مراسل جريدة “لوموند” الفرنسية، “ماريون غينار”
كانوا بين أول علّق على الحدث. فما أن أعلن حازم الببلاوي استقالة حكومته في يوم 24 فبراير حتى سارعت جمعية المستثمرين المصريين للترحيب برحيله. ثم هلّلت، بعد أيام قليلة، لتعيين ابراهيم محلب رئيساً لحكومة جديدة.
فبمواجهة غضب اجتماعي يتم التعبير عنه منذ أسابيع في العديد من شركات القطاع العام، وكان أحد أسباب التغيير الحكومي، فإن الرئيس والمدير العام السابق لـ”المقاولون العرب”، وهي أول شركات مقاولات عامة في مصر، يمثّل “رجل الساعة” في نظر أوساط الأعمال المصرية. إن ابراهيم محلب في الستين من العمر، وهو ديناميكي، ورجل ميدان، بعكس سلفه الببلاوي الذي صوّرته وسائل الإعلام كجامعي يفتقد إلى الجاذبية.
إن ماضي ابراهيم محلب كشخصية نافذة في عهد مبارك، وكنائب لرئيس لجنة السياسات في الحزب الوطني الديمقراطي وكشخص مقرّب من جمال مبارك، الذي يُعتَبَر بدوره “رجل أعمال”، لا يؤثر في مكانته في ما يبدو. “ذلك بات من الماضي”، حسب منير مقار رئيس “مزارع منير مقار” التي تنتج خضاراً طبيعية للصناعة السياحية. ويضيف: “لدينا مشاكل ينبغي حلّها، ونحن بحاجة لكفاءات. ولم يعد لدينا الوقت لمعرفة من كان من “فلول” مبارك ومن لم يكن”!
وعلى غرار ابراهيم محلب، فإن الوزراء الجدد ينتمون إلى نظام مبارك. ويقول عنهم قاضٍ مصري فضّل حجب إسمه: “إنهم تكنوقراط ورجال أعمال كانوا في الصف الثالث أو الرابع في الحزب الوطني الديمقراطي، اعتادوا الطاعة ولم يتعرضوا لتأثيرات الرأي العام”. وربما يصح ذلك على وزير الكهرباء الجديد، محمد شاكر. فقد ظل طوال 20 سنة الماضية على رأس مجموعة تحمل إسمه وتتخصص بالإستشارات والمقاولات الكهربائية، وكان لها نصيب كبير في العقود الحكومية في عهد مبارك. وتعمل مجموعة شاكر حالياً على بناء محطة كهرباء ستغذي خط المترو الثالث في القاهرة. ويضيف القاضي المصري أن “ذلك يطرح مشكلة تضارب المصالح”.
ومع أن رجال أعمال النظام السابق لم يكونوا قد اختفوا كليا ًمن المشهد الإقتصادي، فقد عادوا الآن إلى واجهة المشهد السياسي بعد ثلاث سنوات من الإبتعاد القسري. فقد وجّهت ثورة 25 يناير ضربة قوية لاستراتيجية الإنفتاح الإقتصادي التي اتبعتها السلطة منذ العام 2005: وهي تقوم على تحديث الإقتصاد عبر “ليبرالية متطرفة” لا تراعي إعادة توزيع الثروات الإجتماعية. وحينما رفع الثوار المصريون شعارات “الخبز” و”العدالة الإجتماعية”، فإنهم كانوا، كذلك، يندّدون بالفساد المزمن وباحتكار مداخيل الدولة من جانب حلقة صغيرة من رجال الأعمال، الذين يحمل معظمهم بطاقات حزب مبارك، وتنتمي أغلبيتهم إلى البرجوازية الكبيرة وتعتبر نفسها صاحبة السلطة الإقتصادية في البلاد.
وبعد أسابيع من سقوط مبارك، كان عشرات من المسؤولين- سواءً من السياسيين أو من رجال الأعمال- قد أحيلوا إلى المحاكمات بتهم الفساد واختلاس المال العام. ولكن الأحكام ضد أغلبيتهم الساحقة كانت أحكاماً غيابية، ونادراً ما دخلوا السجن فعلاً. و“حسين سالم” واحد هؤلاء. فالرجل الذي كان يُعتبر من أقرب المقرّبين إلى مبارك حُكِم في يونيو 2012 بالسجن لمدة 15 عاماً بتهمة بيع الغاز المصري لإسرائيل بسعر يقل عن سعر السوق. وقد فرّ إلى إسبانيا، ولم يتم استرداده قضائياً. وفي يناير، عرض “حسين سالم”، من قناة “سي بي سي” المصرية الخاصة، أن يصدر عفو عنه مقابل غرامة بقيمة ملايين الدولارات. وردّ الناطق بلسان الحكومة معرباً عن انفتاحه على اقتراح المصالحة المالية، وتجري حالياً مفاوضات بين الحكومة ورجل الأعمال الفارّ.
وجاء وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في يوليو 2012 كضربة ثانية قوية لرجال الأعمال. ويقول “علي موسى”، الذي كان مقرّباً من جمال مبارك، وهو رئيس ومدير عام هولدينغ ينتج مواد بناء، أن “الإخوان المسلمين كانوا يفتقدون للتجربة وأرادوا السيطرة على كل شيء. وكانوا يرغبون في أن يستبدلوا رجال أعمال النظام القديم برجالهم هم على الفور”. ولكن، على غرار الجيش والشرطة والقضاء، فقد مارس كبار رجال الأعمال سياسة العرقلة. إن “نجيب ساويرس“، الذي يملك ثالث أكبر ثروة في مصر، ويملك شركة “أوراسكوم”، لم يخفِ يوماً أنه ساعد، على الأقل لوجستياً، حركة “تمرّد” التي قادت العتبئة الشعبية التي أسفرت في 3 يوليو 2013 عن إطاحة الجيش بمحمد مرسي.
نتّجه نحو كارثة!
إن البورصة المصرية، التي وصلت إلى الحضيض في عهد مرسي، عادت إلى الصعود المتواصل. وبعد استقالة الببلاوي، ارتفعت أسعار الأسهم إلى ما يفوق مستواها في العام 2010. ويقول المحلل المالي “أسامة نجيب” أن احتمال ترشّح المشير السيسي للرئاسة أثار ارتياح المستثمرين. ولكن ذلك الحماس لا يعبّر عن حقيقة وضع الإقتصاد المالي، الذي بات منهكاً بعد 3 سنوات من الفوضى. فخلال الأشهر الأربعة الأخيرة ظل النمو الإقتصادي في حدود 1 بالمئة في حين تصاعد الدين العام، الداخلي والخارجي، منذ يوليو 2013 إلى 270 مليار دولار، ما يمثل 107 بالمئة من الناتج القومي القائم.
إن عودة الإستقرار السياسي واستمرار الدعم الأجنبي، على غرار مبلغ 12 مليار دولار الذي قدّمته، في صيف العام 2013، السعودية والإمارات والكويت، هما بعض عوامل الخروج من المأزق. ولكن تحسين الأوضاع يتطلب إرادة سياسية كذلك. ويقول علي موسى: “ينبغي إصلاح نظام دعم أسعار المواد الغذائية ودعم أسعار
الوقود الذي يلتهم ميزانية الدولة. ولكن الببلاوي لم يجرؤ على ذلك حينما كان يتمتع بشعبية ساحقة. فهل يقوم محلب بالإصلاح المطلوب عشية الإنتخابات الرئاسية؟ إننا نتجه نحو كارثة”!
ترجمة “الشفاف” نقلاً عن “لوموند“