ما الذي يمكن قوله عن الإرهاب والتطرف الفكري ولم يقل خلال السنوات الخمس الماضية؟ وماذا غير إدانة الإرهاب يمكن للمرء أن يضيف إلى مئات المقالات والتحليلات التي نشرت عبر الصحافة المحلية والعالمية خلال السنوات القليلة الماضية؟
بعد محاولة اغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي، قبل أيام، ها هي الصورة الآن أكثر وضوحاً: ليس ثمة بد من مواجهة حقيقية ومباشرة مع الأسئلة الملحة حول أسباب التطرف الفكري والظروف التي هيأت ودعمت الإرهاب وأعمال العنف وما قد يؤسس لجو من «الإحباط» أو «الحنق» يمكن استغلاله لتجنيد المزيد من شبابنا وقوداً رخيصاً في دوامة التطرف والإرهاب.
لم تعد القضية «إشكالية فكرية» قابلة للجدل أو «الأخذ والرد». كفانا تمييعا للمواضيع المهمة في مشاريع الإصلاح الضرورية على أصعدة المناهج التعليمية والأساليب التربوية وغيرها من إصلاحات تطال الاقتصاد وأداء المؤسسات التنفيذية، إصلاحات شاملة تساعد المجتمع على «الانفتاح» الخلاق على العالم وتقدم مشاريع البناء والتنمية على غيرها مما يساعد على قطع الطريق أمام من يسعى لاستغلال «الجو العام» لخدمة «مشاريع» العنف والإرهاب.
كفانا مزايدات، على المصالح الوطنية وكفانا «مكارثية» تسعى للتحذير من كل دعوة إصلاحية كما لو أنها محاربة للدين أو لخدمة أجندات غربية. لقد بلغ السيل الزبى ولعل القادم أكثر خطورة إن لم نسرع الخطى في مباشرة «أجندة» الإصلاح التي تطال إشكاليات التعليم والثقافة والمشاركة في صناعة القرار ومحاربة الفقر.
إلى وقت قريب ـ وربما ما زال بيننا من يرفض الفكرة نهائياً ـ يكاد المرء يُتهم بتبرير العنف إن أشار ـ فقط إشارة ـ لاحتمال أن يكون الفقر أحد العوامل المساعدة على انتشار خلايا الإرهاب في المنطقة. وإن قلنا إن الخطاب الديني و«المنهج» الفكري ـ بما فيه من إقصائية وأحادية ـ يشكلان النسبة الكبرى في مسببات الإرهاب الذي تواجهه السعودية ـ وغيرها ـ اليوم، ألا يمكن طرح احتمالات أخرى، فقط للبحث في كل أبعاد المشكلة، مثل الفقر والانغلاق الاجتماعي وتردي خطط التنمية الإنسانية؟
في صور الأشلاء الممزقة للانتحاري الذي حاول اغتيال الأمير محمد بن نايف، ليلة الخميس، السابع والعشرين من أغسطس الماضي، ألف سؤال وسؤال: كيف أضاع هذا الشاب الغض طريقه حتى رأينا تلك الصورة البشعة لأشلائه المتناثرة؟ من رعاه فكرياً وأغراه إلى تلك النهاية الفاجعة؟ ما الفارق ـ في المسيرة ـ بينه وبين آلاف الشباب في عمره ومن وطنه ممن يواصلون الآن دراستهم في جامعات أجنبية، ضمن مشروع الملك عبد الله للابتعاث؟
ما الذي يحفز طالب شاب أن يبحث عن فرصة للدراسة الجامعية، في الداخل أو في الخارج، ويخطط لمستقبل وظيفي وعائلي آمن وفي المقابل ما تلك الظروف التي تجرجر آخر ـ في نفس العمر ومن ذات البيئة ـ في أتون العنف ثم ينتهي به الحال حطباً في مشروع تخريبي لا يعرف أبعاده ولا من يتبناه؟
تلك أسئلة مشروعة يمكن أن تضاف لغيرها في محاولة البحث عما خفي وما ظهر من أسباب الانحراف إلى دوامة العنف ومهالك الإرهاب. لم يعد في الوقت مساحة لتلك اللعبة القديمة من تبادل التهم والمزايدة على «الوطن» و«الوطنية» ولم يعد الظرف مناسباً لإقحام المجتمع ـ خاصة وهو يواجه اليوم تحديات حقيقية وخطيرة على أغلب الأصعدة ـ في لعبة «التصنيف» السخيفة، من أصولي وعلماني وليبرالي وتغريبي وما سيأتي. نحن اليوم أمام السؤال الجوهري: هل نريد فعلاً أن نتعامل مع الإرهاب؟
بكل محفزاته والظروف التي تهيئ له ؟ بكل جدية وصرامة ومواجهة؟ هنا يصبح لزاماً ؟ ولا بديل غير ذلك ؟ أن نبدأ في مشروع وطني كبير وشامل لإصلاح التعليم وفقاً لعشرات الدراسات والبحوث التي أعدها باحثون مستقلون (من خارج الدوائر المؤدلجة)، إصلاح يعالج الخلل (و يقضي على الأدلجة) في المنهج وثقافة المعلم وأحوال التعليم إجمالاً.
التعليم ـ وقد قيل هذا الكلام آلاف المرات في صحفنا ومجالسنا ومؤتمراتنا ـ هو حجر الزاوية في أي إصلاح مرتقب. يرافق هذا المشروع برنامج آخر للبحث بجدية وبلا حرج في موضوع الفقر وظروفه وأبعاده. وهنا لابد من الإشارة لمخاطر انحسار الطبقة المتوسطة في مجتمعنا التي يفترض أن تكون «صمام أمان» اقتصادي للمجتمع لكيلا يصبح المجتمع مكوناً فقط من أقلية فاحشة الثراء وأغلبية مسحوقة وشديدة الفقر. ولك أن تسأل: ماذا عن البطالة في صفوف الشباب؟
يا إلهي!
كيف تنام أعين المعنيين بسوق العمل في بلادي وجامعات ومعاهد الداخل والخارج تقذف بعشرات الآلاف من الشباب إلى سوق عمل محدود تتحكم في أغلب قنواته عمالة أجنبية مسيطرة؟ إن البطالة في مجتمع تتشكل غالبيته من فئة الشباب هي «القنبلة الموقوتة» التي قد تنفجر بين أيدينا إن لم نتعامل معها كأولوية في برامجنا ومشاريعنا التنموية.
ربما أن الفقر والبطالة لا تنجبان دائماً ـ بشكل مباشر ـ انتحارياً مثل الذي تناثرت أشلاؤه في مجلس الأمير قبل أيام لكنهما قد تسهمان في خلق مناخ عام من الإحباط وضيق الأفق قد يستغله من يريد الشر والفتنة.
الخلاصة هنا أن الوقت قد حان لتقييم كل الظروف والاحتمالات التي يمكن أن تجعل من عقول وأجساد شبابنا عبوات مفخخة تتحرك بيننا، في مجالسنا ومدارسنا وشوارعنا، ونحن منشغلون بالأقل أهمية وبما يمكن تجاوزه أو تجاهله.
* نقلاً عن “البيان” الإماراتية
في الإرهاب: ماذا لم يقل؟ الجواب الأصح هو الجواب الأبسط : محاولة اغتيال الأمير وتفجيرات بغداد (كأعمال ارهابية) فشلت , فالمزاج العام لم يشحن ويتأجج كما كان يأمل القائمون على هذه الاعمال .. العراق لم ينحدر الى سياسة حلقة (وصل أو فصل) لجبهة الممانعة , بل واصل البناء على دعوة المالكي لقيادة جماعية وطنية (بعد فشل “حكومة الاغلبية” في بناء العراق وعزله عن المؤثرات الخارجية السلبية الجوهر مهما تقنعت) .. وباستقراء المجالس والمدونات السعودية من الواضح ان هنالك وعي جمعي لألقاء الارهاب (القاعدة) في سلة المهملات : فقد غاب تماما “التأجيج الطائفي : سنة- شيعة” الذي نجحت في توليده وتأجيجة… قراءة المزيد ..