لندن: منال لطفي
باتت الحوزة العلمية في «قم» اخر ساحة للمواجهة بين الاصلاحيين والمحافظين في إيران، فبعد أسابيع من الحرب الكلامية المتواصلة بين الطرفين والتي شارك فيها أبرز الوجوه السياسية في إيران ومن بينهم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ورئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني والرئيس الايراني السابق محمد خاتمي، ومسؤول الملف النووي السابق حسن روحاني، انتقلت المواجهات الى الحوزة العلمية في مدينة «قم»، لكن هذه المرة لم يقف آيات الله الكبار، المحسوبين تلقائيا على المحافظين، مع محمود احمدي نجاد، بل على العكس وجه عدد من آيات الله انتقادات للرئيس الايراني بسبب سياساته الداخلية ومن بينهم آية الله جوادي املي وحجة الاسلام دوعائي. وكان آية الله حسين منتظري أبرز آيات الله في الحوزة قد انتقد ايضا حكومة احمدي نجاد، ودعا الى حوار مباشر بين طهران وواشنطن، مشبها الحوار بين الطرفين بالحوار بين الاميركيين ومسؤولي الفييتكونغ خلال الحرب الفيتنامية.
وقال آية الله آملي الذي يعد من آيات الله الكبار في الحوزة العلمية والذي له درس معروف في «قم» يحضره آلاف الطلاب ان سياسات احمدي تضر إيران. ونقل عن آملي قوله قبل أيام في الحوزة عن الرئيس الإيراني: «أعمالك الأخيرة عرضت للخطر سمعة الاسلام والقرآن». وقد رفض آية الله آملي دعوة احمدي نجاد لحضور مؤتمر احتفال ديني. ولم يكن آية الله آملي هو المنتقد الوحيد، إذ أن حجة الإسلام دوعائي احد علماء الدين البارزين والذي يلقي صلاة الجمعة في منطقة «شماران» بشمال طهران وجه بدوره انتقادات للرئيس الايراني، في الوقت الذي اثنى فيه على انجازات الرئيس الإيراني السابق ورئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني. وقال دوعائي إن هناك ميلا للتقليل من انجازات رفسنجاني واسهاماته في التطور النووي في إيران. وآية الله جوادي آملي وهو تلميذ آية الله الطباطبائي، وقد درس في فصله أصول الحكومة في الإسلام، وفقه الحكومة الإسلامية. وعلى الرغم من انه يوجد متشددون أو محافظون في الحوزة العلمية في قم والنجف، إلا أن هناك فقهاء وعلماء في الحوزة معتدلون، وينتمون للمدارس الحديثة.
ويعد موقف علماء الدين في «قم» هاما اذ انه يأتي قبل 4 أشهر فقط من الانتخابات التشريعية المقررة في إيران في مارس (آذار) المقبل، فالكثير من الايرانيين المتدينين يصوتون بحسب رأي آية الله والذين يعطون له خمس الذكاة. وكانت شعبية أحمدي نجاد قد تقلصت بين فصيل من علماء الدين المعتدلين في «قم»، مما أدى الى فوز هاشمي رفسنجاني في انتخابات مجلس الخبراء الاخيرة.
ويعتقد أن انتقادات عدد من آيات الله في «قم» لأحمدي نجاد تأتي ردا على الحملة التي شنها الرئيس الإيراني على عدد من كبار الاصلاحيين والبرغماتيين في إيران، وعلى رأسهم رفسنجاني، الذي لمز احمدي نجاد من قناته عندما هاجم علماء الدين الذين جمعوا اموالا من الثورة على حد قوله، والرئيس الاصلاحي السابق محمد خاتمي. كما وصف أحمدي نجاد الاصلاحيين الذين يوجهون انتقادات لسياسات حكومته بالخونة وذلك خلال كلمة له في جامعة العلوم والتكنولوجيا في طهران، كذلك وجه انتقادا لجامعة «آزاد» واتهم رئيسها بالاشتغال بالسياسة، وفهم ان الانتقادات الى جامعة «آزاد» موجهة ضمنا الى رفسنجاني وتياره، اذ ان رفسنجاني عضو في مجلس أمناء جامعة «آزاد»، وهي جامعة خاصة، غير انها تعد أكبر الجامعات الإيرانية، اذ ان بها نحو مليون طالب. وعندما سئل احمدي نجاد في جامعة العلوم والتكنولوجيا لماذا لم يتخذ اجراءات ضد جامعة «آزاد»، رد ان المرشد الاعلى لايران آية الله خامنئي طلب منه الا يزيد تعقيد المشاكل في إيران. وكان المرشد الاعلى لإيران يتدخل في الخلافات بين هاشمي رفسنجاني وأحمدي نجاد، الا ان خامنئي نأي بنفسه خلال الفترة الماضية، وترك الطرفين يتواجهان بشكل مباشر مما ادى الى نقل الصحف الايرانية لكثير من الانتقادات التي وجهها كل طرف للآخر.
وكان آية الله منتظري قد وجه قبل أيام تحذيرات الى المسؤولين الإيرانيين من نشوب حرب مع اميركا، داعيا البلدين الى اجراء «مفاوضات مباشرة» لحل أزمة الملف النووي الايراني في بيان أصدره مكتبه. وقال منتظري في رسالته «هؤلاء السادة (في الحكومة) يريدون الايهام بأن الوضع طبيعي، ويعتقدون ان شيئا لن يتحرك في حال حصول حرب، لكن عليهم ان يعرفوا ان الناس تغيروا ولن يقبلوا بالتوجه الى حقول الالغام من دون طرح اسئلة»، في اشارة الى الحرب العراقية الايرانية (1980 ـ 1988). وتابع «صحيح انه قيل يوما ان الولايات المتحدة غير قادرة على القيام بأي شيء، لكن اذا لم نتصرف بحكمة، واذا حصلت هجمات على اماكن معينة، فإن الناس سيدفعون الثمن».
ودعا منتظري الى اجراء محادثات مباشرة بين ايران والولايات المتحدة لحل المشكلة النووية، وقال «يجب الحؤول دون تضافر الظروف لحصول حرب او هجوم، لا بد من حل المشاكل بالمفاوضات المباشرة». وتابع «اتذكر انه خلال حرب فيتنام، كان الاميركيون يقودون الحرب، وفي الوقت ذاته يفاوضون في باريس مع مسؤولي الفييتكونغ».
(نقلاً عن “الشرق الأوسط”)