حرص حزب الله على الاعلان عن اللقاء الذي جمع مسؤوله في مدينة صيدا، الشيخ زيد ضاهر، مع احد مسؤولي “عصبة الانصار” في مخيم عين الحلوة، علي السعدي (ابو سليمان). اللقاء الذي انعقد قبل يومين في مكتب حزب الله في صيدا، ليس الاول بين الطرفين وان كان الاول الذي جرى تحت انظار ومتابعة وسائل الاعلام. فماذا تحمل
هذه الرسالة، والى من توجه؟ وهل تنطوي على ابعاد جديدة في العلاقة بين حزب الله والفلسطينيين في المخيمات؟
لا شك ان حزب الله ما كان ليبادر الى هذا الاعلان لولا ظروف سياسية فرضت عليه تجاوز اعتبارات سياسية وقانونية تمنعه من القيام بهذه الخطوة وعلى رأسها اعتباره أحد أبرز أعمدة الحكومة إن لم يكن عمودها الفقري.
لماذا المنع؟ لأنه من المعلوم ببساطةٍ أن “عصبة الأنصار” صدرت أحكام غيابية قاسية في حق قيادتها وكوادرها، وعلى رأسهم أميرها أحمد عبد الكريم السعدي الملقب بـ”أبو محجن”، في جريمة اغتيال القضاة الأربعة في صيدا، حسن عثمان، عاصم أبو ضاهر، وليد هرموش وعماد شهاب في حزيران من العام 1999. هذا من دون غضّ الطرف عن أن العصبة عُرِفت كالطرف الابرز الذي كان يرسل مقاتلين الى العراق من لبنان وسقط لها 20 “شهيدا” ضمن عمليات تنظيم القاعدة.
وفي محاولة لرصد ابعاد هذا اللقاء أدرجته مصادر قريبة من حزب الله في سياق استكمال توثيق العلاقة بين الحزب وابناء المخيمات الفلسطينية ومنظماتها، والحد من دور العابثين بالأمن والساعين إلى تسعير فتنة مذهبية، خصوصًا ان هذا اللقاء كان مسبوقا، بحسب مصادر فلسطينية معنية في المخيم، بسلسلة لقاءات بين حزب الله وقيادة “عصبة الانصار” تمّ خلالها تنظيف مجموعة من الملفات الامنية لعدد من المطلوبين للدولة اللبنانية، ومن بينهم اخيراً علي السعدي نفسه. وتوج ذلك اللقاء العلني بتقديم حزب الله مساعدات عينية إلى “العصبة”، منها ما بات متداولا داخل المخيم عن مساعدات اجتماعية، الى تأمين مولدات كهربائية، وبعض المساعدات العينية للاجئين الفلسطينيين الآتين من مخيمات سورية الى مخيم عين الحلوة.
على أن اندفاع حزب الله نحو بناء علاقة علنية مع “عصبة الانصار” لا يمكن فصله عن جملة حسابات بدأ حزب الله البناء عليها في علاقاته الفلسطينية والسنيّة عمومًا. فمع فقدان حزب الله حرارة العلاقة مع حركة “حماس”، وتقدم امير قطر وجماعة الاخوان المسلمين لاستيعابها وتعويضها خسائر العلاقة مع ايران، يجد حزب الله نفسه امام تحدي تعويض خسائره ايضا على هذا الصعيد، لا سيما أن الحزب يعيش هاجساً مستمراً وهو منع تعميق معادلة شعبية يحاول خصومه اللبنانيون ادراجها كحقيقة سياسية، مفادها أن الفلسطيني هو سنّي بالمعنى السياسي اللبناني. لذا يحرص دائما على القول، سياسيا وعمليا، انه موجود على 30 في المئة من ارض الاعتدال السني من خلال تحالفاته ضد تيار المستقبل. كذلك الامر بالنسبة إلى المخيمات الفلسطينية، حيث يسعى الى تثبيت وجوده من خلال بناء علاقات مع اي مجموعة فلسطينية تتوافق مع حساباته في مواجهة اطراف فلسطينية اخرى.
لا شك ان “عصبة الانصار” استفادت من عامل ضعف الاستقطاب فلسطينياً لدى حزب الله مع نشوب الثورة السورية، ونجحت في كسر حاجز العزلة اللبنانية التي تعانيها. ووفرت لها هذه العلاقة غطاء امنيًا وبعض موارد الدعم التي تحتاجها مادياً. وهي علاقة ستفتح شهية مجموعات فلسطينية متناثرة بهدف استثمار نفوذ حزب الله لدى الاجهزة الامنية من جهة، والاستفادة من الدعم المادي الذي زاد حزب الله من وتيرته اخيرًا في المخيمات الفلسطينية. والى هذه العوامل التي تترجم اندفاعة حزب الله في مخيم عين الحلوة، لا تغيب عن باله ظاهرة الشيخ احمد الاسير التي، وان كان الملتفون حولها من ابناء صيدا، إلا أن مراقبيها يشيرون الى تمددها نحو مخيم عين الحلوة وتمددها فلسطينيًا.
وان كان ما يقلق حزب الله ويزعج اقرانه من الاسلاميين في المخيم، ومنهم “عصبة الانصار”، هو أنهم يتنافسون على الجمهور نفسه، لذا يأتي تشكيل او دعم بؤر سنية لبنانية وفلسطينية، من صنف “الاسير” وفي مواجهته، كمهمة ملحة يضعها الحزب في أولوياته عبر تمتين سدود فلسطينية ولبنانية جهادية واصولية وحتى سلفية، سعيا إلى الحد من تراجع نفوذه الفلسطيني.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
جريدة “البلد”