في مثل هذه الأيام وقبل 27 سنة، كانت هناك مجزرة ذهب ضحيتها المئات من اللبنانيين في طرابلس، نُفّذت بليل ومرت بصمت، فمنفّذها بطّاش محترف وابن سوق. سطوته الأمنية وسيطرته العامّة التي امتدت قرابة ثلاثين عاماً منعت انتشار خبرها، وامتنع على الناس الحديث بها وعنها لسبب أو آخر، حتى أنه لم يجرؤ أحد في لبنان على نشر تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر بعدها في “الشفّاف” موثِّقاً لبعض حقائق ما كان من تلك الأعمال الوحشية.
فأقدار هذه المدينة القابعة في شمال لبنان جعلت من منطقة باب التبّانة فيها مأوىً لفقراء المدينة وملاذاً لمعتّريها، وباتت لسبب أو آخر أحد أضعف مناطقها الدينية والطبقية واتجاهاتها الحزبية والأيدلوجية وخصوصاً منها اليسارية والعروبية الجاهزة على الدوام للاشتعال. ولأمر ما، فإن منطقة باب التبّانة بحواريها الضيّقة وزواريب فقرها، وعت في سبعينات القرن الماضي على ظاهرة يسارية راديكالية ناصرية من أصل فلسطيني، اسمها علي عكّاوي، ظهرت كزعامة شعبية تميّزت بالانتصار للمظلومين والمعتّرين وحملت همومهم، فكانت في بعض أحيانها تمارس بعض أعمال العنف والتطرف وسطوته تحت هذه المسؤولية. زاد من قوة هذه الزعامة انتماؤها للمقاومة الفلسطينية التي نشأت في تلك الفترة، فجعلت من المدينة ومخيّماتها وباب التبانة فيها أحد أهم معاقلها، فكان أبناؤها من أوائل من تطوعوا للقتال في صفوفها، وإنما تعقيدات الوضع اللبناني بعمومه وخصوصيات باب التبانة بناسه وزعاماته، وممارسة أعمال عنف واعتداءات في عموم المنطقة وجوارها، تسببت بإشاعة التوتر فيها، الذي دفع بالجهات الرسمية إلى اعتقال علي عكاوي، جيفارا باب التبانة كأهمهم، ومن ثمّ وفاته في السجن لاحقاً.
وريث هذه الزعامة مع بداية الحرب الأهلية اللبنانية 1975 ودخول القوات السورية لاحقاً إلى لبنان، كان هو أخوه، خليل عكّاوي (أبوعربي) الذي كان لتوّه قد أكمل العقد الثاني من عمره، والذي آلت إليه فيما بعد قيادة الحراك السياسي في باب التبانة، معتمداً على يسارية راديكالية تأسلمت فيما بعد لمستجدات وأسباب عديدة، والتي لم تلبث أن تحولت إلى حركة مقاومة مسلحة قادها إليها ظلم المخابرات السورية وبطشها، جعلت فيما بعد من باب التبانة مع منظمات المقاومة الفلسطينية ومخيّماتها قلعة عصية على مدى سنوات، أدخلتها في حرب مفتوحة مع القوات السورية، كانت أخطر مراحلها ماعرف بحصار طرابلس والمقاومة فيها.
بدأ حصار القوات السورية لمدينة طرابلس عام 1983 في وقت كانت فيه القوات الإسرائلية تحاصرها من طرف البحر، وتركيزه الرئيس على منطقة باب التبّانة، حيث كان ياسر عرفات يتحصن في المدينة ومخيّماتها ومعه العديد من فصائل الثورة الفلسطينية ومقاتليها. وهو حصار كانت أحد أهم أهدافه السيطرة على القرار الرسمي للثورة الفلسطيني وإخضاعه للسلطة السورية، والاستعانة لذلك بعمل الانشقاقات فيها، كما كانت فيه قذائف القوات المحاصِرة إضافةً للميليشيات والأحزاب التي معها لاتستحيي أن تتساقط حيناً وتنهمر أحياناً على البيوت والأسواق والمخيمات كل يوم، إلى أن انتهى عملياً بدخول القوات السورية المدينة في خريف عام 1985 بعد اتفاق رعته إيران، بين ما تبقى من حركة التوحيد الإسلامي وبين القيادة السورية وعلويي جبل محسن من جهة أخرى.
ثم جاءت فيما بعد جريمة اغتيال خليل عكاوي (أبو عربي) في 6 شباط/فبراير من عام 1986 على يد الأجهزة الأمنية السورية التي نصبت له كمينا في طريق عودته من اجتماع لحركة التوحيد الإسلامي التي كان يشكل مع مجموعته فيها عمودها الفقري، وهي عملية انتهت إلى جعل حركة التوحيد أداة بيد السوريين والإيرانيين، وكانت بمثابة التمهيد لارتكاب أحد أفظع المجازر التي شهدها لبنان قبيل انتهاء العام نفسه ومابعده.
ثم جاء مصرع عدد من الجنود السورين فيما ذكر وقتها نتيجة هجوم شنّه رجال ميليشيات مسلّحون على حواجز تفتيش سورية في مدينة طرابلس بتاريخ 19 كانون الأول/ديسمبر 1986 ، فكان الفرصة المواتية التي تنتظرها قوات الأسد وشبيحته، فقامت في اليوم التالي مباشرة ومعها رجال المغاوير/الوحدات الخاصة التي كان يرأسها علي حيدر ويساعدهم عناصر من ميليشيات الحزب العربي الديمقراطي (الفرسان الحمر)(العلوي) الذي يرأسه علي عيد وغيرهم من شبيحة البعث والقوميين السوريين وأحمد جبريل وفتح الانتفاضة، بإغلاق منافذ منطقة التبانة كاملاً، بزعم البحث عن رجال ميليشيات حركة التوحيد الإسلامية السنّية التي ذّكر بأنها مسؤولة عن الهجوم.
استخدمت هذه القوات خلال قيامها بعمليات التفتيش من بيت إلى بيت المدافع الرشاشة والقنابل اليدوية المقذوفة صاروخياً والدبابات. كما قامت خلالها هذه القوات بجرّ مدنيين عزلٍ إلى خارج بيوتهم وأعدمتهم في الشوارع والأزقة، ورمت ببعضهم من النوافذ إلى الطرقات، كما جرى تفجير بعض العمارات، وعمّ القتل معظم مناطق التبانة بشكل وحشي، وصل حداً لم يسمح فيه للأهالي بأخذ قتلاهم ودفنهم، بل إن بعضهم أحجم عن التعرف على جثث ضحاياهم من التي جرى نقلها فيما بعد إلى ثلاجات المشافي أو المطالبة بها خشية التعريف بأنفسهم أمام موظفي المخابرات السورية الموجودين في المستشفى فيقتلوهم. وبالمناسبة، لم تنس القوات السورية من عمل تعتيم إعلامي على مجازرها بمنع رجال الصحافة من الدخول وحتى سيارات الإسعاف.
هذا ولم تكد تنتهي القوات السورية ومن معها من حلفائها من مجازر مدينة طرابلس واستباحتها، حتى وسّعت نطاق عملياتها لتشمل قرى سهل عكار وإقليم الضنية إلى الشمال والشرق من طرابلس وقامت هذه القوات، بدباباتها ومركباتها، بإنشاء متاريس وحواجز عند الطرق المؤدية إلى كل هذه القرى والبلدات، ثم امتدت أيضاً لتشمل قرى السهل الساحلي شمالي المدينة، إلى أن توقفت هذه الحملة في 3 كانون الثاني 1987 مع تمام أسبوعين على بدايتها، كتبت عنهما منظمة العفو الدولية في حينها تقريراً تحت عنوان: لبنان، اعتقالات تعسّفية واختفاءات وإعدامات غير قانونية من قبل القوات السورية والقوات الموالية لها في طرابلس، ذكرت فيه بناء على بيانات تلقتها وأنباء صحفية معتمِدة على روايات شهود من عمال المستشفيات ورجال الإنقاذ في طرابلس، أن عدد القتلى وصل إلى مئتين ونيف، في حين أن التقديرات غير الرسمية أشارت إلى أن العدد مابين 600 إلى 700 قتيل. دفن الكثير منهم في قبور جماعية في أماكن مختلفة بل وذُكر أن بعضها وجد في مرمى نفايات المدينة.
لا ينسى أهل طرابلس ومن حولها ضحايا مجازر تلك الأيام السوداء التي قامت بها قوات عصابات الأسد وعناصر مخابراته قبل سبع وعشرين عاماً بإشراف محمد الشعار (وزير الداخلية الحالي) مسؤول الاستخبارات وقتها في منطقة طرابس والذي سمّاه بعضهم جزّار طرابلس، وبعضهم الآخر لقّبه بكلب طرابلس متهمين إياه ومن معه من الأعوان والشبيحة بجرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي، كانت أشبه مايكون بمجازر مخيمات صبرا وشاتيلا، سقط فيها حسب مصادر لبنانية أكثر من 700 قتيل. كما لن ينسوا معتقليهم ومفقوديهم ممن لا يعلمون عن مصيرهم شيئاً حتى يومنا، وهم يتطلّعون إلى اليوم الذي يُساق فيه المجرمون والجزّارون إلى ساحات المحاكم الدولية لينالوا جزاء جرائمهم ومجازرهم.
وأخيراً، فمن مجازر السجون السورية وأهمها تدمر وصيدنايا، إلى مجازر مدنٍ منها حماة وحلب وجسر الشغور إلى مجازر طرابلس وصيدنايا وغيرها من المجازر التي باتت عصيّة على العدّ والحصر، ولاسيما في السنوات الثلاثة الأخيرة التي بلغت ضحاياها بمئات الألوف، والتي تعني بحسبة بسيطة أن معدل القتل الأسدي الشهري للسوريين خلال أربعة عقود مضت، وعلى اختلاف أنواع القتل هو قرابة ألف شخص شهرياً، وهو مايؤكد أن السوريين محكومون بنظام فاشي قاتل، وأن بشار بن أبيه جزّار بن جزّار، وأن كلاهما بطّاش محترف وغاية في التوحش.
cbc@hotmailme.com
قاتل السوريين بطّاش محترف: طرابلس ١٩٨٦ نموذجاً
الى الارهابي الروسي لافروف وبوتين المافياوي وايران الصفوية قوب كالحجارة بل اشد قسوة الم تشاهد ماذا فعل النظام الارهابي السوري بالطبيب البريطاني واكثر من 200 الف مدني بري وايضا براميل متفجرة وسكود ثم تدافع عن النظام السوري الارهابي السرطاني الخبيث الفاسد الذي يقتل شعبه ويلكم من انتقام التاريخ والشعوب انها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب