بيروت، خاص “الشفاف”
يُروى أن آخر حكومة لبنانية تشكلت بعد السابع من أيار في العام 2008. الرواية هنا منقولة عن كتاب سيقرأه التلامذة في المدارس بعد عشرة أعوام أو أكثر. هذا الكلام هو لواحد من أكثر المتشائمين بامكان انتاج حكومة لبنانية في ظل الظروف الداخلية والاقليمية والدولية المتقلبة. ولكن هناك متفائلين أكثر من هذا الرجل اذ يعتبرون ان شهر أيار القادم سيكون شهر الحكومة اللبنانية بالكامل من دون تدخلات خارجية لتقويم المسالك، ان لم يتم التشكيل في شباط أو آذار 2010.
إذاًً، انها الحكومة اللبنانية التي يراها أكثر المتفائلين بعيدة من الانطلاق في ظل الظروف الحالية. فلبنان الواقع على مفترق طرق يجعله اشارة حساسية لما يمكن ان يتقدم من سياسة في المنطقة أو يتأخر. ففي حال تشكلت حكومة داخلية من دون التدخلات الاقليمية، أو مع تدخلات خارجية لا تسبب انقلاب الموازين التي انتجتها الانتخابات النيابية، يعني ذلك ان المنطقة دخلت من الباب الواسع للحلول، من حروب “صعدة” في اليمن إلى تفجيرات العراق وما يتصل بملف المصالحة الفلسطينية.
ولكن لماذا لا تتشكل هذه الحكومة وينتهي الفصل الأول من مأساة المنتصرين في الانتخابات، الغائبين عن القدرة على انتاج سلطة أعطاها لهم الدستور والارادة الشعبية المرتبطة بصندوق الانتخابات النيابية؟، أو لماذا لا يستطيع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، سعد الحريري، فرض شروط مفهومه لبناء الدولة وتطويرها وما هي الموانع الواقفة أمامه؟
لا تتشكل الحكومة لأن الظروف الداخلية تجبر الرجل الجديد على موقعه أن يتحمل وجود قوة عسكرية لم يستطع أقوى جيش في المنطقة التغلب عليها، أي الجيش الاسرائيلي. بل صار الاسرائيلي يخاف من الردّ على الصواريخ التي تطلقها المقاومة من الجنوب اللبناني، أي انه يدافع عن حزب الله برفضه اتهامه بصناعة هذه الصواريخ، مع ان كاتيوشا “حولا” الذي أطلق أخيراً يقع في منطقة أمنية تابعة لحزب الله ولا يحدّها أي مخيم فلسطيني أو حتى قرية سنّية، ليتم اتهام تنظيم القاعدة به. منطقة تحت سيطرة حزب الله ومناصريه أي لا يمكن “لإبن مَرَا” كما يقال باللبناني، ان يدخل المكان. وحتى ما عرض في اليوم الثاني للصواريخ المعدة للاطلاق، فهو أمر مضحك. فالاسرائيليون ليلة القصف “الحولاني”، دكّوا منطقة الاطلاق بعدد من قذائف المدفعية، ولكن “الصُدَف الجميلة” لم تصب المنزل الذي انطلقت منه الصواريخ، أي ان الاسرائيليون لم يعودوا يعرفون التصويب بمدفعيتهم، حتى زجاج المنزل لم ينكسر منه شيء، كان الموضوع كله ضحك على لحى القوات الدولية أو ضحك على لحى الشعب اللبناني وإعلامه.
لنعد إلى تشكيل الحكومة. فللحريري شريك في التأليف غير حزب الله، أي العماد ميشال عون، رئيس تكتل التغيير والاصلاح. فالعماد عون مقتنع ان بإمكانه من خلال التفاوض مع الحريري أخذ المواقع الحكومية التي يريدها. فما لم يستطع أخذه من حرب الثامن من أيار 2008 أي رئاسة الجمهورية، يستطيع أخذه حالياً من تشكيلة وزراء تجعله قوياً، يفرض فيها شروطاً مناسبة تؤدي إلى احراج حلفاء الحريري المسيحيين المنتصرين في الانتخابات النيابية، فتخرجهم، فيصير بقوة رئيس جمهورية ان لم يكن أكثر.
فالعماد عون اتكل على سلاح حزب الله الذي كان يسميه “ميليشياوياً” قبل تحالف كنيسة مار مخايل في العام 2006، وسار في ظل حماية هذا السلاح مسيحياً، فصار يفرض الشروط التي يريد على الأكثرية، وهو يدرك ان ما حدث معه في العام 2005 حين تشكيل حكومة الرئيس السنيورة لن يحدث اليوم. فسلاح حزب الله يمنع تشكيل الحكومة ان أراد، ويفرض الشروط المطلوبة، حتى لو بقي لبنان بلا حكومة لمدة عشرة أعوام. والرئيس الحريري مستعجل للتأليف والتشكيل، للبدء بتنفيذ مشروعه الاقتصادي لحماية لبنان من تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية، وخصوصاً بعد دخولها لبنان من شِباك مدير مالية حزب الله صلاح عز الدين.
الشريك الثالث في تأليف الحكومة هو النظام السوري، فهذا النظام وقبل أن يخرج من لبنان بسبب انتفاضة الأرز، عاد من بوابة يوم الثامن من آذار 2005. عاد ضعيفاً لا يقوى على تحريك الظروف، ولكنه الآن وبعد قرابة أربع سنوات ونصف هو سيد القرار في لبنان. يؤلف الحكومة ان أراد أو يمتنع، عودة مظفرة لن يجد لها مثيلاً، فله من الحلفاء ما يزيد كثيراً عن يوم خروجه من لبنان، من “التيار الوطني الحر” إلى باقي الطاقم الذي يرى أن الممانعة هي أفضل السبل لمواجهة التدخل الأميركي الإسرائيلي في المنطقة، ممانعة النظام السوري وليس غيره. وقوة النظام السوري ازدادت في الداخل اللبناني بعد وصول الملك السعودي عبد الله إلى دمشق، مما فتح الباب للأسد التدخل مباشرة بما يحدث في لبنان.
الأكثرية النيابية لا تستطيع أن تؤلف حكومة وحدة وطنية، وهذا واضح للعيان. ولكن الواضح ان هناك من يريد تأديب قوى الأكثرية على تاريخها وعلى علاقتها التي لم يعد بالامكان تدميرها. فخروج وليد جنبلاط من قوى 14 آذار كان مقدراً له أن يجعل من هذه القوى فُتاتاً ومجموعات متناثرة. ولكن الجماهيرية الكبيرة التي تتمتع بها الأكثرية جعلها تتوازن بسرعة مما منع وقوعها أرضاَ، والمانع الأكبر لهذا الوقوع كان بجزء أساسي منه إلى وجود “أمانة عامة” تتلقى الضربات أولاً، ومن ثم يتلقاها الجمهور الذي حدد خياراته بوضوح.
“لا حكومة في لبنان حتى لو نبت الريش على رأس الأكثرية”، هكذا يتحدث عجوزان في الضاحية الجنوبية لبيروت. يؤكدان الموضوع بحكم العارف للمنطق الذي يتحكم بالسياسة اللبنانية. ينتظران ما يجري في المفاوضات الايرانية الدولية ليتحدد مصير اليمن ولبنان وفلسطين والعراق أيضاً. وعن موضوع العلاقات الجدية بين سوريا والسعودية، يضحك الرجلان. فزيارة بشار الأسد إلى جدة كانت من باب العلاقات الودية، ولكن نقاش الملفات العالقة كان في قصر المهاجرين في دمشق، أي أن اللعب كان على أرض خصوم الأكثرية اللبنانية وبحضور أنصار الفريق السعودي وبينهم متضامنون مع نظام آل الأسد أو خائفون من أفعاله الممتدة في العالم العربي من فلسطين إلى العراق وما بينهما من متفجرات حصلت في أماكن لا يعرف منفذيها.
لا حكومة في لبنان حتى لو نبت الريش على رأس الأكثرية، أو لنقل سيكون هناك حكومة في يوم ما في لبنان ولكن ليس بالقريب العاجل، ومن دون أن ينبت الريش على رأس الأكثرية، ولكن حكومة لسوريا فيها القدرة على اللعب والضغط والتوقيف والفرز، حكومة أقل ما يقال فيها معوّقة وغير قادرة على تمرير مشاريع الرئيس الشاب سعد الحريري.
إذاًً، ماذا يحصل لو قام شعب 14 آذار بانتفاضة ثانية، انتفاضة سلمية، ترفض إعادة النظام السوري إلى التدخل بالشأن اللبناني، وترفض للسلاح دوره في تحديد مصير البلد، انتفاضة قد تعود إلى الشارع أو تستعمل أساليب جديدة تختلف عن ما استعمله اللبنانيون في العام 2005 بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري.
قد تنتج قريباً حكومة في لبنان بعد عدة أشهر، ومن الممكن أن ينقصها فريق مسيحي من قوى 14 آذار، أي القوات اللبنانية، ولكن هل يكرر سمير جعجع خطأ ميشال عون في العام 2005، أو ما حصل خلال تحجيم القوات أيام الحكم المباشر للسوريين في العام 1994؟
للبنان شعب يحميه. نعم هذا صحيح، شعب لديه القدرة على التمييز، وكذلك لديه بطريرك ماروني اسمه مار نصر الله بطرس صفير، سيُقال في كتب التاريخ أيضاً أن هذا الرجل ولد في لبنان لمرّة واحدة ولم يخلق في مكانته مثيل له.
oharkous@gmail.com
“لا حكومة في لبنان حتى لو نبت الريش على رأس الأكثرية”
كلام واقعي وتحليل صح ولكن يا أستاذ عمر فاتك شيء في هذه المقالة وهي أن تشكيل الحكومة مرتربطة أيضاًً بالمحكمةالدولية,أما بالنسبة للرد الإسرائيلي في”حولا” فاإسرائيل لا تخاف من أحد لأنها هي التي تختار الوقت والزمان للحرب حتى في طريقة إجرامهاأيضاً والرد كان رسالة واضحة في صندوق بريد “حولا” حتى بأطلاق الصواريخ
أتى من صندوق بريد “حولا”أيضاً دائماً الجنوبي والجنوب يدفع الفاتورة ما بيكفيهون شحار و تعتير ليدفعوا فواتير الأخرين.