مشروع لبنان الوطن والدولة والانتماء اللبناني يمكن ان تلمسه لدى مسيحيي هذا البلد اكثر من المسلمين، بسنتهم وشيعتهم. ويمكن ملاحظته بحيث ان الانتماء الديني لدى مسيحيي لبنان يعزز على طول الخط هذا الانتماء الى الوطن والدولة، وتبدو المسافة قريبة بين الانتماءين اكثر من قرب انتماء اللبنانيين السنة والشيعة، المذهبي والديني، الى لبنان الوطن والدولة. توصيف لا ينطلق من حكم قيمي على المكونات اللبنانية او على المواطنين، بقدر ما هو توصيف واقع يتصل بظروف ديمغرافية وسياسية ودينية، تتصل هي اﻷخرى بالمحيط الاقليمي وتأثيراته على لبنان وعلى مكوناته. لذا يبدو الشارع المسيحي اليوم، على مختلف انتماءاته السياسية وتياراته، أقرب إلى فكرة الدولة وحمايتها، ورافضاً، بطبيعة مصالحه، الانغماس في الصراع السوري، وصولا الى دعمه اجراء الانتخابات النيابية واحترام الاستحقاقات الدستورية.
وبحكم ان الساحة المسيحية تشهد نقاشا مفتوحا على مصراعيه، فإن القوى السياسية فيه وعلى رأسها التيار الوطني الحر، تستند الى حالة شعبية وتستجيب إلى توازنات داخلية. صحيح ان هذه القوى تعمل على اعادة انتاج المزاج المسيحي في الخيارات السياسية ضمن حدود، لكن من الواضح ان الشارع المسيحي لديه تعددية واضحة في الآراء والاتجاهات، تفرض الحديث عن وجود رأي عام مسيحي. والشارع المسيحي بدأ يطلق اشارات نحو قواه السياسية، منها ما يمكن ملاحظته هذه الايام في مواقف واشارات يطلقها مسؤولون في التيار الوطني الحر تجاه مسألتي الانخراط في الازمة السورية وقواعد اللعبة الجديدة التي وضعها السيد حسن نصرالله غداة بدء هجوم حزب الله الاخير على مدينة القصير. فرصيد العماد ميشال عون تيار سياسي ليست لديه ايديولوجيا ولا قوة عسكرية ولا سلاح بطبيعة الحال، ولأنه كذلك يسعى الى ان يلبي متطلبات قاعدته، والى التقاط اشاراتها. وعندما يصل المزاج المسيحي الى مرحلة دق ناقوس الخطر، فإن العماد عون مضطر الى اعادة قراءة قواعد اللعبة الجديدة، التي لم يُستشر بها اصلا، وهو غير قادر على تبنيها، ومضطر ان يعود إلى مذكرة التفاهم ويذكر حزب الله ان “هذا لم يكن من شروط اتفاقنا”.
مشهد الصراع بات سنيا – شيعيا في سورية والمنطقة، كما يراه العديد من المسيحيين: “فما هي علاقتنا وحتى حصتنا من هذا الصراع؟ فمن ينتصر فيما اذا كان من منتصر وما ستكون مكاسب المسيحيين من انتصاره او انكساره؟ بل من قال ان وجود لبنان لن يكون على المحك؟”.
كان لقاء العماد عون وحزب الله، منذ ورقة التفاهم في 2006، قائما على تقاطع مصالح تحكمه المعادلة اللبنانية الداخلية وصولا الى سورية، انطلاقا من ان النظام السوري كان يمكن ان يشكل لدى فئة اساسية من المسيحيين تعبيرا عن نظام حماية الاقليات، فيسمح للمسيحيين والشيعة، كأقليتين، بلجم اندفاعة السنية السياسية، التي تعتقد هذه الفئة ان الرئيس الراحل رفيق الحريري مثلها في حياته، واشتدت بعد استشهاده. لكن المشهد السوري تغير وانتقل الى دائرة اقليمية اوسع، ونظام المصالح بدأ يتغير.
خارطة الصراع الجديدة نسفت مقومات ورقة التفاهم، لأن لبنان بات تفصيلا في مواجهة اشمل، ودخلت عناصر جديدة من التداعيات لم تكن مطروحة من قبل. سؤال الدولة والكيان بات مطروحا بقوة بعد معركة القصير. ولبنان الذي شكلت دول الخليج العربي مصدرا اساسيا في معادلته الاقتصادية والمالية، بات المسيحيون عموما يتلمسون فيه فداحة الانخراط ضمن قواعد اللعبة الجديدة التي تفرض على البلد. في ظل تنامي الاصوات الداعية في الخليج الى معاقبة لبنان عموما وليس فئة محددة فحسب، إذ ثمة مزاج عام خليجي بات اقرب الى تقبل هذا التوجه بعد القصير.
هذه المخاطر من تقويض الانتخابات النيابية، الى الانغماس في الازمة السورية، بدأت تفرض اعادة الحسابات المسيحية. اعادة حسابات لا تعني بالضرورة انقلابا في التحالفات، بل ثمة “نقزة” فرضت على العماد ميشال عون اخذ مسافة عن حليفه، مسافة يفرضها المزاج المسيحي نفسه الذي رحب بتفاهم العام 2006…
alyalamine@gmail.com
إعلامي لبناني
البلد
عون بعد القصير… ليس كما قبلها؟
قبل القصير و فيها و بعدها، و مثل اليوم الأول الذي تشحرنا فيه بسماع اسمه الميمون في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، ميشال عون هو هو: مجرّد مسطول و معتوه سلطة، و مرآة لآلاف المسيحيين المساطيل و المعتوهين الذين يرون فيه صورة السطلنة الذين هم عليها. هذا هو ميشال عون و كفانا تحليلات.