يطغى إحتمال نشوب حرب جديدة بين إسرائيل وحزب الله على أخبار الثورات العربية لدى سكان مناطق الجنوب اللبناني. فبعد الخارطة الجوية لنحو 1000 موقع عسكري لحزب الله ، ينتشر معظمها جنوب نهر الليطاني وشماله، التي كشف عنها الجيش الإسرائيلي مؤخرا، تصاعد الحديث عن حرب تلوح في الأفق القريب.
وهذا، بعد أن كانت مناطق الجنوب تعيش فترة استراحة نسبية، كون قادة المقاومة نقلوا ثقلهم إلى الداخل، ووجهوا فوهات بنادقهم السياسية إلى شركائهم في الوطن، وانصرفوا إلى تحصين متاريسهم الداخلية والتصويب عبرها على ما تبقى من شراكة ومشاركة. وكما انقلبوا على حكومة الوحدة الوطنية، انقلبوا كذلك على الشعارات التي كانت سببا في تفردهم واستحواذهم على القرارات المصيرية في لبنان. فمنذ انشغال حزب الله بعزل رئيس الحكومة سعد الحريري والتصميم على تركيب وجه آخر مكانه من صلب طائفته، ثم دخوله في لعبة تحديد الأحجام واختيار الأسماء، في التشكيلة الوزارية التي لم تبصر النور بعد، والسعي إلى إرضاء حلفائه ذوي الشهية المفتوحة أو الشهوة العارمة للإستئثار بالسلطة، والحدود مع إسرائيل تعيش أحلى أيامها وأكثرها استقرار وهدوء!
وبزيارة بسيطة إلى الحدود اللبنانية مع فلسطين، يستطيع المراقب أن يتأكد أن أعداءه ينعمون بهدوء لم يشهدوه من قبل، من خلال الحركة اللامبالية لسكان المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الحدود اللبنانية، الذين طردوا القلق من حساباتهم على ما يبدو.
غير ذلك، فما ورد أن إسرائيل دفعت بهذه الخارطة الجوية و كأنها تريد أن تأخذ إذنا دوليا مسبقا لحربها المقبلة ضد لبنان، هو كلام غير دقيق! فإسرائيل عادة ما تحاول من خلال هذه الأخبار والمزاعم التهويل وإقناع الغرب أنها في دائرة الإستهداف الدائم، من أجل الحصول على مكتسبات إضافية. كما أنها لا تنتظر إذنا من أحد في حال قررت شن أي حرب من حروبها. إضافة إلى أن حزب الله من جهته، يبدو أنه لا يريد الدخول في حرب جديدة، حاليا على الأقل. وسوف يرجئها إلى أن يتم له الحصول على موطئ قدم ثابت له في الداخل، أي أنه لن يدخل في أي حرب قبل تشكيل حكومته العتيدة. وحسب ما يشاع، فإن حزب الله يعمل بكل طاقاته على تذليل كل العقبات التي تقف بوجه تشكيل الحكومة، ولو كان ذلك على حسابه الخاص. ويقال أن حزب الله سوف يتخلى عن كل حصصه الوزارية لصالح حلفائه، أو أنه سيحتفظ لنفسه بوزير واحد في أحسن الأحوال. وهو يرسم من خلال هذا التصرف أن يضرب عصفورين بحجر واحد، أولا: إرضاء الغيلان التي يربيها في مزرعته، وثانيا: إغراقهم بصنيعه الحسن، ليؤمنوا له تغطية سياسية خلفية، إذا ما أدخل البلد لاحقا في حرب جديدة.
ويتردد في الجنوب أن وضع حزب الله الإستراتيجي لن يكون على ما يرام في هذه الحرب التي يعد لها الطرفان منذ حرب تموز.
فمناطق جنوب النهر والتي تدخل ضمن عمل قوات الطوارئ، لن يكون باستطاعة حزب الله التنقل فيها بحرية وتحويلها إلى ساحة حرب رئيسية كما حصل في حرب تموز. لذلك، فساحة المواجهة سوف تنتقل إلى مناطق شمال النهر، يعني لن تكون بنت جبيل ومرجعيون وما حولهما ساحة الحرب هذه المرة! المعركة سوف تنتقل إلى المناطق الوسط، أي مناطق النبطية وإقليم التفاح والزهراني. ولذلك تكثر، هذه الأيام، التحصينات العسكرية في هذه المناطق وحركة ناشطة في الإستعدادات والتجهيزات إيذانا ببدء المعركة التي ربما أصبحت قريبة.
وما يتوجس منه الخبراء العسكريون في حزب الله أن ظهرهم سيكون مكشوفا غداة الحرب الجديدة. كيف؟
في الحرب السابقة، كانت مناطق جنوب النهر مواقع عسكرية متقدمة، وشكلت مناطق شمال النهر الجبهة الخلفية المساندة، والتي كانت تأتي منها الإمدادات العسكرية وغيرها دون إنقطاع، وهي مناطق متصلة بجغرافيا سهلة التواصل، ويشكل نسيجها الإجتماعي ومكونها الطائفي خط دعم خلفي صلب بالنسبة لمقاتلي الحزب، ويعرفها المقاتلون حجرا حجرا وشجرة شجرة. وفي حال تعذرت التحركات في مناطق جنوب النهر، أو أعاقتها قوات اليونفيل، تطبيقا للإتفاق المبرم عام 2006، سوف تكون قاعدة إطلاق الصواريخ الأساسية وإنطلاق المحاربين هي مناطق شمال النهر. لكن الإمتداد الجغرافي لهذه المناطق، والذي سيكون الخط الخلفي للمعركة المفترضة، هو مناطق صيدا التي لن تؤمن للحزب ما تؤمنه له مناطق معاركه الأولى. إضافة إلى أن الحزب ليس بصدد إشعال حرب الآن رغم أن يده على الزناد. فهو بانتظار ترتيبات سوف تكشف عنها ثورات الشعوب العربية، خاصة ما يحدث في الداخل السوري!
إشارة البدء في الحرب على ما يؤكد الجنوبيون سوف تنطلق من سوريا: في حال اتجهت الأمور هناك نحو مزيد من التعقيد، سيكون تخفيف الضغط على نظام الأسد بصاروخين يطلقهما أحد عناصر الحزب باتجاه الحدود، وما متفجرة القدس الأخيرة سوى دليل على ما ورد!