إن المتابع لعملية الاختطاف والمدقق في حيثياتها لا بد أن يسجّل الملاحظات والمفارقات والتساؤلات الآتية:
أولاً: عبرت باصات المسافرين منطقة كانت تعيش ثالث أيام حرب حقيقية بين الجيش السوري النظامي والجيش السوري الحرّ الذي حاول اختراق دفاعاتها لدعم ثوار الداخل دون أن يُفلح. فمَن أدخل المسافرين الى هذه المنطقة الساخنة، ولماذا؟ وهل يعقل ألا يعرف سائقو الحافلات أن المنطقة تشهد عمليات عسكرية واسعة، وأن المرور عبرها يشكل خطراً على حياة المسافرين خصوصا وأن بينهم العجزة والنساء والأطفال؟
ثانياً: فيما اختُطف الرجال كلهم ولم يُعفَ منهم سوى بعض العجزة، تمّ اطلاق سراح الرجال الشيعة السوريين الخمسة عشر الذين كانوا في عداد ركاب الحافلتين. فلو أن عملية الاختطاف تمت على خلفية سنية- شيعية هل كان أطلق سراح الشيعة السوريين؟
ثالثاً: كان الخاطفون يحملون لوائح بإسماء المسافرين، مما يطرح علامات استفهام حول الجهة القادرة على الحصول على أسماء المسافرين بالعبور من والى سوريا بهذه الدقة وبهذه السرعة.
رابعاً: لماذا دلّ الخاطفون النسوة الباقيات في الباصات على مفرزة الأمن وطلبوا منهن أن يشتكين فوراً، ولماذا أخبروا اهل المخطوفين عن سبب عملية الاختطاف وعن نيتهم مبادلة المخطوفين اللبنانيين الأحد عشر بأسراهم الثمانية لدى قوات النظام؟ ثم ألم يكن المخطوفون السوريون الشيعة المُطلق سراحهم ليشكلوا ورقة إضافية في يد الخاطفين للضغط على النظام في سوريا لإطلاق سراح أسراهم؟
خامساً: لماذا لم يُعلن الخاطفون عن أنفسهم بعد، ولماذا لم يُطالبوا السلطات السورية حتى الآن بتحرير أسراهم إذا كان هذا سبب عملية الاختطاف كما روى أهالي المخطوفين؟
هذه الملاحظات والتساؤلات تقودنا الى الاستنتاج الآتي:
إن عملية الاختطاف تهدف الى الإيحاء بأن شيعة لبنان مستهدفون بذاتهم من قبل الجيش السوري الحر المنتمي بغالبيته الى الطائفة السنية، مما يؤلّب الطائفة الشيعية ضد معارضي النظام فتترجم غضبها استهدافاً للنازحين السوريين في لبنان – وهذا ما ظهر جليا في كلام المحتجين من أهالي المخطوفين، وكاد ينجح لولا تدارك القيادات اللبنانية على اختلاف مشاربها لخطورة الوضع ولولا عملها على تهدئة الخواطر وعلى لجم الشارع الهائج –.
وقد كان مخططاً لهذه العملية أن تؤدي الى اضطهاد حقيقي للنازحين السوريين بغية تحويل وجودهم في لبنان الى جحيم لا يُطاق فيضطرون الى المغادرة، ويتردد اللبنانيون في إيوائهم وتقديم المساعدات اليهم خوفا من استجرار غضب الشيعة عليهم، وتتوقف عملياً حركة النزوح السوري باتجاه لبنان بسبب الخوف من الإضطهاد والتنكيل.
safihani@hotmail.com
كاتب لبناني