(الصورة: العميد ريمون إدّه: أمضى معظم حياته في مكافحة حكم العسكر)
بيان حزب الكتلة الوطنية الذي نشرته “النهار” كان لا بدّ منه حتى لا تبدو الأمور وكأن اللبنانيين باتوا فجأة هواة حكم عسكري، أو هواة حكم يترأسه عسكري. خصوصاً أن الجنرال عون اعتبر ترشيح العماد سليمان إعادة إعتبار للبزة العسكرية! أو كأن لبنان لم “يخضع” خلال 9 سنوات لرئيس عسكري ولاؤه خارج الحدود. وأيضاً، لأن هنالك أسئلة كثيرة لدى اللبنانيين حول الإغتيالات والتفجيرات التي لم تنجح مخابرات الجيش في منع أي منها، وحول الملابسات التي سبقت ورافقت وأعقبت معركة نهر البارد.
لا حاجة للقول أن الكتلة الوطنية تقتفي بذلك آثار عميدها الكبير الراحل، ريمون إدّه، الذي مات مبعداً في باريس في عهد “العماد” إميل لحّود.
*
وفي ما يأتي البيان: “لا ينبغي أبداً أن نقول أبداً، خصوصاً في السياسة اللبنانية. منذ أكثر من عامين أعلنت قوى 14 آذار مجتمعة بوضوح وبصوت عال أنّ الدستور لن يعدّل أبداً وأنّ وصول قائد جيش الى الرئاسة الأولى لن يكون ممكناً بعد الآن. إضافة إلى ذلك، قائد الجيش الحالي كان يُنظر إليه على أنّه المرشّح المفضّل لسوريا. وإذ في صبيحة يوم جميل، يستيقظ اللبناني ويعلم لدى قراءة صحيفته اليومية أنّ هذه الفكرة قد مر عليها الزمن، وأنّ الجنرال موضوع التساؤل أصبح المرشّح المختار من فئة كبيرة من قوى 14 آذار. ومن غير أن نخفي عنكم شيئا، إن بعض “القياديين” في هذا التحالف علموا بالأمر بالطريقة نفسها.
كم كان ذلك الصباح جميلا!
اعتقدت دائمًا الكتلة الوطنية أنّ وطنًا ينشأ على بعض الثوابت والمبادىء. ولطالما قاوم هذا الحزب، غالباً وحيداً، متشبّثا باقتناعاته، بدون أيّ حساب للعواقب الناجمة عن مواقفه. وهو قد دفع الثمن خلال تاريخه بعبوره صحارى سياسية ونفقاً طويلاً.
من هذه الثوابت: عارض حزب الكتلة الوطنية دومًا انتخاب قادة للجيش أو وصولهم ألى السلطة بطريقة أو بأخرى مهما كانوا جيّدين. هذا الموقف المبدئي لم يكن يومًا موجّها خصوصاً ضدّ أي قائد، إنّما كان نابعاً من اقتناع راسخ ومن منطق سياسيّ لا شوائب فيه.
إنّه لمن الخطر خلق سوابق أو تكرار سوابق تسمح لقائد الجيش بأن يحلم بالوصول إلى سدّة الرئاسة إذ إنّه، في موازاة مسؤوليّاته المتعلّقة بالدفاع عن الوطن، قد يسعى من تلقاء نفسه إلى التمركز من اليوم الأوّل لتسلمه مسؤولياته كأنّه يشكّل المرشّح الأنسب لرئاسة الجمهورية، مبيحًا له كل الوسائل الاستثنائيّة لتسهيل مهماته.
فهو أوّلاً سيحصل على دعم الضبّاط، إذ يشكّل الجيش هيئةً منغلقةً تغذّي روح التلاحم بهدف تعزيز ترابط المحاربين عند مواجهة الأخطار والمعارك الطاحنة. إلاّ أنّ هذه الصفات الضرورية على صعيد النشاط العسكري تحمل في طيّاتها أحيانًا نتائج سلبيّة على المستوى السياسي. فمعظم الجنود والضبّاط، كما هو ملحوظ على نطاق كل الجيوش في دول العالم الثالث، مقتنعون بأن وطنيتهم وتعلقهم بالوطن يتخطيان حب المدنيين لبلادهم وتعلقهم بها وينظرون الى السياسيين بازدراء.
قد يعمد قائد الجيش المنتخب رئيساً للبلاد الى منح زملائه في الجيش بعضاً من الامتيازات من اجل كسب ولائهم. بالتالي، تتوثق العلاقات بين العسكريين وقادتهم السابقين. ولكن، من الممكن ان تؤثر هذه الظاهرة سلباً على حرية الاختيار وعلى نتائج العمليات الانتخابية. اما في ما يختص بالانتخابات النيابية، ففي امكان كل رئيس للجمهورية سبق ان شغل منصب قائد الجيش ان يعبئ عشرات آلاف الناخبين اضافة الى عسكريين متقاعدين وعائلاتهم، ناهيكم بالخدمات العديدة التي يمكن الجيش تقديمها للمجتمع على مدى ست (او تسع؟) سنوات بغية مساعدة المرشّح العسكري على كسب تعاطف الناخبين.
وفي الواقع، إنّ الجيش لربّما اليوم هو أكبر ناخب في هذا الوطن.
ويشتدّ الخطر مع تحوّل استخبارات الجيش أداة سياسيّة تخدم الجنرال – الرّئيس. ففي مجرى حديث في باريس قبل ثلاث سنوات مع العماد ميشال عون، قائد الجيش السابق، حذّرني بنفسه من خطورة أجهزة المخابرات. وأفادني أنّ المكتب الثاني كان يتابع عن كثب تحرّكات المعارضين وكلّ من يشكّل خطرًا من أجل كشف نقاط ضعفهم بحيث تُستَخدَم ضدّهم يومًا ما. فالتنصّت والمحاكاة يسمحان باستباق أو إعاقة تصرّف الرجل السياسي. كما أنّ العسكريّين الناشطين والمتقاعدين وعائلاتهم يستطيعون تشكيل شبكة مخبرين تراقب المجتمع.
لقد سبق أن اختبرت شخصيًّا هذه المسألة خلال انتخابات البلديّة الأخيرة التي جرت في جبيل. فكانت كلّ زيارة أقوم بها للمواطنين تقابلها زيارة أخرى يقوم بها أفراد غرباء عن المنطقة يتعقّبونني من أجل التحرّي عن الكلام الذي كنت أقوله، مستدعين الأشخاص الذين كانوا يتأثرون بي، واعدينهم بالافادة إلى أبعد مدى إذا ما غيّروا توجُّههم. إنّ هذه الطريقة المنظّمة والمنتظمة والرامية إلى إعاقة زياراتي لم تأتِ من رجال سياسة منفردين أو من مجموعات محليّة.
إنّ توافر كل هذه الوسائل للجنرال المرشّح للمقعد الرئاسي يجعل من الجيش أداة فعّالة اذا ما استخدمت في الحياة السياسيّة. فهذه الأداة التي لا تكلّف مستخدمها شيئًا تستمدّ تمويلها من كل المكلّفين بمن فيهم بعض السياسيّين. هكذا، لا تقتصر افادة العسكريّين الناشطين في مجال السياسة على أجورهم وتعويضاتهم بل تمتدّ لتطاول التجهيزات والبنى التحتية العسكرية مجّانا لمنافسة المدنيين.
يتجلّى الخطر الثاني على مستوى وصول قائد الجيش إلى سدّة الرئاسة برغبة هذا الأخير في تمديد ولايته كما هي الحال في سائر دول العالم الثالث. فيحكم الرئيس البلاد مدى الحياة ويخلفه ابنه أو أحد أفراد عائلته. إنّ الجيش الذي سمح بوصول هذا القائد إلى الحكم يتكفّل المحافظة على تماسك النظام الذي قد يتحول سلالة حاكمة. ونلاحظ في معظم الحالات تبدلا في مواقف قادة الجيش الذين وصلوا الى سدة الرئاسة وشخصياتهم.
قال كليمنصو ان “العدالة العسكرية بالنسبة الى العدالة هي ما تمثله الموسيقى العسكرية بالنسبة الى الموسيقى”. ان كل خلاف مع عسكري وان على المستوى المدني يعالج امام المحكمة العسكرية حيث يكون القضاة غالبا متساهلين مع البزة العسكرية، وعندما يتسلم قائد الجيش زمام السلطة، تصبح الرقابة المدنية على هذه العدالة العسكرية اكثر هشاشة. علما انه يجب على اي شخص، واقعيا وليس نظريا فحسب، الا يعلو على القانون او على الاجهزة الرقابية.
ان الحجة التي تدفع الى القبول بوصول قائد الجيش الى سدة الرئاسة او الحكومة هي ذات طبيعة امنية. اذ يعتقد بعضهم انه خلال الازمات يشكل وصول الجيش الى الحكم الضمان الوحيد لاعادة القيام بالبلاد. ووفقا لما نراه في معظم دول العالم الثالث، فان كل عسكري يصل الى المنصب الاعلى يعد باحترام المؤسسات وبتنظيم الانتخابات في اسرع وقت ممكن. ولكن، عند حصول الانتخابات، يسخر الجهاز الامني من اجل التأكد ان النتيجة تصب في مصلحة استمراره في الحكم. وتكفي، بهدف الاقناع، مقارنة الحريات واحترام المؤسسات واستقلالية السلطات بين الدول التي يحكمها رؤساء مدنيون ودول يحكمها جنرالات.
يعتقد بعضهم في لبنان اليوم ان وصول قائد الجيش الى سدة الرئاسة قادر وحده على اخراج البلاد من الازمة السياسية التي يتخبط فيها. ولكن، يجب الا ننسى انه خلال السنوات التسع الماضية، كان رئيسنا نفسه قائدا سابقا للجيش. وان القائد الحالي للجيش يشغل منصبه منذ تسع سنوات. لقد قمنا باختبار هذه الصيغة. فهل يمكن القول انها كانت فعالة؟ وماذا عن امننا اليوم؟ هل اننا نتمتع بحماية أكبر؟
ماذا تفعل اجهزة المخابرات التي هي الاكثر تجهيزا من اجل تدارك الارهاب؟ لماذا لم تتمكن من منع عمليات الاغتيال او من كشف مرتكبيها؟ في حين ان لبنان شهد فترة عرف خلالها جهاز المخابرات عندما لم يكن يتعاطى الشان السياسي بفاعليته في توطيد الامن وحمايته. لماذا ضباط المخابرات المسؤولون مباشرة عن مكافحة الارهاب والذين بدوا عاجزين عن افشال الارهاب او اكتشاف المتورطين لا يزالون في مناصبهم ولم يستبدلوا بعسكريين اكثر كفاية؟
ماذا يجري اليوم؟ يعتقد بعض مناصري النظريات التآمرية بوجود تواطؤ بين بعض المسؤولين في الاستخبارات والمجرمين، او بأن بعض اعضاء الاجهزة الاستخباراتية هم قادرون على نشر جو من اختلال الامن من اجل التمهيد لوصول رجل عسكري الى الحكم كما هي الحال في عدد من الدول. من الصعب التصديق ان هذا الامر ينطبق على لبنان. من جهة اخرى، لا يتردد بعضهم في فضح اي نوع من التقصير او من عدم الكفاية الواضحة. فكيف يمكن إلقاء الضوء على أسباب الفشل في ظلّ غياب أيّ تحقيق جدّي حول إخفاقات الجيش وقيادته؟
يُستخدم الانقسام السياسي والطائفي في لبنان لتبرير إبقاء الجيش بعيدًا عن عمل رجال السياسة. لا شكّ في أنّ هذا الإجراء ضروري ولكنّه لا يعني ان على الجيش أن يكون فوق المراقبة المؤسّساتية الدقيقة. في أيّ دولة تمارس الديموقراطيّة الحقيقية، تستطيع لجان التحقيق المختلطة الولوج إلى الوثائق المطلوبة واستجواب الجميع وبالتالي التوصّل إلى فرض العقوبات في حال تبيّن وجود أيّ نقص على مستوى الواجب المهني. فهل تملك الحكومة اللبنانيّة الوسائل الضروريّة للقيام بهذا النوع من المراقبة؟ ومن المسؤول: أهي السلطة المدنيّة أم العسكريّة أم الإثنتان معًا؟
اسئلة
يضعنا بعض مظاهر معركة نهر البارد في موقف مربك وخصوصاً مع استمرار وجود أسئلة عديدة لم توضَّح. وأشعر شخصيًّا، وأتمنّى أن أكون على خطأ، أنّ بعض الجوانب المهمّة قد تمّ التغطية عليه.
• كيف يمكن أن يكون تخزين الذخائر من العيار الثقيل والخفيف قليلاً، ومنذ متى؟ هل علم مجلس الوزراء والحكومات التي سبقته بهذه المشكلة؟ ما هي المسائل التي تصل المعلومات عنها الى الحكومة؟ ما هو مستوى أولويّة تزويد الجيش الذخائر والتجهيزات العسكريّة الأساسيّة في مقابل سائر التجهيزات والأجور والإعانات على مستوى الموازنة العسكريّة؟ كيف تمّ استخدام الذخائر التي تسلمها الجيش على مرّ السّنين؟
• كيف جرت مفاجأة الجيش في هذا الشكل في اليوم الأوّل من اندلاع المعركة؟ لماذا كانت معلومات المكتب الثاني عن تنظيم مخيّم نهر البارد سيئةً الى هذا الحدّ؟
• كيف تمكّن شاكر العبسي من الهرب على رغم الحصار المحكم المفروض من الجيش على مخيّم نهر البارد؟
إنّ هذه الأسئلة وغيرها ليست موجّهة الى القوى المحاربة التي تألّقت بشجاعتها وروح التضحية لديها ونالت إعجاب اللبنانيّين، هي موجّهة إلى الحكومة ولجنة الدفاع اللتَين هما مجبرتان على التحقيق في شكل جدّي في هذه النقاط. فإنّ الشعب والجيش والضبّاط الذين حاربوا، وذكرى من سقط شهيدًا على أرض المعركة ومعاناة من سيحمل طوال حياته آثار هذه الحرب وحزن الأطفال والنساء والأهل والإخوة والأخوات، كلّ ذلك يفرض أجوبة واعتراف بالمسؤوليات.
إنّه لمن المؤسف رؤية إسرائيل، عدوّنا اللّدود، توكل الى لجنةً التحقيق في العمليّات العسكريّة غداة حرب تمّوز 2006 وتنشر نتائج هذا التحقيق. فالمسائل التي تتعلّق بتهديد أمن إسرائيل الداخلي نتيجةً لعمليّة التطهير العرقيّة ضدّ الشعب الفلسطيني تُتابَع من كثب على مستوى هيئات الرقابة. أمّا الضبّاط غير الأكفاء وأصحاب الأخطاء المهنيّة فهم غالباً ما يُفصلون أو يُنقلون. فإن كانت لدينا نيّة العيش وفقاً لنظام ديموقراطيّ، يكون قد حان الوقت لتفعيل مؤسّساتنا وعدم الخوف من مطالبة الحكومة ومجلس النوّاب والجيش بكشف الحقيقة.
ويبقى السؤال الأول الأساسي المطروح اليوم هو: هل سيتغاضى الجيش وأجهزة مخابراته الذين خضعوا طويلاً للوصاية السوريّة عن واجباتهم العسكريّة للاستمرار في التدخّل في الشؤون السياسيّة والاستحقاق الرئاسي؟ والثاني هو: إذا كانت قيادة الجيش لا تستطيع السيطرة على جهاز مخابراتها ومرّرت قلة كفاية هذا الجهاز أو سوء نياته بصمت، أليس هناك مسؤولية خطيرة في إغفال ذلك؟
إنّ الاستقرار السياسي الحقيقي والوحيد في البلاد يعتمد على التوازن بين السلطات واستقلاليتها وخصوصاً على قدرة مجلس النوّاب على مراقبة السلطة التنفيذية والإدارة العامّة. الأمن الوحيد المستدام يأتي بفضل جيش قوي يضمّ ضبّاطاً وجنوداً يركّزون عملهم في شكل حصري على حماية البلاد ويخضعون لإرادة الشعب الممثّلة بمجلس النواب والحكومة.
هذا الموقف سأحافظ عليه حتّى لو كان أفضل صديق لي قائداً للجيش، ولكن ليس هناك ما يمنع أي عسكري أن يعمل في السياسة ويتقدّم إلى أي منصب بعد خلع بزّته العسكرية منذ أمد معقول.
إنّ البرلمان اللبناني هو حصيلة انتخابات حرّة، ويجب القبول بنتيجة اختياره في منصب رئاسة الجمهورية. الديموقراطية هي حرّيّة العمل بكلّ حريّة وفق القوانين وأن نتحمّل مسؤوليّة أفعالنا وأقوالنا. وهذه الحرية تتضمّن الحقّ في ارتكاب بعض الأخطاء بحرية.
غالباً ما يُنتخب رؤساء الجمهوريّة في لبنان مسبقًا، تارةً وفقًا للدستور وطوراً بخرق الدستور وفي الكواليس. وما من أحد يحتاج اليوم إلى إجراء انتخابات، إذ يُعنى مجلس النواب بتعيين شخص يختار هنا أو هناك. في النتيجة، ألا يجدر التخلّص من مجلس النوّاب ومن الحكومة وإفساح المجال أمام مجلس إدارة لحكم البلاد؟
وكما كان يقول كليمنصو أيضاً: بلد ديكتاتوري هو بلد لا نحتاج فيه إلى تمضية الليل أمام شاشات التلفزيون منتظرين نتائج الانتخابات”.
كارلوس إده يضع النقاط على حروف الجيش ومخابراته
الفرق الأساسي بين الرئيس المدني والرئيس الجنرال هو أن الأول أقرب إلى الثعلب , أما الثاني فهو أقرب إلى التيس , وشتان ما بينهما , هل بمقدوركم أيها اللبنانيون أن تنسوا ما فعله بكم تيس الشام الراحل وتيس الشام الوارث وتيس لبنان الذي إنتهى أخيرا تاريخ صلاحيته ؟ فها إني أراكم تبحثون عن تيس جديد لقيادتكم كالقطيع إلى مراعي الأمان والسلامة , هنيئا لكم , مـــــاع مـــــاع مـــــــــــــاع ………..