لم تظهر التحقيقات الرسمية حتى مساء امس ان كانت عملية التفجير المروعة في منطقة الرويس هي انتحارية وإن أشارت “الجديد” الى خلاف ذلك، او انها عملية نفذت عبر سيارة ركنها سائقها في الشارع المزدحم، ثم جرى تفجيرها عن بعد، بانتظار نتائج فحوص الـDNA)). هذا بخلاف ما كشفه وزير الدفاع فايز غصن عن مدبري عملية التفجير في بئر العبد قبل اربعين يوما، اذ نجحت الاجهزة الامنية في الكشف عن بعض اسماء المتورطين من دون القاء القبض عليهم والاستمرار في ملاحقتهم. وقد اجريت في هذا السياق مداهمات في مخيم برج البراجنة قام بها جهاز مخابرات الجيش، وبتنسيق مع قيادة حركة فتح، ويرجح ان تتم مداهمات في اكثر من منطقة بحثا عن المطلوبين. لكن اللافت ان هذه المداهمات أتت بعد الكشف عن اسمائهم من قبل الجهات الرسمية، وبعدما تداول الاعلام اسماءهم.
لم تظهر التحقيقات ايضا، ان المجموعة الملاحقة المتهمة باطلاق الصواريخ وتفجير بئر العبد هي نفسها التي نفذت جريمة التفجير في الرويس، ولم يقل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير في “يوم النصر” عن مجموعة واحدة نفذت جريمتي التفجير، وان كان ادرج التفجيرين في سياق واحد هو “الجماعات التكفيرية” التي تستهدف الآمنين من ابناء الضاحية. وجاء اكتشاف سيارة مركونة في موقف للسيارات في بلدة الناعمة مساء السبت، تحوي 250 كلغ من مواد متفجرة، ولكن غير معدة للتفجير، وتم القبض على اربعة مشتبه بهم بعلاقتهم بهذه السيارة، من قبل جهاز الامن العام، بعد مراقبة الاتصالات الهاتفية.
لم يرافق عملية القبض على هؤلاء اي اشارة الى كونهم ينتمون الى المجموعة نفسها التي اطلقت الصواريخ على الضاحية ونفذت تفجير بئر العبد، كما لم تشر المعلومات المتوفرة الى ان هؤلاء على علاقة بمتفجرة الرويس. وزد على ذلك تحدثت مصادر امنية رسمية عن وجود سبع سيارات مفخخة، تتوافر مواصفاتها ويجري البحث عنها في اكثر من منطقة. وكان وزير الدفاع قبل يومين تحدث عن سيارات معدة للتفجير في الضاحية، وهذا ما يفسر جانبا من الاجراءات المشددة التي اتخذها حزب الله على كل مداخل الضاحية، من خلال عمليات التدقيق في السيارت والناقلات التي تدخل الى احيائها. الى جانب كون هذه الاجراءات تساهم في اضفاء حدّ من الطمأنينة لدى ابناء الضاحية لجهة جهوزية حزب الله لمواجهة خطر تكرار مجزرة الرويس لا قدر الله.
الاسماء التي اشار اليها الوزير غصن كمتهمين بتفجير بئر العبد، من جنسيات لبنانية وفلسطينية وسورية، بعضهم من بلدة عرسال بحسب بيان القيد. وبقلق بلدة عرسال تترقب الايام المقبلة. بعض الاهالي لفتوا الى ان المتهمين (سامر الاطرش، عمر الاطرش، حسين رايد، سامح بريدي) لم يولدوا ولم ينشأوا في عرسال، قدم بعضهم مع النازحين السوريين من بلدة جوسيه السورية قبل اقل من عامين، وهم متوارون منذ قتلهم ظلماً الشباب الاربعة من آل امهز وآل جعفر، وآخر من هذه المجموعة هو عبادى الحجيري ولد وترعرع في مدينة صيدا. خلاصة ما يجمع عليه اهل عرسال في هذا الشأن وغيره، بحسب مصادر فاعلة في البلدة، هو ان البلدة لن تغطي اي مرتكب، مشيرة الى ان المتهمين يجب القاء القبض عليهم، وطالبت مجددا بضرورة ان يبادر الجيش الى ضبط الحدود بين لبنان وسورية.
الجهد الامني على مستوى ملاحقة المتهمين بالتفجيرات، او لجهة الكشف عن سيارات مفخخة قبل تفجيرها، هو جهد واضح وبيّن. ولكن، في المقابل، التأزم السياسي الداخلي الى مزيد: لا اقتراب من تشكيل الحكومة، حزب الله ليس في وارد التنازل عن صيغة حكومية لا يتوفر فيها له ولحلفائه الثلث المعطل، او الا يتضمن بيانها الوزاري معادلة الشعب والجيش والمقاومة، فيما حسم الامين العام لحزب الله نهائيا عدم التراجع عن قتال حزب الله في سورية ضد الجماعات التكفيرية، خصوصا بعدما ثبت لديه ان تفجير الرويس هو من فعل التكفيريين. وهذا ما لاقى ردا من الرئيس سعد الحريري، كشف كم ان المسافة بعيدة بين الرجلين، واعتبر فيه الحريري “ان خطاب السيد يأخذ لبنان الى مزيد من التورط في الحريق السوري”
في موازاة هذا التأزم، بدا النائب وليد جنبلاط الذي لم يتم استقبال موفديه من قبل المسؤولين السعوديين، امام حقيقة ان المرحلة ليست مرحلة حلول او تسويات، وان ايّا من الطرفين اللبنانيين ليس في وارد تقديم تنازلات لتشكيل الحكومة. ووسط هذا الانسداد السياسي والنجاح الامني النسبي، ثمة حقيقة واضحة تزداد رسوخا في الشارع عززها انفجار الرويس، الا وهي زيادة الاحتقان المذهبي، فمثل هذه العمليات الاجرامية، كفيلة بشد العصب المذهبي، وكفيلة بضمان نفوذ القوى المذهبية كل لدى جمهوره. فمئات العمليات الانتحارية في العراق زادت من شعبية رئيس الحكومة نور المالكي وحلفائه لدى الشيعة، وعززت بالنفس الدرجة من نفوذ خصومه لدى السنة، ولبنان ليس بعيدا عن هذا النموذج وهذه النتيجة المدمرة.
alyalamine@gmail.com
البلد