيسة” بين مؤيد للإنتفاضة ضد الطغيان، ورجال دين كبار مرتبطين بنظام الأسد! بالإجمال، كان الفاتيكان وسفراؤه أكثر تأييداً للثورة، في حين ظهر مدى تورّط الكنائس الشرقية في العلاقة مع نظام الأسد “المسكين”! مؤتمر واشنطن ينعقد تحت عنوان “دفاعاً عن المسيحيين”، ويضم عدداً من مؤيّدي الأسد الذين سيسعون للإستفادة من الظاهرة “الداعشية”، التي أسهم الأسد والمالكي وقاسم سليماني في خلقها، في الدعوة للتحالف مع بشار الأسد ضد “الإرهاب الإسلامي”. ومن هنا خطورته البالغة!
هذا ما يحذّر منه بيان “لقاء سيدة الجبل”. والبيان على حق في إشارته إلى أن “لمجازر التي شهدتها منطقتنا، منذ الإبادة الجماعية للأرمن حتى اليوم، لم تكن ناجمة عن ايديولوجيات دينية، انما كانت من فعل ايديولوجيات قومية تدّعي أنها علمانية”!
الشفاف
*
لا تمميز بين الضحايا
بمناسبة المؤتمر الذي يُعقد في واشنطن بين 9 و11 ايلول تحت عنوان “دفاعاً عن المسيحيين”، يتوجه “لقاء سيدة الجبل” — وهوتجمع يعمل على تعزيز السلام والعيش معاً في لبنان — الى الرأي العام اللبناني والعربي والدولي، وكذلك الى المشاركين في المؤتمر، ليؤكد أنه يجب ألا نميّز بين ضحايا أعمال العنف الجارية في مختلف أنحاء المنطقة.
ليس هناك ضحايا “جيدة” ينبغي أن نتضامن معها وضحايا “سيئة” لا تستحق منا الشفقة والتعاطف. من واجب رؤساء الكنائس الشرقية المجتمعين في واشنطن أن يطالبوا المجتمع الدولي بالدفاع عن مسيحيي العراق المهددين في وجودهم من قبل تنظيم إرهابي أظهر وحشية لم يُسمع بمثلها، لكنهم لا يستطيعون، في الوقت ذاته، البقاء صامتين إزاء المجازرالتي تُرتكب في سوريا. لا يُمكن أن تطالب بحماية الأقليات في العراق ولا تفعل شيئاً لحماية الأكثرية في سوريا.
يجب أن ندين العنف بكافة أشكاله دون تمييز بين أولئك الذين يستخدمونه. ليس هناك قتلة “جيدون” يجب أن نتفهم دوافعهم وقتلة “سيئون” يتوجّب علينا إدانتهم. ان هذا التمييز بين إرهاب “إسلامي” يجب محاربته وارهاب “علماني” ينبغي التغاضي عنه هو الذي جعل النظام السوري يستفيد لفترة طويلة من تهاون المجتمع الدولي وتواطئه، مما دفعه الى احتلال لبنان في العام 1990 ويتيح له اليوم ان يرتكب مجزرة مروِّعة ذهب ضحيتها حتى الآن أكثر من نصف مليون سوري ما بين قتيل وجريح.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن المجازر التي شهدتها منطقتنا، منذ الإبادة الجماعية للأرمن حتى اليوم، لم تكن ناجمة عن ايديولوجيات دينية، انما كانت من فعل ايديولوجيات قومية تدّعي أنها علمانية، من حركة تركيا الفتاة الى البعث العراقي والسوري.
يناشد لقاء سيدة الجبل المجتمع الدولي إعطاء الأولوية لإحلال السلام في هذه المنطقة، سلام للأقليات، بكل تأكيد، انما ايضاً سلام للأكثرية، واحياء جهوده لإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي الذي هو اصل العنف الذي يعصف بالمنطقة منذ النصف الأول من القرن العشرين.