(الصورة:وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلي غالب مجادلة)
*
كتب لي مصدر موثوق من وزارة الثقافة، وهو على اطلاع كامل حول تفاصيل جوائز الوزير غالب مجادلةالمحترم، الذي هدد قبل اسبوع رئيس الحكومة بالاستقالة بسبب سياسة التمييز ضد العرب، التي إكتشفها قبل التهديد باسبوع أيضا، بان ما جرى بتوزيع الجوائز هو مهزلة. وهذا نص الرسالة:
” صديقي: أحييك أولاً
لعلمك فإن جائزة تركي هي عشرون ألف فقط (كتبت في مقالي 30 الفا – ميرا جميل)، وليس كما ذكرت، وأن جائزة نادر (يقصد نادر أبو تامر – ميرا جميل) هي بين العددين اللذين ذكرتهما وهي أربعون ألف.
مهزلة حدثت : َتوزع المبلغ الذي كان قبلاً (كانت قيمة الجائزة 72 الف شيكل – ميرا جميل) على عشرين بعد أن كان مخصصًا لتسعة، وذلك ليفاخر الوزير بإنجازات مفترضة، وأما في الوسط اليهودي الذي ستوزع فيه الجوائز في 17/9 الساعة السابعة في غان هعير في تل أبيب فإن الوزير سيوزع الجوائز بمبالغها 66000″.
لم أعد أفهم كيف سيستقيل وزيرنا العربي بسبب التمييز وهو اول منفذي سياسة التمييز بين الأدباء..؟؟
ان فضيحة توزيع الجوائز يجب ان تحرك أعضاء الكنيست العرب الأفاضل لصد هذه الاهانة عن ادباء شعبنا كلهم، وليس فقط عن متلقي الجائزة – الإهانة. وكنت وما زلت أعتقد ان الموضوع يستحق ان يطرح امام محكمة العدل العليا، وامام المستشار القضائي للحكومة، وأن يطلب التحقيق في ملابسات هذه الجائزة من مراقب الدولة. لو كنت ضمن الفائزين لأرجعت الجائزة لأن التمييز بين الأدباء هو قمة الإهانة الشخصية والأدبية.. ولكني لا امارس الكتابة الأدبية، ويكفي الساحة الأدبية مصائبها.. ولا أظن اني ساكون كاتبة أو شاعرة أو ناقدة جيدة.. ربما في النقد ساكون بالتأكيد أفضل كثيرا من الفائز بخمسين ألف شيكل، وأعني “بطرس دلة”. فأنا على الأقل أقرأ وأستمتع بالمقروء، او أشعر بالقرف فأطيح بالكتاب الى سلة المهملات التي كثيرا ما تمتلئ بكتب جعل بطرس من أصحابها أدباء عالميين وحداثيين. كما جعل من الوزير في كلمته المستهجنة “الشخص الذي يحقق المستحيلات” – حقا بقبوله منصب وزير مكان وزير يهودي مستقيل، احتجاجا على دخول الفاشي العنصري ليبرمان للحكومة، هو مستحيل سياسي في المفاهيم السياسية الكونية.
أكرر ما قلته في مقال سابق، بأن بطرس دله يستحق التكريم والتبجيل لدوره التعليمي الممتاز كاستاذ للتاريخ، ولكن ما يقوم به في ثقافتنا المحلية تجاوز الخطوط الحمراء التي لا يجوز تجاهلها، لما تتركه من ترسبات سلبية مدمرة على مجمل ثقافتنا. وقد جهدت لأفهم فلسفة “مدرسة” بطرس دلة النقدية.. فلم أجد الا ميلا للتسلية بعد التقاعد من التعليم.
المشاكس نبيل عودة روى لي تلفونيا انه فوجئ بنقد بطرس دلة لأحد كتبه، ووجد ان “النقد” لم يتجاوز كلمات المديح الكبيرة، ولكن لم تكن علاقة بين نصوص الكتاب ومدائح بطرس. اي يكتب بدون أن يقرأ، مكتفيا بالعناوين وقراءة أقل من 100 كلمة من كتاب عدد صفحاته أكثر من 200 صفحة… وما دام مديحا، وكلنا نحب المديح، اذن يبسطنا مثل هذا “النقد” ونموت حبا في “ناقد” يوزع الألقاب الفخمة بلا حساب.
طيب يا أستاذ نبيل، مش عيب عليك لا تنبسط من مديح بطرس!!
وفسر لي نبيل عبر الهاتف أيضا: بطرس معلم وطني معروف، ولكن إقتحام ساحة الأدب عشوائيا، بدون أدوات مناسبة، وكنوع من التسلية، يعكس آثارا سيئة على مجمل حالتنا الثقافية المتردية أصلا. موضوع النقد ليس صياغة انشاء لغوي. للأسف لم أجد في كتابات بطرس غير الانشاء اللغوي، ويؤلمني ان أدباء مبشرين بالخير يضللهم هذا النقد وقد يقضي على مستقبلهم الأدبي اذا استساغوا مدائحه الفارغة.. والأخطر ان لا يدخلهم بوهم الكمال الإبداعي.
موقف واضح وكلمات لا تفسر على وجهين.
أحد الادباء الذين جعلهم بطرس عالميين، تمنع في رده، ثم اعترف ان بطرس ليس ناقدا، ولكن كتابته قد تساعده على تسويق ابداعه الأدبي، وطرح اسمه بشكل بارز في الساحة الأدبية.. والأهم يرفض ان ينشر أسمه. وعندما ضغطت عليه بالقول ان المثقف الحقيقي هو الذي يقول الحقيقة دائما.. أعلق سماعة التلفون!!
الذي يحيرني: هل سيجرؤ الوزير على تقديم الجائزة بنفس الأسلوب للوسط اليهودي؟ أقصد بشكل عشوائي وتمييز واضح في قيمة الجائزة بين الأدباء حسب وزنهم على القبان؟
لماذا يجري الاختيار في الوسط اليهودي بطريقة حضارية، تتناول الأبداع الأدبي حقا، ونحن بطريقة متخلفة، لا علاقة لها بالإبداع الأدبي؟
هل الأديب اليهودي يستحق 66 الف شيكل والعربي 20 الف شيكل، ولا يخجل الوزير من التهديد بالاستقالة بسبب التمييز صنع يديه؟ اليس ظلم ذوي القربي أشد مضاضة..؟
هل من تمييز أكثر من هذا الوضع المخجل ضد الثقافة العربية والمثقفين العرب في عهد وزير ثقافة عربي؟
الوزراء اليهود لم يميزوا بين العرب واليهود بقيمة الجائزة، بل وربما العرب حصلوا على مبلغ أكبر قليلا (72 الف شيكل وليس 66 الف فقط).. أما التبرير انه رفع عدد الفائزين من الأدباء العرب الى عشرين بدل تسعة ووزع عليهم الميزانية المخصصة للتسعة، فهو عذر أقبح من ذنب. هل بذلك كسر سياسة التمييز؟ أم جعلها أكثر وحشية؟! والأبشع انه ميز بين الأدباء… البعض 50 الف شيكل، البعض 40 الف شيكل، البعض 30 الف شيكل والبعض 20 الف شيكل.. والمقياس كما ارى بوضوح جرى حسب القبان وليس حسب السجل الابداعي. على الأقل لو قسم المبلغ المخصص لجوائز الابداع قسمة حق.
وكان يهمني أن أعرف قيمة جائزة البروفسور نعيم عرايدي.. هل هي 50 أو أكثر، أو أقل ؟ هل هذه المعلومات سرية؟ وهل ابقاؤها سرا هو من سياسة مقاومة التمييز؟.. أو ربما معلومة تتعلق بأمن الدولة؟ّ
لا أقول هذا بسخرية بل بغضب وغيرة على مكانة أدبنا والناشطين الأدبيين.
ايها الفائزون بما هو دون الـ50 الاف شيكل، احترموا أقلامكم.. احترموا كرامتكم.. احترموا شعبكم وردوا الجائزة المهينة للوزير.. لا تقبلوا اقل مما حصل عليه من ليس له علاقه بالثقافة والنقد الحقيقي. لا تقبلوا التمييز بينكم. انتم ضمير هذا الشعب، انتم روحه الخيرة، انتم المعبّرون عن أمانيه وأحلامه. فلا تقبلوا إهانة ثقافتنا واهانتكم من وزير يعمل لضمان عودته للكنيست أولا..
من ناحية أخرى، الأديب اليهودي بوضع اقتصادي أفضل من أوضاعكم. شعبه يقرأ على الأقل ويشتري كتبه، ونحن حتى وزيرنا لا يقرأ أدبنا. هل تظنون ان الـ20 الف شيكل للشاعر تركي عامر، والباحثة نبيلة لبس والفنانة فريال خشيبون، ونفس المبلغ أو أكثر قليلا لغيرهم من المبدعين، تساوي قيمتها لدى العرب نفس قيمة الـ66 الف شيكل التي توزع بدون تمييز ومراتب، على كل الأدباء اليهود الفائزين؟
هل كان من الصعب على وزير الثقافة جعل الجائزة 50 الف شاقل لكل فائز؟ ومن أين هذه “العبقرية” للتمييز بين أدباء لهم نفس الفضل ونفس النشاط ونفس الغيرة عل ثقافتنا؟
أنتظر مداخلاتكم، وجرأتكم في الدفاع عن ثقافتكم وكرامتكم.
gmeara@walla.com
* صحفية – حيفا / نيقوسيا