باريس، واشنطن، بيروت، نيويورك – رندة تقي الدين، جويس
أجمعت المواقف الدولية والعربية واللبنانية على التمسك بدور القوات الدولية المعززة في جنوب لبنان (يونيفيل) بعد التفجير الخطير الذي استهدف الوحدة الاسبانية فيها أول من أمس، وأودى بحياة 6 جنود أسبان وجرح اثنين وضعهما حرج. وأكدت الحكومة اللبنانية بعد اجتماع عقدته برئاسة رئيسها فؤاد السنيورة طلبها التجديد لـ «يونيفيل» التي تنتهي سنتها الأولى في شهر آب (أغسطس) المقبل سنة جديدة، فيما دان مجلس الامن في بيان رئاسي أشد ادانة «الهجوم الارهابي» على «يونيفيل»، وأكد «دعمه الكامل للحكومة اللبنانية وللجيش في جهودها المبذولة من أجل ضمان الأمن والاستقرار في كامل أنحاء لبنان»، ودعا الامين العام للامم المتحدة بان كي – مون الى»تحقيق كامل في هذه الحادثة المثيرة للقلق».
وفي تطور ملفت، أكدت مصادر في الادارة الأميركية لـ «الحياة» أن البيت الأبيض سيصدر قريبا جدا قرارا رئاسيا يستهدف شخصيات لبنانية وسورية اتهمها بزعزعة الاستقرار الداخلي في لبنان. وكشغت ان بين الأسماء وزراء لبنانيين سابقين وهم: عبد الرحيم مراد وأسعد حردان وعاصم قانصوه وميشال سماحة والنائب السابق ناصر قنديل. وبحسب المصادر شملت الاسماء من الجانب السوري رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية آصف شوكت والرئيس السابق لجهاز الامن والاستطلاع السابق في لبنان رستم غزالة ومستشارين للرئيس بشار الأسد.
ويشير القرار الى «قلق أميركي ازاء نشاطات هؤلاء الأشخاص»، في اطار التطورات الأخيرة في لبنان وبعد «اغتيال النائب وليد عيدو». ويفرض القرار عقوبات مادية وقنصلية لمنع هذه الأسماء من دخول الولايات المتحدة بأي صفة، هجرة أو زيارة.
وكان مجلس الأمن دان، في بيان رئاسي، أشد ادانة «الهجوم الارهابي» على «يونيفيل»، وأكد «دعمه الكامل للحكومة اللبنانية وللجيش في جهودها المبذولة من أجل ضمان الأمن والاستقرار في كامل أنحاء لبنان». وجدد المجلس ا «دعمه الكامل ليونيفيل في القيام بمهماتها للمساعدة في تطبيق القرار 1701»، كما عبر عن «تقديره القوي للدول الأعضاء التي تساهم بقوات» في «يونيفيل» متوجهاً بالعزاء، التقدير بالذات للحكومة الاسبانية وعائلات الضحايا الست من قوات حفظ السلام من الكتيبة الاسبانية وبينهم مواطنين كولومبيين. وأخذ البيان علماً بإدانة الحكومة اللبنانية للهجوم، وأشاد «بعزم والتزام الحكومة اللبنانية على جلب مرتكبي هذا الهجوم الى العدالة».
وأصدر الأمين العام بان كي – مون بياناً «دان فيه بأشد العبارات هذا الهجوم الإرهابي» ودعا الى «تحقيق كامل في هذه الحادثة المثيرة للقلق» معبراً عن «أمله بتمكن الحكومة اللبنانية من النجاح في جهودها الرامية الى المجيء بالمسؤولين أمام العدالة». وقال ان «استهداف يونيفيل هو في الواقع محاولة لتقويض الأمن والسلام في المنطقة، وبالذات محاولة لتقويض الجهود اللبنانية والدولية الرامية وراء الاستقرار في جنوب لبنان في اطار قرار مجلس الأمن 1701».
وتحوّل هذا الاعتداء على «يونيفيل» الى جزء أساسي من المحادثات الجارية في الخارج حول الوضع الأمني المتفجر في لبنان من الشمال حيث تدور اشتباكات منذ أكثر من 35 يوماً بين الجيش اللبناني وتنظيم «فتح الإسلام»، ومع خلايا أصولية نائمة في طرابلس ومناطق أخرى، الى الجنوب. وأكد السنيورة قبيل مغادرته الى باريس حيث سيلتقي الرئيس نيكولا ساركوزي ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، ان لبنان «يتعرض لموجة كبيرة من التحديات من الشمال الى التفجيرات والاغتيالات والتعديات على الحدود البرية ووجود قوى فلسطينية تتلقى تعزيزات يومية من الحدود السورية – اللبنانية الى إطلاق الصواريخ الاسبوع الماضي (على مستعمرة مسكفعام الاسرائيلية من منطقة عمليات يونيفيل) وصولاً الى الاعتداء الارهابي الأخير». ورأى ان «ما يخطط للبنان أكبر بكثير مما كنا نتصور». ودعا مجلس الوزراء اللبناني العالم الى تحمل مسؤولياته في حماية حق لبنان في بسط سلطته على أرضه.
وتواصلت التحقيقات في التفجير الذي استهدف آليتين اسبانيتين، وشددت مصادر التحقيق على ان سيارة الـ «رينو – رابيد» المفخخة التي استخدمت في العملية فجّرت لاسلكياً من بعد، مستبعدة فرضية الانتحاري فيها. وعلمت «الحياة» ان السيارة دخلت الى لبنان العام 2004، ويجري التأكد من مصدرها وهوية مالكيها من الدوائر المختصة.
وكان وزير الدفاع الاسباني خوسيه انطونيو ألونزو وصل الى بيروت باكراً صباح أمسوانتقل فوراً الى الجنوب يرافقه السفير ميغيل بنيرو بيريا لتفقد مكان الانفجار على طريق الدردارة – الخيام، فيما رفعت القوات الدولية درجة استنفارها. كما زار يرافقه رئيس الشرطة القضائية الاسبانية الذي أشرف على التحقيقات، مقر الكتيبة الاسبانية في بلدة بلاط الجنوبية، حيث وافاه قائد الجيش العماد ميشال سليمان.
واكد الونزو: «نحن مصرون على البقاء في لبنان لاستكمال المهمة التي جئنا من أجلها الى هذا البلد الصديق وهي مهمة تحقيق السلام ومساعدة شعبه في المجالات كافة».
وتدافعت التطورات السياسية والأمنية حول الوضع اللبناني داخلياً وخارجياً في وقت تواصلت الاشتباكات بين الجيش اللبناني ومن تبقى من مسلحي «فتح الإسلام» الذين لجأوا الى المخيم القديم حيث مارسوا عمليات قنص أدت الى استشهاد ضابط برتبة نقيب وعريف من الجيش، ما اضطر الأخير الى الرد بعنف بقصف مواقعهم. وواصلت القوى الأمنية عمليات الدهم في منطقة أبي سمراء في طرابلس حيث أوقفت شخصين إضافيين.
ساركوزي ورايس
وفي باريس، أكد الرئيس الفرنسي لوزيرة الخارجية الأميركية ان فرنسا تسعى الى هدف الادارة الاميركية نفسه، بالنسبة الى تخليص لبنان من تدخلات العناصر الخارجية، حسبما قال الناطق باسم الرئاسة الفرنسية دافيد مارتينون عقب اللقاء الثنائي بينهما أمس.
وأوضح مارتينون ان ساركوزي حرص على طمأنة الجانب الاميركي، الى ان الادارة الاميركية ينبغي ألا تقلق من عودة الحوار مع سورية، لكون شروط معاودته غير متوافرة حالياً.
وعلمت «الحياة» من مصدر فرنسي مطلع ان ساركوزي اعطى تعليمات للسفير الفرنسي في دمشق ميشال دوكلو، لتوجيه رسالة الى المسؤولين السوريين بأن تسلم رئيس جديد للسلطة الفرنسية، يمثل فرصتهم لعودة الحوار إذا توافرت الشروط لذلك. وأشار المصدر الى انه بعد أحداث مخيم نهر البارد واغتيال النائب وليد عيدو، أعطت باريس سفيرها تعليمات أخرى، وأُبلغت الى وزير الخارجية السوري وليد المعلم، ان الشروط لم تتوافر لعودة الحوار نظراً لعدم الاستقرار في لبنان.
وكان اللقاء الذي عقده وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنر مع رايس مساء الأحد، تطرق الى موضوع لبنان وسورية وإيران.
وذكر مصدر فرنسي مطلع لـ «الحياة» ان رايس اكدت للجانب الفرنسي انها لا تعارض مبدأ اجتماع الأطراف اللبنانية في فرنسا، «لكنها مهتمة بأن تكون فرنسا داعمة لقوى 14 آذار وألا تكون عند منتصف الطريق بين هذه القوى والقوى الأخرى الممثلة بـ «حزب الله» و العماد ميشال عون، لكونها تعتبرهما تحت السيطرة السورية». وعبرت عن خيبتها من اتصالاتها مع سورية «لأنها لم تغير تصرفها على رغم كل ما قاله المعلم لها».
وركزت رايس على «التأثير الإيراني السيئ في كل المنطقة»، وعلى الدور السلبي والتخريبي في العراق ولبنان والمناطق الفلسطينية».
وقال كوشنر لرايس ان فكرته «تقضي بتجنيب لبنان كارثة وإيجاد حل سياسي كي لا تعم الفوضى ويتدهور الوضع، وهو ما ليس من مصلحة أحد، ومن هذا المنطلق قرر جمع الأطراف اللبنانية في فرنسا».
وأفادت المصادر ان حديث رايس «تضمن إصراراً على دعم قوى 14 آذار الديموقراطية ودعمها للانتصار، لكنها لم تدل بتصورها حول كيفية توصل هذه القوى الى الانتصار».
وكانت رايس عقدت وكوشنر مؤتمراً صحافياً، سألت خلاله «الحياة» رايس عما تعنيه بالنسبة الى ضرورة توجيه الأسرة الدولية رسالة قوية الى سورية، فأجابت: «ان الرسالة الى سورية موجودة كلها في القرارات 1701 و1559، وان التدخلات الأمنية ينبغي ان تتوقف». وأضافت ان «مستقبل لبنان للبنانيين وجهود التخويف ضدهم وخصوصاً تلك الموجهة ضد الشخصيات اللبنانية ينبغي ألا يكون مسموحاً».
اما بالنسبة الى انقسام لبنان فقالت: «ان الوضع السياسي في لبنان صعب بالطبع وانه كان كذلك منذ عقود، وهناك اليوم حكومة منتخبة ينبغي إفساح المجال أمامها للعمل وهي مدعومة من الأسرة الدولية التي قدمت للبنان 7 بلايين دولار». وتابعت ان فرنسا والولايات المتحدة «على توافق تام حول الموضوع وينبغي الاستمرار في بذل الجهود لمساعدة هذه الديموقراطية لكي تعيش».
اما كوشنر فقال رداً على سؤال «الحياة» عما اذا كان فشل مساعي الجامعة العربية يدفعه الى إرجاء ندوة الحوار بين اللبنانيين، انه لا يجهل دور سورية في لبنان وان الجهود الفرنسية – الاميركية اخرجت القوات السورية منه.
وأضاف: «المعروف أيضاً ان سورية ساهمت في اتفاقية الطائف التي أنهت الحرب اللبنانية». وأكد ان القضية معقدة «ولكن يمكن القول ان تأثير سورية سلبي ولا مجال لمعاودة الحوار معها، ان لم تعط البرهان الملموس على استعدادها للمشاركة في السلام». وأشار الى «إظهار الدعم الفرنسي لحكومة 14 آذار».
الحياة