من جنوب لبنان الى النجف، ومنها الى رحاب العالم الاوسع، يواصل العلامة السيد هاني فحص شَغَبَه الحواري محرّضا ومسائلاً، مساجلاً، ومساجَلا مقداما لا يخاف التطرق الى اعقد المسائل واصعبها.
الحديث مع السيد هاني يبدأ ولا ينتهي عند حدود جغرافية او سياسية. تتوغل معه في التاريخ ليستخلص لك العبر والدروس نحو مستقبل افضل.
في الامارات العربية المتحدة التقيته وسألته في احوال الشيعة والعراق ولبنان فكان الحوار التالي:
حاوره كمال ريشا
“الشفّاف”: كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن الحلة الشيعية. هل هناك فعلا حالة شيعية؟ وكيف تصفونها؟
– شأنُ الشيعة في احوالهم المختلفة شأنُ غيرهم من مكونات اي اجتماع في الدنيا او التاريخ، إثنية كانت هذه المكونات او دينية..
وإذا كانت حالة الشيعة بارزة الآن، فإن الحالة او الحالات المسيحية والحالات الاسلامية ليست خافية او خفية، لانه عندما تبرز قضية مكون إجتماعي كمشكلة او إشكالية، يكون هناك حالة إشكالية عامة يشترك فيها سائر المكونات.. الى ذلك فإنه عندما تختفي او تـُخفى حالة دينية او إثنية، فالخفاء او الإخفاء لا يعني عدم وجود مشكلة، بل نفس الخفاء أوالإخفاء هو مشكلة.
الحالة الشيعية الآن بارزة ومتداولة وموضع بحث واستبيان ورصد من زوايا متعددة الاهداف، ايجابية وسلبية. وهذا الرصد ليس جديدا. فمنذ ساد الظن او اليقين لدى مكونات اجتماعنا العربي والاسلامي، ولدى القوى المعادية او الصديقة الطامحة او الطامعة والمشغولة بصراعات إقليمية ودولية على أساس التعارض او التقاطع او التوافق بين انظمة المصالح، هذا اليقين او الظن مضمونه الإقرار بفشل الدولة الحديثة شكلا في جميع مكونات اجتماعها التي كانت الانظمة التقليدية تجمعها بالقصر والاكراه وإخفاء التعدد والاعتراض. ومن الطبيعي، بعد فشل الاحزاب العابرة للاجناس والاديان والمذاهب، ان يذهب الافراد المنتمون طبيعيا او بيولوجيا او وراثيا او عقائديا الى مجموعات مذهبية، ان يذهبوا اليها ملتمسين الانسجام والاحساس بالامان الذي يأتي من رجحان التضامن الداخلي للجماعة على التضامن الوطني غير المحقق.
هناك حالة شيعية، او حالات شيعية. وهناك حالات دينية اخرى مماثلة بنسبة معينة. والفرق بين الحالة الشيعية وما تتمتع به من حيوية ربما كانت فائضة عن قدرة الشيعة على توظيفها او عن قدرة الآخرين على تحملها والتعامل معها. وبين الحالة او الحالات السنية على سبيل المثال، هو ان الحالة الشيعية تقوم في ما تقوم على الخوف من الماضي الذي عانت فيها تهميشا قاسيا احيانا وما زال مستمرا في بعض الحالات، حيث تم التعامل معهم في كثير من الدول على انهم جالية مرفوضة او مشكوك في عقيدتها او ولائها، على الرغم من بعض الادلة على عكس ذلك، مع العلم ان الولاء الشيعي كان يتسرب الى خارج حدود الكيان بسبب عدم احتضان الدول لهم لا في اتجاهات مذهبية ، بل وفي اتجاهات قومية اكثر الاحيان.
فالاكثرية الساحقة من الشيعة كانت مع جمال عبد الناصرلأنه وحدوي، وكانت ضد شاه ايران، لانه معاد للعرب ومتعاون مع اسرائيل، وكانوا مع الثورة الفلسطينية والمقاومة. هذا في حين ان الحالات السنية المعترضة على الواقع سواء كانت متطرفة او ارهابية او معتدلة، تخاف من المستقبل، الذي، ولضرورات الاصلاح والتجديد في اتجاه ديمقراطي، سوف يقتضي او يفرض المشاركة مع كل المكونات، حتى الاقليات، ومن دون استثناء، ومن هنا يفسر التوتر مع الاقليات في كثير من الاقطار.
“الشفّاف”: إزاء ما وصفتموه بالخوف الشيعي من الماضي، كيف ترون الدور الايراني في تظهير الحالة الشيعية عربيا وعالميا؟
– هذا الخوف الشيعي من الماضي توافق مع حصول مستجد، هو الثورة والدولة في ايران والتي، وان كانت دولة وطنية ايرانية في الواقع وفي الحقيقة، فإنها تتسلح بشيعيتها من اجل تصليب العصبية حولها، وبإسلاميتها او دينيّتها من اجل ان تسوّغ حركتها، وتحل عقدتها المتمثلة في شيعيتها وفارسيتها. فتمددها الى اهم قضية عربية سنية بامتياز، وهي القضية الفلسطينية، لترفع التهمة في لحظة تخلٍّ عربي عن فلسطين، بدأ مع احتلال لبنان عام الف وتسعمئة واثنين وثمانين، ما افسح المجال لايران ان تلعب في المكان الفارغ، مستخدمة موقعها العقائدي والاسلامي والشيعي وأموالها والمرجعية الدينية الشيعية المنافسة لمرجعية النجف والراجحة عليها بسبب حصار النظام العراقي السابق للنجف ومرجعيتها وسعيه الى تقويضها، لحظة كانت قُم تنهض مع الثورة والدولة ودورهما فيها، وحاجة الدولة اليها لانتاج غطائها الايديولوجي. وقد مكّن ذلك ايران من تجاوز الانقسام السني معها وعليها بعد الحرب العراقية الايرانية، وصل الى حد انقسام السنة بسبب المقاومة وظهور عصبية سنية اوسع من حزب الله وايران. وبذلك تقدم ايران للشيعة في العالم وفي العالم العربي خصوصا نموذجا شيعيا يجري بناؤه بصبر، وفي حالة من الارباك والانقسام العربي المترافق مع اقطار عربية معينة على نظام مصالحها من ايران ما يجعلها منحازة علنا او متفاهمة سرا مع ايران في الاتجاه الذي تريده ايران، اي تنشيط الشيعة في البلاد العربية وغيرها من اجل ان يتحولوا الى قوة تفرض نفسها على الدولة بقوة، في جو من تحالفات مع قسم من الطوائف الاخرى، وخلاف شديد وصراع مع قسم آخر، لبنان مثلا. وهذا يَعِد بنقل التجربة اللبنانية الى البلدان التي فيها اقليات او اكثريات شيعية وصولا الى العراق.
“الشفّاف”: هناك حالات حكم في الدول العربية حيث يستلم الشيعة الحكم ، على غرار العراق، او لبنان حيث يقبض الشيعة على خناق الحكم بطريقة غير مباشرة. كيف ترون ممارسة الشيعة في السلطة؟
– لا بد من العناية بالوضع العراقي وعلاقته بايران. هذه العلاقة لا يمكن تبسيطها، والحل فيها هو المزيد من رفع الوعي الشيعي بالمصلحة الشيعية، على ان يكون الوضع الوطني العراقي الوحدوي هو الضمانة للجميع، وفي مقدمتهم الشيعة، منعا لتفكير الشيعة بالثأر والاستئثار بالعراق مما سيحولهم الى اقلية عربية وملعب لايران تلعب فيه بسهولة.
وعلى هذا المستوى يمكن لمجموع تفاهمات عميقة وصادقة ومسؤولة بين الدول العربية والعراق عموما وشيعة العراق خصوصا، وفي المجالات السياسية والامنية والاقتصادية والادارية، ان تمكن العراقيين من الضغط على ايران لالزامها بان يتحول نفوذها في العراق عبر الشيعة وعبر انصارها من السنة الى دور متكامل بالشروط التي يوفرها الاحتضان العربي القوي للعراق، كل العراق، الذي ينتقل وإن بطيئا من شبهة ان الارهاب طائفي الى واقع ان الارهاب هو ضد الدولة وجودا واستمرارا.
وهذه التفاهمات العربية العراقية العربية تستلزم تفاهمات عراقية عالمية وخاصة مع اوروبا وبصورة اخص مع الولايات المتحدة التي يخشى ان تستمر حماقاتها في أدائها العراقي وأن تعمل بطريقة تؤدي الى تفويض ايران بالشأن الشيعي من ضمن الصفقات التي يتوقع ان تتحقق، امتدادا الى لبنان وتجديد التفويض السوري ما يعني تحويل النفوذ الايراني الى واقع مهيمن وغلبة دائمة.
“الشفّاف”: الحد من النفوذ الشيعي يعني الاصطدام بمشاريع من مثل مشروع حزب الله؟ ام ان لكم رأياً مختلفاً؟
– هذا الكلام لا يريد ان يقترح مشروعا لتقويض حزب الله واسقاطه او إسقاط ايران. وإن كان هناك طرح من هذا النوع فهو وهم قاتل، لان حزب الله قوي ومستند الى انجاز ويجب تشجيعه على تسييل قوته وإنجازه في مشروع وطني يحفظ الجميع. لان القبض على لبنان من قبل حزب الله هو مقدمة لخراب الحزب والشيعة ولبنان كما تقول كل محطات الغلبة النسبية التي تحققت لبعض الاطراف في لبنان، وظن انها مطلقة ودائمة.
الى ذلك لا بد من مشروع عربي ثقافي وسياسي وتنموي للبنان لتصليب وضعه، حتى يستطيع ان يتلقى المؤثرات الايرانية بشروط داخلية توطنها، بدلا من من ان يبقى لبنان منصة ايرانية تخاطب ايران العالم من خلاله لتحقيق مصالحها. وهذا يعتمد اولا على شروط الداخل اللبناني وعلى حركة المصالحة التي تمكّن الجميع ان يعملوا معا وفي اتجاهات متعددة ولو متعارضة، بدل ان تكون متصارعة. وإنه لمضر بلبنان ان يبقى العماد عون وحده لاعبا في الساحة اللبنانية الايرانية كمسيحي. وحتى يتمكن الآخرون ان يلعبوا بجدارة وتأثير، عليهم ان ينطلقوا من ان الحضور الايراني في لبنان مسألة معقدة تحتاج الى عقل مركّب، وان ايران ليست من الضعف بحيث يمكن ملاحقتها من مكان الى مكان، خاصة وان هناك شكا بوجود مشروع اميركي او غربي حقيقي ضد ايران، بل ربما كان هناك تواطوء على تمرير المشروع النووي الايراني طموحا الى نقل الصراع من حوض المتوسط الى حوض بحر قزوين، ما يعني ان الغرب قد يرضى بكل شيء في المنطقة ومنه ايكال لبنان الى سوريا عبر الشيعة وحزب الله اولا، ومع فرقاء فرعيين من الفرقاء الآخرين، إذا ما انتهى المسار السوري الاسرائيلي الى نتيجة تحفظ سلامة اسرائيل وأمنها بما في ذلك العودة الى التعامل مع الاعتدال الفلسطيني، او التطرف، من اجل تقديم شيء ما الى الفلسطينيين لا يحل المشكلة ولكن يخفف من سخونتها ويؤجل انفجار صراع جديد الى زمن تكون المعادلة الدولية على طريق الحرير قد اتضحت مؤشراتها. وهذا يعني وجوب انتظار حوالي عقدين من الزمن، تكون ايران فيهما قد قويت اكثر، وإن كانت داخلة في حالة صراعية او تنافسية معقدة داخليا، وتكون الدول العربية قد بقيت على قلقها بسبب ضعف التقليد وصعوبة الاصلاح، ويتحول الوضع الشيعي في لبنان الى مدعاة ومشجّع لحراك شيعي في الدول العربية- الخليج، وهذا امر مقلق ومزعج ومضر للشيعة وغيرهم، إلا إذا وضعت دول الخليج خطة لاستيعاب الشيعة بإشراكهم في فرص الدولة وتدريجيا على أساس الولاء الوطني، وتعميقه على أساس الكفاءة والدولة الحاضنة الجامعة. وإلا فإن الحالة الشيعية الراهنة مرشحة لان تصبح حالة سنية على النمط الشيعي. وإذا كان هناك من حركة تشييع، فإن استعداد الكثير من السنة الى اتباع المسلك الشيعي فقهيا وسياسيا اكثر بكثير، وهذا يعني إضافة عنصر اشد تعقيدا الى الصراعات الدينية في المنطقة.
“الشفّاف”: كيف ترون السبيل الى إزالة سوء الفهم التاريخي هذا؟
ج: لا بد من تنشيط حركة التقارب بين المسلمين بعيدا عن مساوىء وسلبيات التجربة في هذا المجال والتي ما زال القائمون بها على حالهم من التكاذب وإعادة إنتاج اسباب استمرار الازمة وانفجارها. ويستدعي ايكال هذه المسألة، إضافة المجتمع الذي ينتجها على اساس المصالح والقيم المشتركة، الى العلماء المدنيين ومعهم علماء دينيون مدنيون ايضا، والى الاجيال الشابة التي هي معنية بالعيش المشترك من خلال المشروع التنموي المشترك، وهي على حال من المعرفة الجديدة غير المسكونة بذاكرة الثأر، وهي عرضة لنوع من الدعوة التي تقوم على إحياء ذكريات الصراع من اجل تجديدها.
إننا في حاجة الى تكوين ورش معرفية من اشخاص ذوي كفاءة علمية ومن اعمار وسيطة وشبابية ومن حساسيات وتجارب ومناطق مختلفة (كتلة تاريخية) تحرر المساحات المشتركة وتضبط الاختلافات وتتحول الى اعمال ميدانية تنقل الحوار من مستواه الفكري الى مستواه الحياتي، وتنفتح على الآخر، كل آخر، من مسيحي ويهودي وغربي، لأن هؤلاء شروط لأي حوار داخلي. على ان تكون الورش متعددة ومتداخلة. فالورشة الشيعية تنتج معرفة جديدة بالحالة الشيعية، باسلوب مشترك، وكذلك الورشة السنية وغيرها، ويلتقي الجميع على تداول وتبادل المعرفة والخبرة والعمل في المساحة المشتركة بشكل مشترك مع التعاون في ما بينهم على شؤونهم الخاصة.
قبض حزب الله على لبنان هو مقدمة لخراب الحزب والشيعة ولبنانيواصل شتم السعودية ويعلن عن وظائف فيها! فارس بن حزام عند فرز التيارات والأحزاب اللبنانية في العلاقة مع السعودية منذ الحرب الأهلية، يمكن القول إن الجميع شهد تحولاً وتبدلاً إلا تياراً واحداً، هو “التيار الوطني الحر”، لمالكه الجنرال المقاعد ميشال عون، فمنذ صعوده وهو يقف موقفاً مضاداً للسياسة السعودية إلى يومنا، وهو من أبسط حقوقه السياسية. الزعيم المسيحي، الذي بدل مواقفه من الجميع ما عدا السعودية، لا يتحرج من وضع إعلانات تجارية في موقعه الإلكتروني عن فرص وظيفية في السعودية. وهنا تتجلى الأخلاق؛ أن تشتم من يفتح باب الرزق أمام… قراءة المزيد ..