منذ قدوم “فاتن” من مدينة حمص السورية، تحول منزل جارتنا “أم علي” إلى ما يشبه “المضافة”. يجتمع فيها كل مساء الأهل والأصدقاء والجيران ليستمعوا من “الثائرة” إلى يوميات الإنتفاضة الشعبية ضد نظام الأسد.
لم نترك جميعنا للمسكينة التي وصلت منذ أيام معدودة مع ابنتيها إلى منزل خالتها أن ترتاح ولو قليلا من الإجهاد الذي لحق بها أثناء رحلة الفرار إلى لبنان، ومن كابوس الموت الذي ظل يلاحقها على مدى ثلاثة أشهر في بلادها.
أمضت “فاتن” وابنتاها أياما وليالي طويلة داخل سوريا، يتنقلن في الخفاء من بيت إلى بيت ومن منطقة إلى منطقة، بعدما اعتقل “شبيحة النظام” زوجها وأشقاءه وهددوا باقي أفراد العائلة بالقتل. وحين لجأت إلى قرية حدودية قرب البقاع، تمكنت من الإتصال بأقاربها في لبنان الذين استعانوا بأحد “المتنفّذين” وأرسلوا سيارة أجرة أقلّتها مع ابنتيها بسرية تامة إلى منزل خالتها المتزوجة من جارنا اللبناني.
لا تمل “فاتن” خلال الأماسي المعقودة من الحديث عن تفاصيل ثورة بلادها! تجلس بوضعية “الحكواتي” وتؤكد لنا أن ما يجري على أرض الواقع أكثر وحشيةً مما تتاح لنا مشاهدته، وأن ما يصلنا من أخبار ليس إلا صورة مصغرة عما يحدث هناك من جرائم مهولة.
تشبّه القادمة من “بلاد الثورة” شعبّها بمن استفاق فجأة من نوم مغناطيسي وقد سرت في دمه دفقة جامحة من الإحساس بضوء الشمس، فخرج إلى الشارع مودعا ليالي الظلام وأزمنة الخلود إلى العتمة.
وتشرح: “فرحتنا بالثورة، وخروجنا اليومي كالسيل الذي لا يحد إلى الشارع، لا تعادلها فرحة! كأننا وُلدنا للتو دفعة واحدة وفي توقيت واحد، وخرجنا جميعنا من رحم واحد! نركض في الطرقات نصرخ, ننادي على أحلامنا المخطوفة من ذاكرتنا منذ عقود. وبقدر ما تغلبنا على الخوف الذي تربّينا عليه، تغلّبنا على القهر الذي لازمنا منذ ولادتنا. تغلّبنا على الشعور بالإحباط والإستسلام للواقع بكل ما فيه من تجنٍّ وجور.
“حفلات حرّية” لا تنتهي..
كنا قد فقدنا الأمل بأننا نستطيع كبشر أن نختبر ذلك الإحساس الذي يسمونه كرامة! أن نتذوّق طعم الحرية التي نسمع عنها ونخاف أن تزورنا حتى في المنامات! أن نعبّر بصوت عالٍ عما يجول في خاطرنا! أن نعترض على أتفه الأمور وأقلها شأنا! أما اليوم، فلا متعة في الدنيا تضاهي متعة المشاركة في تظاهرة ما! وقد أصبحت التظاهرات زادنا اليومي شغلنا الشاغل. نستقيظ صباحاً، لا لنذهب إلى أعمالنا أو لنقوم بزيارة الأصدقاء والأهل، أو لنحضر حفلة صاخبة. فعملُنا الوحيد هو التظاهر! هناك نتبادل الزيارات ونطمئن على أحوال بعضنا. و في التظاهرة، ننظم “حفلات حرية” لا تنتهي. صار الخروج إلى الشارع للمشاركة في تظاهرة شرطا وحيدا للهوية وامتحانا لمدى الوطنية وعمق الإنتماء.
حين تبدأ التظاهرة بالإلتمام تسري بين الحارات و الشوارع والأزقة هسهسة تعرف آذاننا معانيها وتجيد قلوبنا فك رموزها، يحملها إلينا الهواء والضوء، وأحواض الزهور على الشرفات، وستائر المقاهي الشعبية، وأسراب العصافير التي تلوح فجأة ثم تختفي. فنندفع فرادى إلى الشوارع الرئيسية والساحات العامة وهناك تلتقي الأعماق بالأعماق، وتلتحم القبضات وتصدح الحناجر. نشتبك مع القتلة، نواجه رصاصهم بلحمنا الحي، يتراجعون فنتقدم، يخافون فنتقدم أكثر، يفرّون من وقع أقدامنا وإلتماعة أعيننا، ويختبئون خلف الجدران. يتسلقون الأسطح والشرفا، ويقومون بقنصنا من الأماكن العالية لأنهم لا يقدرون على الصمود قبالتنا، ثم ينسحبون بعد أن يسقط منا مئات الجرحى والشهداء.
في البداية، كنا نتظاهر بأعداد قليلة. كانت التظاهرات تخرج من الأحياء الفقيرة. وشيئا فشيئاً، اتسعت رقعة المواجهة. صار وسط المدينة بين “ساحة الساعة العتيقة” و”ساحة الساعة الجديدة” مقراً دائماً لثورتنا. نسيطر في لحظات على المكان، فتتفرق فلول “الشبّيحة”، يلوذون بدباباتهم، يحتمون ببنادقهم وقدرتهم على البطش التي لم تعد تجدي نفعا.
في حي “باب السباع”، زرعنا تحت كل حجر، خلف كل باب، حكاية مجد، أغنية حب. ومن “دوّار الكاردينيا” أطلقنا رائحة الحرية. وفي دوار القاهرة قهرنا الباطل وأزهقنا روح. في “بابا عمرو” و”الخالدية” و”البياضة” و”الستين” و”دير بعلبة” و”بستان الديوان” و”منطقة القصور” و”شارع الدبلان”، كتبنا أسماءنا وتواريخ ميلادنا ومواعيد موتنا وحياتنا، ورسمنا خارطة جديدة لمدينتنا. فقدنا في حمص “الساخنة”، كما يصفها إعلام النظام، طعم الهدوء. استبدلناه بصخبٍ جميل، يشبه صخب الأجنّة لحظة الولادة.
أبهى ما في ثورتنا، في سوريا، أنها أشعلت أجسادنا وأثلجت قلوبنا! كنا، قبلها، نعيش بأجسادٍ باردة وقلوب تغلي. كانت أمهاتنا تخاف أن نخرج إلى الشارع ، اليوم صرن يخرجن قبلنا. وإذا تقاعسنا، “يشخطن” بنا! كنا نظن أنه بسكوتنا نتمسك بالحياة. وعلمتنا الثورة أن الخوف لا يصنع حياة. ومعها اكتشفنا ذواتنا من جديد أو اكتشفنا أن ذواتنا من حديد.
للمرة الأولى منذ عقود، تظلّل أفياء الحرية سماء حمص وأرضها، وتكنّس مدينتُنا غبارَ القمع والظلم إلى غير رجعة. نحن أصبحنا أحرارا من ساعة إلتئام أول تظاهرة، و لم يعد لأزلام النظام وأهله مكان بيننا. انتهى زمن سيطروا فيه على حياتنا في ساعة غفلة. شعورنا بالأمان والإستقرار لا يمكن لأعمال القتل والإعتقال والتنكيل والتجويع أن تًبدِّده.
ومن قال إن حمص كانت هادئة قبل الثورة؟ وإن أهلها يعيشون في أمان؟ ألم يكن رجال الأمن يحكمون رقابنا ويتحكمون بأعمارنا؟من ينسى حفلات القتل و الرعب؟ ألم تكن حمص مدينة أشباح؟ ألم يكن الأشباح والشياطين ينتشرون في كل مكان، ينقلون معهم الموت حيثما حلوا، يستبيحون المنازل والأرواح، يبثون الرعب في نفوسنا، يراقبون تحركاتنا ويتجسسون على أحاديثنا، يلاحقوننا في يومياتنا ويمدون أيديهم إلى قلوبنا وعقولنا، يسرقون منها أحلامنا وأحلام أطفالنا؟ من كان يستطيع التعبير عن رأيه؟ من كان يستطيع الكلام أو يقوى عليه؟ كانوا يحشرون أنوفهم في كل تفاصيلنا. في أسماء أطفالنا، وفي اختيارنا لألوان ثيابنا وأصدقائنا، ورغباتنا في الأكل والشرب والحب والزواج والطلاق، ويتدخلون حتى في كمية الملح التي نضيفها إلى الطعام.
وتشير “فاتن” إلى أن رجال الأمن في مدينة حمص استخدموا في الآونة الأخيرة أسلوبا إجراميا متقدما، حيث يندس بعضهم في صفوف المتظاهرين ويقومون بطعنهم بالسكاكين! وفي جمعة “إرحل”، أصيب أكثر من 40 متظاهر بطعنات في الرأس والصدر والظهر، وتضيف: “تركت المدينة شبه محاصرة. المواد التموينية فيها بدأت بالنفاذ، لا طحين ولا حبوب ولا حليب للأطفال في الأسواق. الوقود مفقود، الكهرباء غائبة عن معظم الأحياء خاصة حي “باب السباع”، الليرة السورية تخسر قيمتها يوميا أمام الدولار، ولا سيولة في أيدي الناس. يد الغلاء طاولت كل الأماكن، وارتفعت أسعار الدواء بشكل جنوني. تجار المدينة يقولون إن البنك المركزي لن يبقى صامدا أكثر من أشهر معدودة بعد. الدولة منهكة، ولم يعد باستطاعتها دفع رواتب الموظفين والعسكريين، و”الشبّيحة” ملوا على ما يبدو حالة الإستنفار الدائم، لذلك يتسلّون في أوقات مللهم بقتلنا وتصفية عناصر الجيش الذين يتمردون على أوامرهم. السلطات متخوفة جدا من شهر رمضان، وكلما اقتربت بدايته يشعر المتسلطون بقرب نهايتهم. الثوار السوريون يحضرون لـ”هبّة” جديدة في رمضان سوف تنهي، انشاء الله، نظام الأسد ونحتفل بعيد الفطر مع أحرار العالم.
فاتن” الثائرة من حمص: كأننا وُلدنا للتو دفعة واحدة وفي توقيت واحد، وخرجنا جميعنا من رحم واحد!
حافظي على حنجرتك يافاتن يابنتي ، فهؤلاء تحمل قلوبهم من القسوة والفظاظة والغلظة مالا تستطيع فتاة في ربيع العمر مثلك تحمله .
فاتن” الثائرة من حمص: كأننا وُلدنا للتو دفعة واحدة وفي توقيت واحد، وخرجنا جميعنا من رحم واحد! لا يستطيع اي مواطن سوري ان يدخل او يخرج من حماة بدون المرور على عدة حواجز امنية وعسكرية فكيف بالله عليكم بسفيري امريكا وفرانسا وهذا دليل اخر على الكذب والنفاق لشبيحته الاعلامية والحقيقة ان النظام السوري الدموي الذي اعطى الضوء الاخضر لهما او كان يستطيع ان يطردهما ولكن يتهمهما انهم خالفوا القانون انها استحمار بعقول الناس انظروا الى الكذب الواضح وضوح الشمس قالت شعبان إن الزيارة غير المرخصة التي قام بها فورد إلى حماة تزامنت مع اجتماع لأئمة مساجد وقادة المجتمع المدني، مضيفة… قراءة المزيد ..
فاتن” الثائرة من حمص: كأننا وُلدنا للتو دفعة واحدة وفي توقيت واحد، وخرجنا جميعنا من رحم واحد! تاريخ سوريا الحبيبة كتب بدماء الشهداء والمعتقلين والمهجرين منذ 48 سنة من نظام سوري دموي تحكمه مافيا مخابراتية مجرمة لا تفهم الا القتل والقتل والقتل فقط.لنكن منطقيين الشعب يحاور من؟ قتلة مجرمين سفاكين الدماء يدمر مدنهم ويقتل اطفالهم وشبابهم وينهب ثروتهم ويجعلها رصاص في صدورهم.يقول احد المفكرين”حين تأملت أمساخاً بشرية تفتك بالناس ثم تعربد فوق جثثهم، الراقدة بدون حس وحركة، تشكو للرحمن من ظلم الأهل، ويرفع أحد الأوغاد يده بعلامة النصر (V) فوق أجساد ممزقة، تسبح في بركة من الدم، ثم التصوير بمتعة… قراءة المزيد ..
فاتن” الثائرة من حمص: كأننا وُلدنا للتو دفعة واحدة وفي توقيت واحد، وخرجنا جميعنا من رحم واحد!
الحرية تاج على رؤوس الاحرار.