صورة المقال: في 10 يونيو 2015، حمل مدنيون دروز، يدعمهم الجيش السوري، السلاح دفاعاً عن « السويدا » التي تعرّضت لهجوم من المتمردين على الأسد.
*
جورج مالبرونو- السويداء
في الساحة الرئيسية لمدينة « السويداء ينتصب تمثال « سلطان باشا الأطرش »، بطل المقاومة الدرزية، في سنة 1925، ضد « الإنتداب الفرنسي » على سوريا. وبالمقابل، نادراً ما نجد صوراً لبشّار الأسد في شوارع المدينة. فالناس هنا « دروز » اولاً، وسوريون ثانياً، ولكنهم بصورة خاصة معادون للثوار.
« الدروز موحّدون ضد أعدائهم. لا يستطيع أحد أن يأتي إلى هنا ليفرض علينا رايه »، يقول لنا الشاب « سقراط » الذي ينشط في منظمة غير حكومية وقد جلسنا معه في مقهى بمدينة « السويداء »، قلب « مملكة الدروز » في جنوب سوريا. ويمكن الوصول إلى « السويداء » بواسطة الطريق السريع الذي يصلها بدمشق على مسافة مئة كيلومتر. وحتى سنة 2014، كان الثوار قد قطعوا ذلك الطريق السريع، وعزلوا جنوب البلاد عن العاصمة. وحتى الآن، فما زال الجهاديون يشنون هجمات على الطريق السريع. فهم يمسكون مواقع مطلة يصلون إليها من منطقة « اللجا » الوعرة التي يتحصنون فيها. ويستغرق المرء ساعة كاملة على أحد الحواجز العسكرية لكي يدخل إلى «محافظة السويداء »، التي تبدأ من مسافة 40 كيلومتر عن عاصمة الدروز. فجميع السيارات تخضع للتفتيش، ويضطر الركاب للنزول من آلياتهم لتقديم هوياتهم إلى العسكريين المتحصنين في موقعهم.
ترمز « السويداء » إلى الأخطاء الكثيرة التي راكمها خصوم الأسد، والتي دفعت بهذه الأقلية المؤلفة من 700 ألف شخص إلى أحضان الأسد. وهذا مع أن دروزاً كثيرين خرجوا بمظاهرات سلمية في الشوارع، وليس انطلاقاً من المساجد، في آذار/مارس 2011 حينما اندلعت الثورة السورية. بل، وفي شهر آب/أغسطس ٢٠١١، قام الرائد في الجيش « خلدون زهر الدين » بتشكيل « كتيبة سلطان الأطرش »، التي تحالفت مع الثوّار السُنّة في مدينة « درعا » المجاورة التي انطلقت منها الشرارة الأولى للثورة السورية. ولكن « الأَسلَمة » السريعة للثورة بدأت تثير قلق الدروز المتمسّكين بالعلمانية. ثم جاء اختطاف أحد وجهاء الدروز، « جمال عز الدين »، ثم قتلِه على يد عناصر « جبهة النصرة » التابعة لـ« القاعدة »، في كانون الاول/ديسمبر، ليقلب موقف الدروز كلياً.
« كان قرار المشايخ (الدينيين) في السويداء، وعدد من الشخصيات المدنية، عدم المشاركة في الثورة »، قال لنا أحدهم، وهو الشيخ كامل ناصر، الذي يرتدي الشروال والطربوش التقليدي الأحمر. وقلّت حماسة الدروز للمشاركة في الثورة، في أي حال، حينما قامت « جبهة النصرة » باختطاف الضابط « خلدون زين الدين » ومؤسسي كتيبته الآخرين، وحكمت عليهم بالإعدام، قبل أن تتراجع أخيراً وتطردهم إلى الأردن المجاور.
« لم يكن لأي درزي مصلحة في الإنضمام للمتطرّفين »، قالت لنا « هلا »، وهي مدرّسة شابة تضع الأحمر على شفتيها، وهي تتناول كوب عصير في مقهى كان يفتح ابوابه أثناء شهر رمضان، ويلفت النظر فيه أن زبائنه من الفتيات يرتدين « الميني جوب » وليس « الحجاب ». وأضافت: « الدروز محافظون اجتماعياً، ولكنهم بعيدون جداً عن الإسلاميين ».
وتتناقض أجواء « السويداء » مع الأجواء الإسلاموية، أو حتى الجهادية، للمناطق المجاورة. فإلى الشرق، في صحراء « البادية »، انضمّت قبائل بدوية إلى تنظيم « داعش »، في حين تسيطر جماعات إسلامية مسلحة على المناطق الواقعة إلى الغرب. وتمثّل ضواحي « السويداء » خط جبهة حول مدينة تعرضت للتطويق مراراً. وكان الإستيلاء على عقدة « السويداء » يمثل أولوية بالنسبة لأعداء الأسد، الذين شنّوا هجوماً في حزيران/يونيو ٢٠١٥ ضد مطار « الثعلة » العسكري. لكن، في غضون ليلة واحدة، حمل ما يقارب ١٠ آلاف درزي السلاح لكي يدافعوا، جنباً إلى جنب مع الجيش، عن تلك النقطة الحيوية لطائفتهم. وتمت هزيمة المتمردين، وشكلت الحادثة منعطفاً.
« حتى ذلك الحين، كان كثير من الشبان الدروز يرفضون الإلتحاق بالخدمة العسكرية والرحيل للدفاع عن مدن بعيدة- مثل « حلب » أو « حمص » مثلاً، يقول « سقراط »! ولكن، بعد عملية مطار « الثعلة »، أعطى النظام للدروز الحق في الإلتحاق بالجيش، ولكن مع البقاء في محافظتهم، أي محافظة « « السويداء ». ومرة أخرى، لعب الزعماء التقليديون دوراً حاسماً في عقد إتفاق ضمني مع دمشق. فمقابل تنازل النظام في مسألة التجنيد، قدّم الزعماء التقليديون دعم الأقلية الدرزية للسلطة. وبفضل هذه القوة شبه المستقلة التي تتألف من ١٠ آلاف مسلّح يدافعون عن أرضهم، فإن الجيش السوري لم يعد موجوداً تقريباً في « جبل الدروز ».
ومنذ تلك الفترة، فإن « السويداء » تستقبل عشرات الألوف من النازحين: من الدروز غير المرغوب بهم في منطقة « إدلب » التي يسيطر عليها المتطرفون السُنّة، ولكن خصوصاً الكثير من السُنّة من مناطق أخرى الذين يقصدونها للعمل في الزراعة، التي تمثّل المورد الرئيسي للحياة هنا، إلى جانب المال الذي يرسله أبناء الدروز الذين يعملون في المهاجر البعيدة، وخصوصاً في فنزويلا.
ومع الوقت، غدت « السويداء » ملاذاً، حتى لدروز أحياء دمشق التي يهدّدها الثوار، مثل حي « جرمانه ». وفي تلك المدينة القريبة من دمشق، فقد لعب الدروز أيضاً دور القوة الحاجزة في وجه المتمردين. « مع ذلك، لا تُخطئ الفهم. فمشاعر الناس ليست مؤيدة للنظام »، يقول لنا بصوت خفيض أحد المدرّسين. وينتقد الدروز عصابات الشبّيحة المتكاثرة، والفساد المتزايد في دوائر السلطة: « لن نقبل مجدداً بالعودة إلى طرائق الحكم التي كانت سائدة قبل الأزمة »، يضيف المدرّس نفسه الذي يأمل في « أن يكون النظام قد فهم الرسالة ». وباختصار، فإذا كان الدروز يحتقرون المتمردين، فإنهم ليسوا عملاء للنظام. ويضيف محدّثنا: « الحقيقة أن أي منا لا يشعر بالإرتياح. فما زلنا في منتصف المخاض، وما زلنا نشعر بالقلق لأن مستقبلنا غامض »!
تمرّد اصطبغ بصبغة إسلاموية، ونظام غير ميّال إلى التغيير: كان هذا بحدّ ذاته كافياً لكي يدفع بعض الدروز للإنصات إلى جيرانهم الإسرائيليينن الذين يدعون إلى إعطاء حكم داتي واسع للدروز، من هضبة الجولان وحتى « السويداء ». وقال لنا الباحث طلال الأطرش أن « أنصار هذا الخيار الثالث كانوا موجودين في لحظة ما ». ويضيف: « سعى الإسرائيليون، بواسطة موفدين من دروز الجليل، إلى تقديم أنفسهم على أنهم المدافع الوحيد عن دروز سوريا ». ولكن « أحداً لم يكن مستعداً للعب الورقة الإسرائيلية »، حسب ما قال لنا الشيخ كامل ناصر، مضيفاً أن « الإسرائيليون كذابون ولا يفكّرون سوى بتقسيمنا ». إن مشروع خفض حدة العنف في جنوب سوريا كفيل بتقريب الدروز من حلم الحكم الذاتي ضمن دولة سورية يُعاد تشكيلها.
الأصل الفرنسي: À Sweida, le « royaume autonome » druze vit une paix armée