حظيت قمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جينبينغ، مؤخرا في مدينة بوسان الكورية الجنوبية، بمتابعة واهتمام كبيرين في مختلف عواصم الدنيا، بسبب تأثير نتائجها على العالم بأسره، انطلاقا مما يشكله البلدان من ثقل سياسي واقتصادي وصناعي وعسكري.
والمعروف أن الخلافات المتصاعدة بين البلدين القطبين في السنوات الأخيرة لم تقتصر على الأمور التجارية، وإنْ كانت التجارة عنوانها الأبرز، وإنما امتدت إلى مسائل أخرى عديدة شملت التكنولوجيا والأمن الإقليمي والتوترات الجيوسياسية والعسكرية وحقوق الإنسان، بل والتنافس على قيادة العالم أيضا. ولهذا فإن لقاء القمة الذي عقد على هامش الإجتماع الثاني والثلاثين لمنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهاديء (أبيك)، جاء في أجواء سادها الحذر والترقب الشديدين، مع بعض التفاؤل الذي أحدثه تصريح لوزير الخزانة الأمريكي “سكوت بيسنت” قبيل عقد القمة حول توصله لإتفاق أولي مع الصين لتهدئة التوترات التجارية الناجمة عن الرسوم الجمركية المتبادلة بين البلدين، وبعض التشاؤم الذي خيم على الأجواء نتيجة لأوامر من ترامب للبنتاغون باستئناف التجارب النووية، وإحياء واشنطن لصفقة أوكوس مع أستراليا لنشر غواصات نووية في المحيط الهاديء، وتعهدها بتسليم كوريا الجنوبية غواصات نووية
وبعد لقاء القمة، وهو الأول بين ترامب وجينبينغ منذ 2019، والذي استغرق نحو ساعتين وسط كيل كل جانب المديح للطرف الآخر والاعراب عن استعداده للتعاون مع نظيره للإرتقاء بالعلاقات البينية خدمة للسلام العالمي والمصالح المشتركة، أعلن الزعيم الصيني عن توصل بلاده إلى توافق مع الولايات المتحدة بشأن القضايا التجارية، بينما أعلن ترامب عن التوصل إلى إتفاق بشأن المعادن النادرة وفول الصويا وبعض الرسوم الجمركية. وبمعنى آخر خرج الزعيمان من قمتهما بهدنة مؤقتة مطولة وليس اتفاقا شاملا.
في التفاصيل، يمكن القول أن البلدين قدما بعض التنازلات من أجل تهدئة التوتر والحرب التجارية بينهما، والتي أثرت على اقتصادات العالم، لكنهما لم يتوصلا إلى حلول للعديد من القضايا الخلافية الأخرى، ما يعني أن هناك حاجة ملحة للمزيد من الإتصالات من أجل اتفاقيات أكثر صلابة، وخاصة لجهة إيجاد أطر قانونية للإستثمار المتبادل والذكاء الإصطناعي وأشباه الموصلات وتطبيقات تيك توك والمعادن الحساسة. والمعروف أنه في مارس 2025، صعّدت الولايات المتحدة خطواتها بإدراج نحو 80 شركة ومنظمة، من بينها 50 شركة صينية، على قائمة الشركات المحظور تعاملها مع الشركات الأمريكية، فردت الصين بفرض قيود على تصدير عناصر معدنية نادرة تدخل في صناعة أشباه الموصلات مثل الغاليوم والجرمانيوم، كما شرعت في 2024 بملاحقة قانونية لشركة نيفيديا الأمريكية بتهمة خرق قانون مكافحة الإحتكار، علما بأن الصين تسيطر على نحو 60% من إنتاج المعادن النادرة في العالم، وتتحكم بما بين 85 و90% من عمليات معالجتها..
من نتائج القمة، إلتزام واشنطن بتخفيض رسومها الجمركية على الصادرات الصينية إلى النصف تقريبا، وتعهدها بتأجيل العقوبات التي فرضتها على عدد كبير من الشركات الصينية لمدة عام، وإلتزام بكين في المقابل بشراء 12 مليون طن متري من فول الصويا هذا العام من الولايات المتحدة، و25 مليون طن كحد أدنى سنويًا خلال السنوات الثلاث المقبلة، فضلا عن كميات من الذرة الرفيعة ومنتجات زراعية أخرى، وتعهدها بتعليق القيود التي فرضتها في 9 أكتوبرعلى صادراتها من بعض المعادن النادرة، وبشراء المزيد من النفط والغاز الأمريكي من ألاسكا (طبقا للبيانات الصينية فإن الصين استوردت آخر كمية من النفط الخام الأمريكي في مايو الماضي، وآخر كمية من الغاز المسال الأمريكي في فبراير الفائت، وهو الشهر الذي فرضت فيه رسوما جمركية انتقامية تراوحت ما بين 10% و15% على منتجات الطاقة الأمريكية).
وأخيرا لا بد من الإشارة إلى أنه، على الرغم مما يردده الصينيون من أن اعتماد بلادهم على الأسواق الأمريكية بات أقل من السابق وأن الدول الآسيوية ودول الإتحاد الأوروبي أصبحت هي شريكهم التجاري الأساسي بعد الحرب الترامبية عليهم وتطبيقهم لما عرف باستراتيجية (Chimna + One) إلا أن الأسواق الأمريكية تظل هي الأكثر جاذبية لهم (بلغت قيمة الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة قبل حربهما التجارية نحو 550 مليار دولار سنويا).
بقي أن نقول أن الجانبين الصيني والأمريكي تحاشيا التطرق إلى خلافاتهما السياسية الكثيرة من أجل إنجاح سعيهما إلى إتفاق تجاري، وإنْ حاول جينبينع استخدام تايوان كورقة ضغط. فهما لم يتطرقا مثلا إلى ملفات مثل: تايوان ومبيعات الأسلحة الأمريكية لها، وتحركات بكين العسكرية في بحر الصين الجنوبي، وأمن المحيطين الهاديء والهندي، والتصاعد المخيف للترسانة الصينية الصاروخية، والتحالف الأمريكي مع اليابان والهند وإستراليا للتصدي لنفوذ الصين.
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي
