في حوار مثمر بمكتبه بالهيئة العامة للكتاب، تساءل المفكر الدكتور وحيد عبد المجيد عما يكون برأيي السبب في صعود الفكر الأصولي، ليس داخل نطاق عالمنا العربي فحسب، بل على مستوى العالم بأسره خاصة في الغرب.
قلت: في ظني أن ذلك عائد إلى فشل المشروع الحداثي الأوروبي على امتداد القرن الماضي. فاستحثني المفكر الكبير أن أضع إجابة أكثر تفصيلاً لهذه العبارة ذائعة الصيت، إجابة تحاول توضيح العوامل التي أدت إلى هذا الفشل، ومن ثم إلى صعود الأصولية من جديد. وكأنما التاريخ يعيد إنتاج نفسه!
من المعروف أن أساس مذهب الأصولية Fundamentalism هو الفهم البروتستانتي للعقيدة المسيحية –الذي انتشر في القرن العشرين وبالذات في أمريكا- ومؤداه أن الكتاب المقدس معصوم من الخطأ، ليس في مسائل العقيدة والأخلاق فحسب، بل وفيما يتعلق بالتاريخ البشري أيضاً، مثل قصة الخلق الواردة في سفر التكوين، ومثل خروج بني إسرائيل من مصر بعد أن أغرق الرب ملكها وجيشها في اليم، ومثل ميلاد السيد المسيح من السيدة العذراء كابن (بيولوجي؟!) للإله الأب، ثم صلب هذا الابن الإلهي وقيامته من الموت. ومن حيث ترفض الأصولية إعمال التأويل لمقاربة العقل والمنطق، فلقد صار على “المؤمنين” أن يتقبلوا هذه “المعارف” حرفياً ودون نقاش.
ولأننا درجنا – طوال أعوام – على طرح الأسئلة الكبيرة بغير ادعاء أن لدينا إجابات نهائيةً وكاملةً عنها، فلقد رأينا أن نقدم “محاولة” للإجابة عن سؤال المفكر الدكتور عبد المجيد. ونقول “محاولة” لكي نحث غيرنا من الكتاب والقراء على الإسهام بمحاولات أخر من أجل إنارة هذا الدغل المظلم، الذي يغطرش بإظلامه على مسيرة الإصلاح في عالمنا العربي (وأعني بهذا الدغل: الركون إلى الجمود المعرفي بيقينه الزائف، وسطحية إجاباته) سيما وأن مطلب الديمقراطية لا يمكن تحقيقه دون التزود بالمعرفة العلمية سواء بأنفسنا أو بالغير.
تعني الديمقراطية في مستواها الفلسفي رفض الجبرية، والإقرار بحرية الإنسان. وتعني على المستوى السياسي: حاكمية الشعب باعتباره مصدر السلطة والتشريع. وأما مظاهرها فتتمحور حول حق التفكير والتعبير، وقيام المؤسسات على مبدأ الانتخاب، بحيث يحكم ممثلو الأغلبية (السياسية وليس الدينية أو العرقية) حكماً قابلاً للتداول. فالأغلبية اصطلاح على شرط تسعى كافة الأحزاب لتحقيقه كي تظفر بالحكم، وحين تفقده تتنازل عن السلطة طواعية لغيرها دون اللجوء إلى القوة.
بهذا المعنى يمكن القول إن فكرة الديمقراطية مازالت جنيناً يتشكل في رحم المجتمعات ما قبل الحداثية Pre-modern (رأسمالية الأطراف) حيث يختلط في الأذهان التسليم للتراتبية المعتادة (أيديولوجية الإقطاع) بالرغبة الوليدة في الحرية والمساواة، أسوة بالعالم المتقدم المعاصر (عالم رأسمالية المركز) بيد أن هذه الرغبة سرعان ما تشحب ويعتري أصحابها اليأس بينما هم يرون عالم المتقدمين يتعرض للتفكيك بسقوط محكياته الكبرى Master-Récites: الليبرالية، التقدم، سيادة العقل، الاشتراكية، الإنسانية.. إلخ فكيف حدث أن قوضت دعائم تلك الأفكار العظيمة التي تستلهما الشعوب في طريق نضالها نحو بناء عالم أفضل؟! وكيف حدث أن تفككت تلك الأفكار الهادية بأيدي صناعها أنفسهم(؟!) مما سمح بصعود الأصوليات تلتهم أنوار الحداثة مثلما تلتهم الثقوب السوداء النجوم والكواكب؟!!
أولاً: سقوط المحكيات الكبرى
1 . الليبرالية Liberty: انفجرت أزمة الرأسمالية فيما يعرف بالكساد العظيم (خلال الأعوام 1929 إلى 1932) ليفتح البشر أعينهم لأول مرة على حقيقة أنهم كانوا ضحايا وَهْمٍ صوّرته لهم الليبرالية (=حرية رأس المال، حرية السوق، حرية العمل) باعتباره الدرب الوحيد المؤدي إلى سعادة الجميع. ففي خلال تلك الأعوام الثلاثة أغلقت المصانع أبوابها، نتيجة لفيض الإنتاج (!) فراح الرجال العاجزون عن العمل والكسب ينتحرون، وتحولت النساء العاجزات عن إطعام أطفالهن إلى احتراف البغاء، وانتشرت عصابات الإجرام في كل مكان تسلب وتنهب وتقتل. الأمر الذي مهد الطريق أمام الفاشية والنازية للوثوب على مواقع السلطة تحت شعار الحرب هي الحل، وشعار فلنضحِ بالأفراد لكي تعيش الدولة. وهكذا عاد مفهوم هيجل عن الدولة الكليانية Totalitarian ليعصف بوهم الحرية في أوربا أثناء الحرب، وفي أمريكا (بالمكارثية) بعدها.
2 . التقدم Progress: أثمرت الحربان العالميتان ثمارهما المُرة التي تجسد الرعب من المستقبل مقابل الاستبشار به في ظل الحداثة الكلاسيكية، فالتحرر والسعادة والسلام الدائم (تبشيرات كوندورسيه) أصبحت جميعاً في حكم الأساطير غير الواقعية، وبذلك اضطرت فكرة “التقدم” إلى اتخاذ مواقع الدفاع إزاء هجوم فيالق اليأس وألوية التشاؤم.
3 . العقل Reason: في ظل المفهوم الفيزيائي النيوتوني Newton القائم على السببية والحتمية، أكدت الحداثة منذ فولتير وكوندورسيه أن الإنسان هو ما يفعله (=الإنسان مخير) وأن العقل قادر على وضع استراتيجية ناجحة يسيطر بها على الوجود والطبيعة وعلى ذاته. غير أن اكتشاف فرويد للمناطق المظلمة في العقل (=العقل الباطن) بجانب نقد نيتشه العنيف للوجوس Logos اليوناني، صار معولاً يحطم صنم العقل المعبود، أضف إلى ذلك إنجازات الفيزياء الحديثة كالنسبية ونظرية الكم ليتبين لك كيف أصبح الشك عارماً في مبدأي السببية Causality، والحتمية Determination وقد كان هذان المبدآن بمثابة السد المنيع أمام الخرافة والأسطورة. وبهذا تحول العقل (الديكارتي الكانطي) إلى مجرد آلية أدائية في إطار آليات السوق الرأسمالي، ومن ثم تراجعت السوسيولوجيا بثرائها العظيم (=المركب غير المنفصم بين الاقتصاد والسياسة والثقافة) لتحل محلها التكنولوجيا قائدة للعقل بدلاً من أن يكون العقل الإنساني قائدها.
4 . الاشتراكية Socialism: لقد كانت الماركسية آخر معقل للمثقف الأوربي بوصفها فلسفة تحرير، بيد أن هذا المعقل ما لبث حتى تهاوى هو الآخر حين تخلت تلك الفلسفة (النقدية) عن دورها في انتقاد بيروقراطية الدولة الاشتراكية (؟) واعتصم فلاسفتها باليقين العقائدي –وهو ما حذر منه ماركس- تبريراً لسياسات ستالين، وهكذا غدت الماركسية في مجال الممارسة Praxis مجرد أيديولوجية دولة قمعية، وتبخرت أحلام لينين التي كرس لها كتابه “الدولة والثورة” جراء اضطراره –بفعل ضغوط الواقع- إلى انتهاج سياسة براجماتية NEP وكانت في جوهرها سياسة دولة رأسمالية بغير رأسماليين. وهكذا راح هنري لوفيفر يندد قائلاً: لقد خان الماركسيون قضيتهم ومنبع إلهامهم، مضيعين على الماركسية حسها الثوري، وطبيعتها المتشككة مقابل يقين زائف مضمونه حتمية انتصار الاشتراكية.
ومقابل نجاح ستالين في تشييد دولة “قومية يسارية عظمى” على أنقاض النمط الإقطاعي القيصري، كان جهاز الدولة القمعي يفتك بملايين المعارضين ما بين قتيل ومشوه ومعتقل ومنفيٍّ في أصقاع سيبيريا. الأمر الذي أطاح بالحلم الاشتراكي في ظل دولة اسمها الحركي: ديكتاتورية البروليتاريا، تخفي به الاسم الحقيقي: دولة البورجوازية البيروقراطية.
5. الإنسانية Humanity: إزاء ما تقدم، حاولت الوجودية أن تُطعِّم الفكر الماركسي بالموقف الإنساني القائم على الحرية والمسئولية تأكيداً لقيمة البشر، إيماناً منها بقدرة الإنسان على صنع مصيره بنفسه. غير أن هذه المحاولة (ذات الطابع البورجوازي الصغير) لم يقيد لها النجاح، حيث وقعت القطيعة بين الوجوديين والرأسماليين الأقحاح من ناحية، ومن أخرى بينهم وبين السوفييت خاصة بعد قمع المجر عام 1956، وغزو تشيكوسلوفاكيا عام 1968. وأما الوجودية ذاتها فقد أفل نجمها بانفجار ثورة مايو/أيار 1968 وظهور المواقفيين Stationalists من الطلاب المرتبطين بالماركسية أكثر من ارتباطهم بالوسطية السارترية (نسبة إلى جان بول سارتر) بغرض القطيعة مع كل المؤسسات البورجوازية بما فيها مؤسسة الفلسفة (التأملية) ذاتها.
ثانياً: صعود الأصولية في الغرب:
فمع فشل ثورة 1968 نتيجة قدرة المجتمع البورجوازي على احتوائها، سطعت في الأفق شمس البنيوية السوداء، تعبيراً عن حاجة المثقفين الفرنسيين إلى فهم النسق System هذا الذي يوجد بينما “الذات” تتلاشى.
لقد توجت البنيوية Structuralism ملكةً على عرش الفلسفة في سبعينات القرن الماضي بحسبانها المنهج العلمي الصارم (وضعية جديدة) الذي يرث الظاهراتية والماركسية والوجودية جميعاً. واضعاً كلاً منها موضع المساءلة، مؤكداً أن البنية هي العلاقات الباطنة الثابتة التي يتقدم فيها الكل على مجموع أجزائه، بحيث لا يفهم هذا الجزء خارج المنظومة الكلية إطلاقاً. وعليه فقد تبدى الإنسان مجرد مفعول به Objectiveوتأسيساً على ذلك أُعلنت البنيوية كفلسفة قوامها الجبرية المطلقة Pre destination فالأولوية للعلاقة ووجود الناس تالٍ في الأهمية، حيث العلاقة هي الموقع البنيوي الذي يعهد للأفراد بالعمل المحدد سلفاً. وبهذا نشلت البنيويةُ كتابَ الثورة من جيب السروال الماركسي لتضعه على رف بعيد في مكتبة التاريخ، مكرسة ماركس نفسه ضمن كتيبتها برتبة “بنيوي عظيم”!!
هذه الفلسفة المشئومة التي أعادت إنتاج زينون الإيلي، والجبرية الدينية القديمة، والوضعية والظاهراتية إنما راحت مياهها تصب في طاحونة المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي المعاصر، ومن هنا جاء تبرم فوكوه وليوتار ودريدا بهذه النزعة وانتقالهم إلى مواقع أبعد Post-structuralism (لنفر إلى الأمام-هكذا صاح رولان بارت) وذلك بأمل تقويض كل بنية وهدم كل سلطة، بما فيها سلطة النص، واللغة، والمؤلف.
غير أن واجب الأمانة يقتضي أن نذكر للبنيوية مساهمتها في تحريك الجمود الفكري لدى الماركسيين الجدد أمثال ليفي ستروس وجولدمان ولوي آلتوسير حيث لفتت أنظارهم إلى أهمية دراسة النسق محاثياً Immanent وكانوا يكتفون بدراسة الشروط الخارجية والتاريخية له دون تحليل باطني للنسق ذاته.
بالنسبة لكلود ليفي ستروس Strauss فلقد أثرى الفكر الماركسي عن البناء الفوقي بتأكيده أن الهيكل البنيوي هو والفعل الإنساني عبارة عن إنتاج للعلاقة الجدلية بين الاثنين، وهو ما قاد البنيوية الشكلية إلى التطور نحو نوع جديد هو البنيوية التوليدية Generative structuralism أو التكوينية عند لوسيان جولدمان.
أما لوي آلتوسير Althusser فقد انتقد رفاقه الماركسيين لانصرافهم بجميعهم إلى العمل السياسي دون أية محاولة فهم للتنظير الإبداعي، مما أفقر الفكر الماركسي، وأبعده كثيراً عن المنهج العلمي في تقدمه وإضافاته وحذفه.. إلخ.
وفي كتابه Pour Marx الذي أفاد فيه من فكرة القطيعة المعرفية لجاستون باشلار، فقد راح آلتوسير يؤكد أن ماركس ليس شخصاً واحداً بل هو اثنان: الأول ماركس الشاب الهيجلي الإنساني الأيدلوجي، وذلك حتى عام 1845. أما ماركس الثاني فهو صاحب الخطاب العلمي الصارم، الذي يؤسس على مفاهيم موضوعية مثل قوى وعلاقات الإنتاج، ومراحل التطور التاريخي التي تمارس دورها في استقلالية عن الأفراد، فالأفراد مجرد حوامل Supports للوعي، ولكن آلتوسير لا يقبل بالتفسير المبتذل للماركسية (التفسير بالاقتصاد وحده) ومن هنا جاء إصراره على دراسة البنية الفوقية بمفهوم فرويدي هو التضافر Overdetermination، ويأتي منهج آلتوسير في هذا السياق معتمداً أيضاً على فكرة السيرورة Processes الذي يوازيه عند سمير أمين قانون النمو المتفاوت المؤدي إلى اختلاف المركز عن الأطراف داخل المنظومة الواحدة.
وهكذا يمكن القول بأن آلتوسير وإن كان قد أعاد الماركسية إلى ساحة العلم، إلا أنه لم يتمكن من حل إشكالية الحرية الإنسانية في عالم كثيف الأبنية والهياكل. بل ربما أسهم في تفاقم هذه المشكلة.
والخلاصة أن إخفاق الحداثة الأوربية في الوصول بمشروعها إلى غايته: الحرية والسلام وسعادة البشر، قد أوجد الاتجاه الناقد لهذه الحداثة والمسمى بـ.. ما بعد الحداثة، وهو اتجاه حاول أن يوسع من مفهوم العقل Reason ليشمل الغرائز وغيرها من الطاقات الحيوية الغامضة، وأن يؤسس لعوالم مختلفة يمكن للمرء الصغير أن يجد فيها نفسه اهتداء بالحكايات الصغرى Petite Récites، وهو أيضاً اتجاه معرفي تجاوز فكرة السببية والحتمية إلى فضاءات التعدد والاحتمال، محاولاً أن يتفهم النوازع المتنوعة عند البشر (الخوف من المجهول، والحلم بالخلود وغير ذلك من المطالب التي يلبيها الدين) فكان حصاد ذلك كله نشوء وضع مختلف، يتميز بالسيولة الكونية والاندياح في أجواء الأساطير والخرافات التي تساعد التكنولوجيا على بعثها بوسائل (علمية؟!) تغاير من حيث الشكل وسائل الخيال البدائي القديم.
… … …
… … …
تلك كانت محاولتنا للإجابة عن تساؤل الصديق المفكر د. وحيد عبد المجيد: لماذا أخفقت الحداثة الأوربية في تحقيق الحلم الإنساني، وكيف انبعثت الأصولية كالعنقاء من بين رمادها المحترق؟
ويبقى أن يحاول هو وغيره من المفكرين المهمومين بقضايا المصير- الإجابة على السؤال التالي: كيف يمكن الخروج من هذه الأزمة، بل من هذه الكارثة الكونية؟
(2) هل الإنسان مسير أم مخير؟
سؤال خاطئ من أساسه. فكلمة الإنسان تعبير مثالي مضلل، وإلا فكيف يمكن وضع السادة والعبيد، الأباطرة والرعايا، الرأسماليين والعمال في سلة واحدة؟!
وثانياً يفترض السؤال حالة سكونية مطلقة يمكن سحبها على التاريخ البشري، بالأحرى على تاريخ مجتمعات ما قبل البشرية الحالي، وكلها مجتمعات يسودها الصراع على الثروة والسلطة، وبذلك تنعدم الحرية فيها مثلما تنعدم لدى السجين والسجان على حد سواء.
الحرية غاية لا تحقق إلا بالنضال حتى الموت من أجل إيجاد مجتمع إنساني حقاً، يتمتع أفراده جميعاً وعلى مستوى العالم كله، بثمار التعاون والتآزر والحب، وهو ما لا يمكن تصوره إلا في المجتمع اللاطبقي حيث يبدأ التاريخ الإنساني عندئذ.
… … …
… … …
لقد فُهم خطأً أن المسيح كان معنياً ببعث أجساد الموتى. والحق أن يسوع رمز لنضال الجنس البشري للتغلب على دمار القلوب وموت الأرواح. فما قيمة إحياء هدفه الأوحد إشباع المطالب الجسدية من طعام وشراب ولذَّاتِ جنس؟! وبرغم كون هذه المطالب ضرورية للتحرر من الجوع والعطش والحرمان العاطفي إلا أنها مجرد خطوة على طريق تحرير الروح. يشير القرآن الكريم إلى هذا المعنى في آية غاية في اللطف تقول: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه) والكدح هنا هو النضال الذي لا يتوقف لترقية الجنس البشري، الكدح هنا هو العمل على تأسيس عالم المساواة والعدالة، وهو الكدح العقلي والروحي للإجابة عن سؤال ذي شقين. الأول: كيف وُجد هذا الكون، وكيف سينتهي؟ وهذا الشق تعمل في حقله الفيزياء والبيولوجيا وسائر العلوم الطبيعية، ثم الشق الثاني: لماذا وُجد وإلى أية غاية يسير؟ ومن أرضية هذا السؤال تنطلق الفلسفة لتحلق في أجواء المعرفة المتجددة.
وإذا كانت إنجازات العلم بمثابة الطاقة الدافعة للفلسفة أن تطير وأن تكتشف المعنى، فإن الفن والأدب هما مرشداها إلى غايتها النبيلة: الحرية.
لقد درجنا –على القول بأن مرجعيتنا ينبغي أن تكون المستقبل وليس الماضي، ولقد يظن قارئنا إننا نهرف بما لا نعلم.. فكيف يمكن “الرجوع” إلى شيء لم يحدث بعد؟
وإجابتنا تستند إلى منجزات الفيزياء الحديثة، حيث نجد توليفة من السيمتريات Symmetries تحيط بالكون المرئي وغير المرئي. وإحدى هذه السيمتريات يلاحظها كل شخص يتجه شمالاً باستمرار إذ يجد نفسه متجهاً إلى الجنوب عبر القطب الشمالي دون أن يعود بظهره إلى الوراء. وكذلك حين يتذكر كيف أثبتت رحلة ماجلان أن الشرق هو الطريق إلى الغرب، والعكس بالعكس. أما على مستوى عالمي الماكرو والميكرو فالمسألة أعقد ولكن غير مستحيل فهمها.
… …
فالـ T. P. C [.[turn.picture.change سيمترية تثبت أن المستقبل هو ماضٍ بالنسبة لكائنات موجودة في كوننا الصغير والكبير. أدر شريط فيلم سينمائي وسترى أن عقب لفافة التبغ يرتد من المطفأة ليصبح سيجارة كاملة في فم الرجل، وأن الكوب الزجاجي المهشم سيبدأ في الالتئام لنراه كوباً سليماً في النهاية.
ولما كان العلم قد اكتشف وجوداً رياضياً لإلكترون ذي شحنة موجبة عكس الإلكترونات التي نعرفها ذات الشحنة السالبة فلقد أصبح لدينا إلكتروناً نقيضاً Anti-electron وصار منطقياً تصور ذرات مضادة Anti-atom وأجسام مضادة، وكوكب نقيض لكوكب الأرض تمضي فيه الأحداث عكس مضيّ أحداثنا. وبالنسبة لسكان ذلك الكوكب فإن المستقبل سيكون بالطبع غير معروف لديهم، مثلنا تماماً. ولكن بالخيال –الذي يستند إلى نظرية علمية كهذه- نستطيع القول إن ما سوف يحدث لنا هو واقع حدث بالنسبة لغيرنا، فمن الذي يرى الكونين معاً في نفس الوقت؟! الإله الخالق؟! نعم، وكذلك سيراه الإنسان الذي تحرر من العبودية، الإنسان الذي تحرر من الاستغلال المادي، الواقع عليه من قبل السادة الأباطرة، اللوردات، الرأسماليين، ومن التضليل الأيديولوجي المحيط به من قبل فلاسفة السلطات والمشرعين الأخلاقيين الجوامد، وأصحاب اليقين المصنوع الزائف.
إن ذلك الإنسان الساعي للتحرر بنضاله ضد كل ما هو مستغِل (بكسر الغين) ومضلِل (بكسر اللام) الزاهد في كل ما هوغير ضروري، وفي نفس الوقت، المتعطش لكل ما هو راقٍ وجميلٍ وحقيقيّ في الحياة؛ إنما هو جدير بأن يقف أمام الإله موقف الصديق والرفيق، مطالباً بحقه في مقابلة، وأغلب الظن أن الإله العظيم لن يبخل عليه بهذه المقابلة.
فهل بعد هذا يصعب تصور المستقبل مرجعيةً لمن يطلب الحرية لنفسه ولشعبه وللبشرية جمعاء؟
tahadyat_thakafya@yahoo.com
كاتب المقال شاعر وكاتب مصرى ، ورئيس تحرير مجلة تحديات ثقافية
كيف التهمت الأصولية ُحداثة َالغرب؟
ربما الإستاد يعاني اضطراب فكري ونفسي في أنينا واحد, لأنة يوجد تضارب واضح بين ما يقول و ما في الواقع, نحن على استعداد تقديم العون, نحن نحب المصريين رغم ا أنة يبدوا لديهم شيء من العنصرية اعني المثقبين (؟) جدا جدا جدا , تواضعوا يا عباد الله شوية, المدح بعضكم لبعض مضر للمصلحة المصرية أولا قبل كل شيء ومن ثمة للعرب والبشرية اجمع , وربما يسبب انفصام نفسي مع الواقع .
كيف التهمت الأصولية ُحداثة َالغرب؟
هل فعلا ان الأصولية – اذا كنت تقصد اصولية دينية – قد التهمت حداثة الغرب و الغرب اصلا يعيش ما بعد الحداثة و ما هي ادلتك على ذلك؟؟
كيف التهمت الأصولية ُحداثة َالغرب؟السببيه و الحتميه،الجبر و الاختيار هي اشكاليات أنتجها العقل محكوما في ذلك فلسفيا بالبحث المجرد ودينيا بالخوف من الادانه الالهيه و أيضا نستطيع أن نضم اليها الأصوليه الدينيه و لكن ينبغي أن نفرق جيدا بين فكر الأصوليه في الاسلام و فكر الأصوليه في المسيحيه بصفه عامه فليس التفسير البروتستانتي للعقيده يمكن أن يتخذ بمفرده أساسا(صحيحا) للحكم علي الأصوليه ،كما ينبغي أن يبين الكاتب الموقر بأكثر وضوحا كيف يمكن أن تكون هناك علاقه مباشره أو غير مباشره بين مذهب سياسي و اقتصادي معين و الأصوليه أيا كانت، و في رأينا أن حريه الاراده و الصلاح الانساني المستمد… قراءة المزيد ..
كيف التهمت الأصولية ُحداثة َالغرب؟ نلاحظ إن بعض مثقفينا العرب من قرء كثيرا فقدوا حقيقة الواقع , يعيشوا داخل الكتابة والقراءة بدون تجربة حياتية واقعية, وهي أكثر أهمية , هم أصبحوا مثل المصور الغير موهوب في فن التصوير , لهدا يقوم بتصوير وتحميض ونسخ وطبع الصور بلا طعم , بلا لون بلا إحساس بسبب جريهم خلف الكم الهش , لديهم التقنية الصحيحة المنظمة فقط , هم بهدى يقدموا صورة مشوه للواقع والحقيقة في مجال التنظير بدون تطبيق , وهم يتصوروا بأنهم يقوموا بعمل ونشاط مهم ومفيد لنا , يجب أولا التوجه إلى الأطباء من اجل تشخيص حالتهم العقلية والصحية ,… قراءة المزيد ..
مقال تأسسي
إذا كان السؤال الصحيح يؤدى إلى إجابة سليمة، فقد كان سؤال د. وحيد سؤالا محفزا لكاتب كبير كي يؤسس لفهم جديد للعالم، وأن يوظف اتساع ثقافته واطلاعه على منجزات العلم والمعرفة، ليس فقط في العلوم الإنسانية بل في إستيعابه للعلوم الأساسية وقدرته على التحليل والتركيب، ليعيد لنا فهم اللحظة التاريخية .
لقد استطاع الشاعر مهدي بندق أن يشرح لنا بقدر قليل من الكلمات اعقد النظريات، ويوضح تسلسل الفكر الفلسفي ويكشف لنا حالة الهيولي والميوعة التي نعيشها، لعل ذلك يكون دليلا لنا لبذل الجهد العلمي وتواصل الحوار بين المفكرين لطرح المزيد من الأسئلة
كيف التهمت الأصولية ُحداثة َالغرب؟
أستاذ مهدى بندق
أتابع كتاباتك الشيقة والمشوقة. وأفيد منها بقدر ما أستمتع بها
فالتحية لك والشكر
كيف التهمت الأصولية ُحداثة َالغرب؟
أستاذ مهدى
أشكرك علي هذا الشرح الوافي لموضوعة الأصولية وكيف التهمت حداثة الغرب
وفي الوقت نفسه أطالبك – مشكورا -بتقسير لماذا لماذا قامت الثورة الإشتراكية في روسياالتي لم تكن أوضاعها – من ناحية الصراع الطبقي – بالسوء الذي كانت عليه الأوضاع في أوربا وأمريكا . هنلك رؤيا ( نيو سفيرا ) للعالم الروسي فيرنا دسكفة
حول هذا الموضوع ، أرجو أن تشرحها لنا ولك مني كل التقدير